في ظل قلة الوظائف وانحدار مستوى التعليم وأعباء الحياة المستمرة على المواطن المصري وقلة الوعي، ونظرًا لاحتياج الكثير من شباب الخريجين للعمل، بدأ في ظهور ما يعرف باسم شركات التوظيف في أشكال متعددة ومتلونة تحت أي اسم. فمن هذه الشركات ما هو قانوني، مثل جمعيات تنمية المجتمع المحلي، التي تتيح لها الدولة إمكانية تدريب الشباب على حرفة عمل والخروج بهم إلى المجتمع في شكل مشروع تنمية صغير، ولكن ظهر من ينصب تحت مظلة ترخيص التضامن الاجتماعى بشكل يعطي الشرعية والديباجة القانونية، وكأن القانون ساعد في طرق الاحتيال علي الشباب المصري الذي يسعى جاهدًا في طرق كل الأبواب لكي يكسب عمل مرموق يخدم به وطنه في ظل أزمة البطالة الموجودة بالبلاد. نجحت بوابة "الوفد" في اختراق العديد من هذه الشركات والدخول إلى عالم شركات الوهم عن طريق العديد من الإعلانات المتوفرة على شبكات التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، وغيرها من مواقع الإعلانات الشهيرة والجرائد الرسمية، التى سمحت بالنشر دون أن تتحرى الدقة حول مصداقية الٌمعلن لديها . ونبدأ المغامرة من إحدى شركات التوظيف "واسطة" عندما تذهب فأنت تذهب للبحث عن وظيفة "كول سنتر" حسب الإعلان الصادر بجريدة الوسيط، ويدعى أن جميع شركات الاتصالات تطلب للعمل لديها جميع المؤهلات والطلبة براتب ثابت 1500 جنيه شهريًا، على أن يكون العمل خمس أيام فقط في الأسبوع، بواقع ثماني ساعات عمل، و يومان إجازة هكذا هي صيغة الإعلان. وعندما تطرق أبواب الشركة بالمعادي تقابلك السكرتيرة وتبدأ في الحديث معك السن، والمؤهل الدراسي ثم تردف قائلة انتظر خمس دقائق كي تقابل مدير الموارد البشرية بالشركة، ثم تدخل ليناقشك ويسألك العديد من الأسئلة، أهمها: "هل تقدمت على تلك الوظيفة بشكل أو بآخر في أي شركة أخرى؟"، وعند الإجابة بنعم يلح عليك في معرفة الاسم والعنوان الخاص بالشركة، ثم تنتهي المقابلة بدفع مبلغ 10 جنيهات أو 20جنيهًا عند سكرتيرة أخرى موجودة بنفس الشركة بحجة أن هذا رسوم ملء استمارة البيانات . العجيب في الأمر أنه من خلال البحث في العديد فى المواقع والجرائد الخاصة والحكومية تصادفت في نفس صيغة الإعلان، ولكن باسم شركة أخرى وهي "القدس العربية" بالهرم، ونفس طلبات الشركة السابقة ولكن هنا العرض مغرٍ أكثر فالراتب يبدأ من 2000 جنيه فقط، وفى حالة عدم وقوع اختيار شركة الاتصالات عليك فإنه يستوجب عليك القبول بأحد الوظائف المقترحة من الشركة، وهي فرد أمن لدى أحد الفنادق بشرم الشيخ أو الغردقة براتب 850 جنيهًا كحد أدنى، وعند الرفض من الشاب فهو إذن كما يدعون في قائمة الانتظار لحين إشعار آخر من الشركة . تدخل ضمن شركات الوهم جمعيات تنمية المجتمع المحلي وأبرزها "جمعية الشروق للمشروعات الصغيرة بالقاهرة"، والتي نجحت كاميرا الوفد بالتصوير داخل مقر الجمعية، مع أحد الضحايا