استكمالاً للحديث عن الأحكام الغيابية وما أفرزه التطبيق العملى للنصوص الإجرائية المتعلقة بها من نتائج صادمة للعدالة وعلى نقيض ما تتغياه التشريعات العقابية سواء ما تعلق منها من النصوص العقابية الموضوعية التى تحدد الأفعال المؤثمة والتى يندرج مرتكبها تحت نص عقابى جزء وتأثيماً لهذا الفعل أو ما تعلق منها بنصوص إجرائية تضمن محاكمة عادلة ومنصفة وناجزة تتحقق فيها كافة ضمانات وحقوق الدفاع. وسيتضمن الحديث ابتداء النصوص الإجرائية التى تنظم المحاكمات الجنائية فى الجنايات ثم تعرض بعد ذلك الى النصوص الإجرائية التى تتضمن ضوابط المحاكمات الجنائية فى الجنح وستعرض فى كل منهما الى النصوص الإجرائية ومدى ما أصاب هذه النصوص من عوار فى التطبيق العملى أصاب منطق المحاكمات العادلة المنصفة الناجزة والتى تغياها المشرع من هذه النصوص فى مقتل. ومن النصوص الصادمة للعدالة نص المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية الخاص بالأحكام التى تصدر غيابياً من محكمة الجنايات على متهم فى جناية. فقد كان مقتضى نص هذه المادة يقضى بأن المحكوم عليه فى غيبته إذا حضر أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضى المدة فإن إعادة إجراءات المحاكمة فى حضوره لا تحول دون أن تحكم محكمة الجنايات بتشديد العقوبة عليه. وأفرز التطبيق العملى لهذا النص على النحو وسالف البيان عن صور متعددة تصطدم بمنطق البداهة مع العقل وتتأذى منه العدالة أشد الإيذاء إذ إنه من الصور العملية التى أسفر عنها تطبيق هذا النص على سبيل المثال لا الحصر فإن محكمة الجنايات مثلاً فى حالة غيبة المتهم فى جناية قتل مع سبق الإصرار والترصد المعاقب عليها بالمادتين 230 و 231 من قانون العقوبات أن تطبق المادة 17 من قانون العقوبات وأن تنزل بالعقوبة درجتين استعمالاً لحقها المخول لها قانوناً بمقتضى هذه المادة فتقضى بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات دون حضور المتهم كما أسلفنا ودون أن يكون معه مدافعاً، إذ إن قانون الاجراءات الجنائية المصرى لا يجوز حضر محاكم عن متهم فى جناية أمام محكمة الجنايات إلا إذا حضر مع المتهم وتكون النتيجة الصادمة لكل منطق مجرد أو متعلق بالعدالة أو بأصول المحاكمات الجنائية وما تتغياه من ضوابط منطبقة قبل الضوابط القانونية، إذ أثبتت حالات من التطبيق العملى وأثمر تطبيق هذا النص عند محاكمة ذات أشخاص بذات التهمة وأمام تشكيلها دون تغيير لأحد من أعضائها، ورغم حضور مدافع مع المتهم كضرورة إجرائية استوجبها الدستور وقانون الإجراءات القانونية من ضرورة حضور محام مع كل متهم بجناية أمام محكمة الجنايات ليدافع عنه دفاعاً جدياً ضماناً لمحاكمة عادلة منصفة بل وتزيد المشرع من الضمانات فاستوجب فى المادة 377 من قانون الإجراءات الجنائية أن يكون المحامى المدافع عن المتهم مقيداً ابتدائياً على الأقل ويصدر الحكم فى الحالة سالفة البيان لشدد العقوبة من السجن المشدد ثلاث سنوات ليقضى بمعاقبته بالإعدام. وإزاء تفاقم وتزايد هذه الصور المتكررة والمضطردة والصادمة للعدالة والتى أفرزت منطقاً شاذ بعيداً كل البعد عن منطق المحاكمات العادلة والمنصفة، إذ لا يتصور بمنطق البداهة قبل منطق القانون والشرعية الدستورية والإجرائية ان تحكم محكمة الجنايات على المتهم في غيبته ودون حضور مدافع عنه بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات ثم تحكم ذات الدائرة وعن ذات التهمة بعد حضور المتهم من تلقاء نفسه أو القبض عليه وبعد حضور مدافع عنه تحكم بعقوبة الإعدام. وإذ بحت الأصوات وتعالت مستهجنة هذا المنطق مطالبة المشرع بأن يتدخل بنص تشريعى يتفق مع الضوابط السديدة لتحقيق العدالة وفى لحظة انفعالية للمشرع إزاء ما ارتسمت أمام عيونه بما أسفر عنه تطبيق النص من نتائج ظالمة صادمة للمنطق والعدالة، وأصدر القانون رقم «95لسنة 2003 والذى نص فيه صراحة على أنه لا يجوز للمحكمة فى هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم غيابى.. وقد أفرز التطبيق العملى بهذا النص المستحدث عن حالات فيها مخالفة صريحة للقانون وسنعرض فى الحديث القادم عن ذلك تفصيلاً. سكرتير عام حزب الوفد