الاضطرابات السياسية وحالة الحرب التى تشهدها ليبيا فى الآونة الأخيرة دفعت الكثيرين من العمالة المصرية، التى يقدر عددها بحوالى مليون ونصف المليون عامل إلى الهروب من الحرب والعودة إلى أرض الوطن، تاركين وراءهم أجورهم ورواتبهم ليعودوا مرة أخرى إلى جحيم البطالة وانعدام فرص الحصول على عمل فى ظل حالة الركود والجمود التى أصابت القطاعات الاقتصادية مما يزيد من حجم الضغط على الاقتصاد المصرى الذى يعانى من الاضطرابات منذ ثورة 25 يناير. «الوفد» تستطلع آراء الخبراء حول تفاقم مشكلة البطالة بعد عودة المصريين من ليبيا لمحاولة إيجاد حلول لهذه المشكلة. أكد الدكتور صلاح جودة، مدير مركز الدراسات الاقتصادية، أن الأزمة الليبية زادت من حجم الأعباء الملقاة على اقتصاد البلد بعودة العاملين المصريين الذين يقدر عددهم بالمليون ونصف المليون إلى مليوني نسمة الذين قاموا بالزحف إلى مصر فى نهاية عام 2011 وتركت وراءها جميع حقوقها لدى ليبيا، بالإضافة إلى الممتلكات التى يمتلكونها وتقدر هذه الممتلكات بحوالى نصف مليار دولار، بالإضافة إلى المستحقات المالية لهذه العمالة لدى الدولة ولدى أصحاب الأعمال التى تقدر بما لا يقل عن 1.5 مليار دولار هذا بالإضافة إلى مكافآت نهاية الخدمة. وتابع «جودة» أنه بعد استقرار الأوضاع نسبياً فى ليبيا عام 2012 سافرت مجموعة أخرى من المصريين إلى ليبيا للعمل هناك، وتقدر هذه المجموعة بما لا يتجاوز نصف مليون عامل، ولكن بسبب تتابع الأحداث السيئة بليبيا ووجود الإرهابيين خاصة من «تنظيم القاعدة» و«تنظيم داعش» وبعض التنظيمات الإرهابية نجد أن هؤلاء فى حاجة للعودة للوطن مرة أخرى ونجد أن هناك ما لا يقل عن عشرة آلاف عالق على الحدود بين مصر وليبيا وتونس وليببا وتقوم السلطات حالياً باتخاذ الإجراءات اللازمة لعودة هؤلاء إلى أرض الوطن وعلى الدولة أن تتخذ الإجراءات مستقبلاً لأخذ حقوق هؤلاء العاملين وهى تتمثل فيما لحقه من خسائر بسبب تركهم للأعمال والوظائف والممتلكات فى ليبيا وهذه الأموال تقدر بما لا يقل عن مليار دولار. وأشار «جودة» إلى أن السوق أصبح مطالباً باستيعاب هذه العمالة العائدة والذى يعانى فى الأصل نتيجة الأحداث التى واكبت ثورة 25 يناير وأصابت السوق المحلى بحالة ركود وجمود غير مسبوقة، وزادت من مشكلة البطالة مع توقف حركة الإنتاج فى قطاعات كثيرة مثل السياحة والتصدير والعقارات والصناعة. وأردف: أن الاقتصاد المصرى يعتمد على محاور كلها من الخارج سواء البترول أو السياحة أو العمالة بالخارج وتمثل إيراداتها نتاج عوامل خارجية وليس لإنتاج محلى وقد تعرضت مصر لذات المشكلة مع ظهور الأزمة المالية العالمية عام 2008 ولم تحرك الحكومة ساكناً لتلافى تكرار هذه الأزمة.. وأضاف أن حجم العمالة المصرية العائدة من ليبيا وصل لأكثر من 150 ألف مواطن والبقية تأتى، فالمشكلة ليست فى كيفية استيعاب العمالة العائدة فقط ولكن مستحقات هؤلاء العاملين لدى الجهات الليبية التى تقارب ملياراً و250 ألف جنيه مثلماً حدث مع المصريين العائدين من العراق خلال حرب الخليج الثانية وهناك أكثر من 2 مليار جنيه مستحقات للمصريين لدى العراق ضاعت.. ويؤكد «جودة» أن الاستثمارات المصرية بليبيا تقدر ب 60 مليار جنيه صارت مهددة لأن أصحاب هذه الاستثمارات كانت لديهم علاقات متميزة مع نظام القذافى. وشدد «جودة» على أهمية التركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة لأنها السبيل الوحيد لتوفير المزيد من فرص العمل للمصريين العائدين والمقيمين وخلق فرص عمل للشباب حتي لا يضطروا للهجرة للخارج، فلابد أن تتبني الحكومة، خاصة وزارة القوي العاملة مطالب العاملين المصريين العائدين من ليبيا باسترداد مستحقاتهم وطلب تعويضات عما فقدوه هناك. وأضافت الدكتورة بسنت فهمى، الخبيرة الاقتصادية والمحللة المصرفية: إن العائدين من ليبيا سوف يجدون عملاً ولا نستطيع تركهم فى ليبيا، فهناك مجموعة من المشروعات مثل تنمية الصحراء الغربية