من الشباب المخدوع، بوهم العمل من المنزل براتب 2000 جنيه، حيث يدّعى تامر سليمان، مدير عام الجمعية، ويعمل موجه بالتربية والتعليم أن الجمعية تعمل جاهدة على حل أزمة البطالة، وأنها تقوم على إعطاء المتدربين من الشباب حرفة عمل جيدة، وهي تصنيع منتجات البورسلين المسطحة، والمجسمة الشكل، ويردف قائلًا: "نحن كجمعية تنمية مجتمع محلي نعمل على تدريب الشباب على تصنيع البورسلين المسطح وعند انتهاء فترة التدريب، نعطي المتدرب الخامات مجانًا لكي نحصل منه على عينة مبدئية يتم على أساسها طلب كميات كبيرة منه، نقوم بتسويقها نحن كشركة تتعامل مع كبار التجار". وعندما واجهنا الشباب الذي ما زال تحت التدريب منهم تقول آية الله أحمد طالبة بكلية دار العلوم: جئت إلى الجمعية وفق الإعلان المنشور بجريدة الأهرام، أتعلم حرفة وأعمل من المنزل بمرتب ثابت 2000 جنيه، وتعلمت هنا بالجمعية حتى الآن كيفية صناعة البراويز المصنوعة من السيلكون. وبسؤالها هل ستحصلين من الشركة على الخامات؟ قالت بالطبع لا فنحن من يقوم بشراء الخامات والذي شجعني على المجيء إلى هنا فكرة العمل من المنزل وأن الجمعية هي من تقوم بالتسويق للمنتج، كما أن دراستي كطالبة بدار علوم فأنا لا أعرف شيئًا عن التسويق واعتمادي بعد هذه الدورة التدريبية على الجمعية في التسويق والربح من خلالها. ويقول محمد أحمد رشدي محمد، وهو أحد المتدربين أيضًا لدي جمعية الشروق، جئت إلى الجمعية بسبب فكرة الربح من خلال العمل من المنزل وأعتقد أنه حتى الآن استفاد بعض الشيء من الجمعية ككسب حرفة عمل جديدة، وأكثر شيء أبهرني في الموضوع هو فكرة التسويق من خلال الجمعية بعد اجتياز التدريب . وأشار حسام فتحي عبدالغني، أحد المتدربين الذين اجتازوا الدورة التدريبية ويروي القصة بالتفصيل، فيقول: ذهبت إلى أحد الشركات قبل جمعية الشروق وتدعى "الصخرة" وبعد أن قمت بصناعة أحد الأشكال الخاصة بالتدريب وكانت بتكلفة حوالى 70 جنيهًا وذهبت بها إلى الشركة قالوا: لقد أنهت الشركة عملها ونحن الآن لا نتسلم أي مشغولات يدوية جديدة، وعندما طالبت بالنقود التي دفعتها، ادعوا أن هذا كان مقابل تدريب . ويقول حسام: قرأت إعلان بأحد الجرائد خاص بجمعية الشروق، محتواه اشتغل واربح خمسة آلاف جنيه من المنزل، فقمت بالاتصال بالجمعية، وحضرت إلى مقرها وتم تدريبي بعد دفع مبلغ 350 جنيهًا، وفق وعد من الجمعية بالحصول على خامات وشراء المنتجات من المجموعة المتدربة، واليوم انتهيت من التدريب ولم يتم الحصول على أي متعلقات خاصة بالمشروع الذي تم تدريبي عليه، وعندما طالبت بالخامات فوجئت بطلبهم مني مبلغ مالي وقدره 150 جنيهًا وعلمت في النهاية بأنه تم النصب علينا ولكن بشكل رسمي. واختتم حسام كلمته قائلاً: "أنصح كل شاب بتحري الدقة حول التقدم لأماكن العمل، ولا تٌقدم على عمل يطلب مبلغًا ماليًا قبل توفير الوظيفة ." شاهد الفيديو: