استكمالا للحديث السالف وما أوردناه من أن المشرع أصدر لاحقاً قانوناً أفرز التطبيق العملي عن حالات لا تمت للعدالة ولا المنطق القانوني بأدني صلة إذ صدر القانون رقم 74 لسنة 2007 بتعديل قانون حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض ونص علي الغاء المادة 33 من قانون حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 وتلك المادة أي المادة 33 كانت تعطي للنيابة الحق في الطعن بطريق النقض في الحكم الصادر من محكمة الجنايات في غيبة المتهم بجناية إلا أنه وإزاء الغاء هذه المادة فقد أصبح الحكم الذي تصدره محكمة الجنايات في غيبة المتهم مهما كان مشوباً بالخطأ في القانون أو في تطبيقه أو في تفسيره أو تأويله فإنه بعد التعديل الذي جري علي المادة 395 من قانون الاجراءات الجنائية في القانون رقم 95 لسنة 2003 والذي نص علي أنه لا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضي به الحكم الغيابي ومن ثم فإن الحكم الغيابي إذا قضي بعقوبة مشوبة بالخطأ في تطبيق القانون بأن كانت أقل بكثير من الحد الأدني الواجب الحكم به قانونا فإن محكمة الجنايات عند اعادة محاكمته لا تملك التشديد. وازاء التعديل الذي استحدثه القانون رقم 74 لسنة 2007 من الغاء المادة 33 من قانون حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض والتي كانت تعطي للنيابة العامة الحق في الطعن بطريق النقض في الحكم الصادر من محكمة الجنايات في غيبة المتهم بجناية فإنه مهما كان الخطأ القانوني الذي شاب الحكم الغيابي فإن محكمة الجنايات وإذ غلت يدها عن تشديد العقوبة مع اغلاق كل أبواب الطعن عليه نكون أمام الواقع الذي أفرزه التطبيق العملي عن نماذج صارخة لانظير لها في أي قانون اجرائي إذ وعلي سبيل المثال لا الحصر ومن واقع عملي بحت فإنه اذ كنا أمام جناية مثلا جلب أو الاتجار في مادة الهيروين المخدر وكان أحد المتهمين حاضراً والآخر غائبا وقضت المحكمة عليهما غيابيا وحضوريا بعقوبة مشوبة ب الخطأ في تطبيق القانون بأن قضت بالسجن المشدد ثلاث سنوات بعد إعمال المادة 17 من قانون العقوبات الخاصة بحق المحكمة في استعمال الرأفة واعمالا لنصوص قانون المخدرات التي في هذه الحالة لا تجيز للمحكمة أن تنزل بالعقوبة عند تطبيق المادة 17 سالفة الذكر عن درجة واحدة أي أن المحكمة وحتي يكون حكمها متفقاً مع صحيح القانون لا تملك في هذه الحالة الحكم بعقوبة أقل من السجن المشدد المؤبد علي كل منهما. ويسفر التطبيق العملي عن واقع مرير ومجاف لأبسط مبادئ العدالة، إذ إن المتهم الذي حضر ليحظي بمحاكمة عادلة منصفة فإن النصوص القانونية سالفة البيان لاتنصفه، بل إنها فرضت أمراً واقعيا تأباه العدالة والمنطق القانوني المجرد الذي يفرض بمنطق البداهة المساواة بين المتهمين الذين تتساوي مراكزهم القانونية ورغم تساوي المركز القانوني لكل من المتهم الحاضر والغائب فان المتهم الذي التزم وحضر اجراءات المحاكمة يكون في مركز أسوأ بكثير من المتهم الذي استهان بالمحكمة وباجراءات المحاكمة وآثر عدم الحضور ليحظي بحكم مخفف مشوب بالخطأ في تطبيق القانون وقد تحصن، إذ لايوجد نص اجرائي قانوني يحدث تلك المواءمة المتطلبة دستوريا وقانونيا وهو المساواة بين المتهمين الذين تتساوي مراكزهم القانونية. وللحديث بقية عن أمثلة واقعية تأكيداً لذلك. سكرتير عام حزب الوفد