لم يعد البيت المصرى خاليا من السلاح أو غائبا عنه فكرة الدفاع عن النفس ضد ظاهرة لا ينكر أحد وجودها قبل الثورة، ولا يستطيع أحد أن ينفى زيادتها ووصولها لذروتها بعدها، وبالتحديد منذ يوم تخلى الشرطة عن مواقعها فى جمعة الغضب، إنها ظاهرة "البلطجة"، التى انتشرت فى أعقاب حالة الانفلات الأمنى التى صاحبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، الأمر الذى أسهم بدوره فى انتشار أنواع من أسلحة الدفاع عن النفس روج لها بائعون تحت شعارات الأمن والأمان كان فى مقدمتها جهاز "الصاعق الكهربائى" Electric shock ، ذلك الجهاز الذى انتشر بين أبناء الطبقات المتوسطة والغنية، وتتراوح قوته من 12 فولت وتصل فى بعض الأحيان إلى 100 ألف فولت ويتسبب فى صدمة عصبية لكل من يُصعق به، تتضاعف خطورتها وفقا للاستخدام، ورغم حظر تداوله فى سوق الأسلحة المصرية وفقا لتعليمات أمنية إلا أنه وجد طريقه إلى أيدى المصريين بطرق غير تقليدية، فما بين حظر وانتشار ثار الجدل حول حقيقة هذا السلاح وسط شعارات بيعية تؤكد أمانه وعدم تسببه فى الوفاة فى حين أبدى خبراء دهشة شابها القلق من قوة هذا الجهاز التى تصل إلى 100 ألف فولت، لذا كان لابد من فتح هذا الملف لحسمه فى النهاية لما هو فى صالح المواطن المصرى. صواعق أون لاين أكد صاحب أحد محلات بيع السلاح بشارع الجمهورية رفض ذكر اسمه زيادة الإقبال على شراء الأسلحة خلال الأيام الأولى للثورة وفى أعقاب الانفلات الأمنى، حيث ارتكزت المبيعات على شراء مسدسات الصوت والأسلحة المرخصة من قبل القضاة والمستشارين، أما فيما يتعلق بجهاز "الصاعق الكهربائى" فقد أكد أنه من الأسلحة المحظورة التى تم إدراجها ضمن قوائم الممنوعات وفقا لتعليمات أمنية من مديريات الأمن والداخلية، واصفا انتشار الجهاز بالحالات الفردية. فى المقابل، وجد جهاز "الصاعق الكهربائى" منفذا بيعيا حقق له الانتشار لم يكن هذا المنفذ واقعا ملموسا، بل كان عالما افتراضيا صنعه الإنترنت، حيث عمد البائعون لنشر العشرات من الموضوعات الترويجية مدعومة بالصور والفيديو عبر المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعى، وصل الأمر ببعضهم إلى تخصيص خطوط هاتفية للذكور وأخرى للانإث لتلقى طلبات الشراء، على شاكلة فكرة تخصيص عربة للسيدات وأخرى للنساء فى مترو الأنفاق. وعلى خط الهاتف الرجالى، تحدثنا إلى أحد بائعى جهاز "الصاعق الكهربائى" عبر الإنترنت الذى بدأ حديثه بالإشارة إلى أن جهاز "الصاعق" من الأسلحة المحظورة، إلا أنه شهد إقبالا منقطع النظير فى الثورة شمل جميع فئات المجتمع خاصة الذكور عن الإناث لأنهم كانوا الأكثر ارتيادا للشوارع خلال تلك الأيام، إلا أنه يشهد تراجعا مع انخفاض الإقبال على الشراء ومع زيادة شعور الناس بالأمان. أما على خط الهاتف المخصص للسيدات، سرعان ما تسمع صوت أنثوى يبادرك بالرد لكنه أكثر ترددا فى الإفصاح إلا بعد استشعار الأمان، تحدثنا إليها إلا أنها انكرت فى البداية بيع أجهزة الصواعق، مدعية اقتصار نشاطها البيعى على بعض الأدوية، وبطرحها لبعض الأسئلة المستعلمة عن مصدر المعرفة، بدت الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى بمثابة كلمات السر التى استشعرت بها الأمان وبدأت فى الحديث عن جهاز "الصاعق" بل وبمزيد من التفاصيل، حيث ذكرت أن أجهزة الصواعق تتعدى أسعارها فى بعض الأحيان 6000 جنيه مصرى وفقا للنوع، كما تتعدد الألوان ما بين الأسود والأحمر، ... إلخ والأحجام، حيث أحجام صغيرة تصل لحجم كف اليد وهو ما تفضله الإناث على حد قولها، وأحجام أخرى قد تصل إلى 40 سنتيمترا، وأشارت إلى انخفاض شراء الإناث للصواعق وغيرها من الوسائل الدفاعية خلال الأيام الأولى من الثورة، حيث آثرت الكثيرات عدم مغادرة منازلهن مقارنة بالرجال، فى حين زاد إقبالهن مع بداية موسم فتح الجامعات. وأوضحت أن الفتيات يفضلن شراء "الاسبراى" عن الصواعق، إذ يرون فيه الوسيلة الأسرع و الأكثر أمانا فى الاستخدام، إذ إن كثرة متعلقات حقيبة الفتاة قد تهدد بالضغط فى أى لحظة على زر الأمان للصاعق وهو ما تخشاه الكثيرات، وعلى العكس من ذلك يجد الرجال سهولة فى استخدام وحمل الصاعق الكهربائى بوضعه فى الأحزمة أو فى تابلوهات السيارات. ولفتت إلى أنه نظرا لمجهولية شخصيتها لدى المتصلين وكذلك الحال بالنسبة للمشترين، فلا يتم الالتقاء المباشر بينهما، حيث يتم شحن الجهاز عبر شركات الشحن المعتادة، أو عبر التسليم بالأيدى فى إحدى الأماكن المأهولة. ممنوع وليس محظورا وقال شريف الحضرى محامى الاستئناف العالى ومجلس الدولة للبوابة الإلكترونية للوفد، إنه ليس هناك مادة فى القانون تدرج "الصاعق الكهربائى" ضمن قوائم الأسلحة، غير أن قرار الحظر جاء وفقا لتعليمات أمنية وشرطية بمنع بيعه وتداوله فى محلات تجارة السلاح التقليدية. وأضاف أن ضوابط التعامل بأجهزة الصواعق الكهربائية تخضع للأحكام العرفية، وفقا لحالة الضبط محل التحقيق، وما إذا كان استخدام الصاعق فى الواقعة بهدف الدفاع عن النفس أو بهدف ارتكاب الجرائم، كما يتم تحديد ذلك وفقا لشخص حامله وما إذا كان شخصا عاديا كرب الأسرة مثلا، أو مسجل خطر. وأشار إلى أنه فى حالة ثبوت استخدام الصاعق فى ارتكاب الجريمة، فإنه يدخل فى إطار الجرائم الملحقة بالجريمة الأصلية ضمن جرائم "التهديد باستخدام السلاح"، وقد تصل عقوبته إلى 3 7 سنوات تتضاعف حسب نوع الجريمة المرتكبة، والتى قد تصل عقوبتها إلى 25 عاما فى جرائم الخطف بالإكراه. أما فى حالات ضبط الاتجار فى كميات كبيرة من الصواعق، فيتم احتراز الكميات المضبوطة ومصادرتها لحين الكشف عن غرضها، وتوجه لتاجرها تهمة المساعدة فى نشر الجريمة ما لم يتم الكشف عن دوافع أخرى. ضوابط الأمان ومن جهته أوضح الدكتور محمد إسماعيل الجوهرى أستاذ الفيزياء الحيوية بكلية العلوم جامعة الأزهر، أنه لا ضرر من الصواعق الكهربائية التى تعتمد على التيار المتردد المستمر من فئة "دى سى" على خلاف تيار "ايه سى"، حيث تقتصر قدرتها على إحداث حالة من الصدمة يرتكز تأثيرها مع بداية الصعق ونهايته وتتكرر مع تكرار الغلق والفتح للصاعق. وأضاف أنه لا ضرر من تعرض الجسم لشدة تيار تتراوح من 50 إلى 80 مايكرو أمبير والتى قد تنتج نتيجة صعق الخصم لمدة ثوانٍ معدودة، محذرا من خطورة بلوغ شدة التيار المستخدم خلال الصاعق من 500 إلى 600 ميكرو أمبير والتى قد تنتج من الصعق لمدة دقيقتين على الأكثر وهو ما قد يتسبب فى توقف عضلات القلب، لذا يُنصح بعدم تجاوز الدقيقة فى استخدام مثل تلك الصواعق. وعن الأماكن المثلى لتوجيه صدمات الصعق تجاه جسم الخصم، أكد الدكتور محمد إسماعيل الجوهرى، فعالية الصعق فى أماكن العضلات سواء فى الرقبة أو الأرجل والزراعين، موضحا أن الصعق فى تلك المناطق يؤدى إلى انقباض شديد فى العضلات مما يتسبب فى آلام مبرحة للخصم تشل حركته وتعيقه عن التصرف. معا نتحدى البلطجة استطلعنا رأى الشارع المصرى بشأن "الصاعق الكهربائى" فوجدنا حالة من شبه الاتفاق بين الفتيات فى الالتزام بالنصائح الأمنية التقليدية بعيدا عن الأسلحة الدفاعية كاقتصار ارتياد الشوارع فى أوقات النهار وعدم الخروج فى ساعات متأخرة من الليل، وعدم السير فى الشوارع المظلمة، وعدم ركوب سيارات تاكسى مع سائقين يُشتبه بهم، فى حين صممت بعضهن على تحدى "البلطجة" بالحرية والمواجهة والتى انطلقت على أساسها الثورة. تقول بسمة أحمد طالبة بكلية التجارة إنها كانت تعتزم شراء جهاز "الصاعق الكهربائى" قبل الثورة، إلا أنها بعد الثورة تعمدت عدم شرائه لتثبت أن ماحدث كان فى صالح مصر بكل ما تحمله الكلمة قائلة عن الثورة: "اللى حصل ده حسّن بلدنا، والمفروض نعيش على هذا الأساس مش نستخبى ونخاف"، معبرة عن استعدادها للمواجهة فى حالة التعرض لأحد مواقف البلطجة. وتشير بسمة إلى أن بعض الفتيات لا يجدن استخدام مثل تلك الأسلحة عند المواجهة، بل أن بعضهن يخشى من شرائها خوفا من الضرر الشخصى قبل إضرار الغير. أما مى محمد طالبة فترى أن ظاهرة البلطجة كانت منتشرة حتى قبل الثورة، وأنها ليست ظاهرة مستجدة، ومن جانبها تؤكد مى أنها تمارس حياتها بشكل طبيعى وتعتمد على الحماية الإلهية فى كل المواقف بعيدا عن الاعتماد على أى أسلحة أخرى، وترفض مى المبالغة فى تناول ظاهرة "البلطجة" بشكل يضعها فى حجم أكبر من حجمها يعمل على الترويج لها وليس علاجها، وقالت سارة حسن طالبة إنها لا تضمن السيطرة على نفسها فى مثل هذه المواقف بشكل يمكنها من تمالك أعصابها والتصرف على النحو السليم سواء كان ذلك بالجرى ومحاولة الهرب أو بسرعة الاستخدام السريع والسليم لجهاز الصاعق إذا كان بحوزتها، أما حنان رابح طالبة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فلا ترفض شراء أسلحة الدفاع عن النفس، موضحة أنها كانت تعتزم شراء "صاعق كهربائى" قبل الثورة إلا أن عدم معرفتها بأماكن بيعه المشروعة وموقفه القانونى حال دون شرائها الفعلى له، مشيرة إلى أنها اكتفت باتباع التعليمات الأمنية التقليدية بعدم ارتياد شوارع لا تعرفها وعدم السير فى أماكن مظلمة فى ساعات متأخرة من الليل. وعلى الجانب الآخر، حرص الرجال على شراء كل ما من شأنه الحماية حتى قبل أحداث الثورة، ورغم وقائع البلطجة المتكررة أثناء الليل والنهار، فى حين يرفض آخرون حمل تلك الأسلحة خوفا من المساءلة القانونية. يقول أحمد عبد الرحمن كلية تجارة إنه يمتلك "صاعق كهربائى" قبل الثورة وبعدها، ورغم أنه لم يستخدمه حتى الآن على الإطلاق، فهو يحرص على أن يلازمه دائما فى سيارته للدفاع عن نفسه وعن أسرته كوسيلة تأمينية احتياطية يمكنه الاستعانة بها كلما تطلب الموقف ذلك. ويقول مصطفى على طالب بكلية الحقوق: "اشتريت كل حاجة وأى حاجة اقدر أدافع بيها عن نفسى "، غير أنه لم يقدم على شراء مثل تلك الأسلحة لأخوته البنات لأنهم توقفوا عن نزول الشارع بعد أحداث الانفلات الأمنى، أما عبد الرحمن طالب بكلية الحقوق فقد تعرض لموقف بلطجة أثناء سيره فى نفق المشاة بميدان الجيزة، إذ فاجأه أحد البلطجية وهدده بمطواة، غير أن العناية الإلهية أنقذته بتدخل أحد أفراد الجيش الذين تواجدوا بالمكان بالصدفة، ومع ذلك يرفض عبد الرحمن حمل مثل تلك الأسلحة خوفا من المساءلة القانونية التى يمكن أن يتعرض لها فى مثل هذه المواقف قائلا: "أختى عندها صاعق كهربائى لو حصل أى حاجة ممكن أنا أتجازى لكن هيه هيقولوا بتدافع عن نفسها".