ومحور قناة السويس والرئيس عبدالفتاح السيسى يسير بصورة سريعة. وتابعت «فهمى»: إن الخوف ليس من العائدين ولكن الخوف من ليبيا نفسها والتصعيد فى ليبيا يهدد الحدود ولابد أن يفهم الشباب أن العمل حق ولكن الوظيفة ليست حقاً فنحن فى حالة حرب لا نستطيع أن نختار ولكن علينا أن نعمل، فالشباب يريد العمل ولابد أن تتحرك وزارة القوى العاملة وتسرع من عملها فهى بطيئة جداً. وأوضحت «فهمي» أن هناك طرقاً عديدة لفتح مجالات عمل من المشروعات الصغيرة والمتوسطة لحل مشكلة البطالة وإمداد الشباب بالقروض الصغيرة والمتوسطة ومساعدتهم على إيجاد فرص عمل فنحن نحتاج إلى وزارة من الشباب الذى يستطيع التحرك وابتكار أسلوب جديد فى العمل والتفكير بدلاً من الوزارة العجوزة والبطيئة كلاسيكية التفكير، وبدلاً من أن يكون لدينا 35 وزارة تستهلك سيارات وتكاليف باهظة على حساب الشعب والشباب يمكن تقليص تلك الوزارات فى الوزارات المهمة فقط فى الفترة الراهنة. وأشار محمد عبدالعليم داود، وكيل مجلس الشعب السابق مساعد رئيس حزب الوفد، إلى أنه لا يمكن التغاضى عن أن ليبيا من الدول التى تتواجد بها العمالة المصرية ذات الكثافة العالية التى تعمل فى كافة المرافق والقطاعات الحكومية والخاصة، وعودة هذه العمالة إلى مصر بسبب الظروف التى تمر بها ليبيا أمر يحمل البلد أعباء جديدة. وتابع وكيل مجلس الشعب السابق: إن المشكلة أننا فى مصر ليست لدينا عقول تفكر بشكل استراتيجى ومستقبلى بمعنى أننا لابد أن نبحث عن كيفية الاستفادة من الشباب الموجود داخل الوطن حتى لا نفاجأ بأى أزمة تحدث للمصريين فى الخارج، خاصة أن هناك عملية إحلال العمالة الوطنية بدلاً من العمالة العربية. واستطرد «داود»: إننى ضد أى توجيه ضربات إلى ليبيا.. نعم نحن نحافظ على حدود الأمن القومى ولكن أى ضرب لليبيا لا ننسى أن هناك مصريين يعملون هناك ولابد أن نضع لهم ألف حساب فلابد أن نبحث الأمر من كل جوانبه بما يحافظ على حدود الأمن القومى المصرى وأيضاً المحافظة على حياة المصريين الموجودين داخل ليبيا. وأردف مساعد رئيس حزب الوفد: كان يجب على الدولة أن تكون مستعدة منذ سنوات طويلة، خاصة أن العمالة المصرية تعرضت لهذا الموقف فى ظل وجود «القذافى»، فعندما يكون هناك غضب بين الحكام يحدث الانتقام من العمالة المصرية كما حدث فى العراق، ولكن اليوم يتطلب الأمر أن تكون هناك اجتماعات عاجلة لمجلس الوزراء ولرجال القطاع الخاص والقوى العاملة والقوات المسلحة ووزارة الزراعة، خاصة أن هناك خطراً أصبح يهدد الحكومة فهناك وظائف شاغرة كثيرة ولكن يوجد عجز فى العمالة ويمكن توجيه تلك العمالة العائدة إلى الأراضى الزراعية ووظائف القطاع الخاص وإنشاء مراكز تأهيل وفتح الأبواب للإجازات للعمل فى الخارج، خاصة أن هناك بعض الوزارات كالكهرباء والبترول ترفض منح المهندسين الإجازات للعمل فى الخارج، فلابد أن تكون هناك منظومة متكاملة لدراسة سوق العمل الخارجى والداخلى. وأكد الدكتور هانى صبرى، أستاذ علم الاجتماع السياسى بكلية التربية بجامعة السويس، أن مصر تعانى من مشكلة بطالة فى عام 2013 وصلت إلى 13.6% على اعتبار أننا نعتمد على استراتيجيات تهجير العمالة وهى توفر عملة صعبة. وتابع «صبرى»: بعد ثورات الربيع العربى ونتيجة للاضطرابات فى معظم البلدان فإن العمالة العائدة مثلت ضغطاً على كثير من فرص العمل وضغطاً على الخدمات والصحة والتعليم وكذلك الحالة الاقتصادية بصفة عامة، كما أن هذه العمالة تمثل عامل ضغط على الحكومة فى الوقت الراهن. وأردف أستاذ علم الاجتماع السياسى: إن هناك حلين يمكن تطبيقهما للخروج من تلك الأزمة؟.. أولاً إيجاد أسواق بديلة وهى أسواق الخليج العربى، فلابد البحث على أسواق بديلة لتسويق القوى العاملة «الحرفيين».. أما الحل الثانى فهو إنشاء مشروعات ضخمة لاستيعاب آلاف العمال، بالإضافة إلى استيعاب أعداد البطالة الموجودة أصلاً فى مصر، ولا أعتقد أن يكون هناك حل فورى لمشكلة العائدين من ليبيا لأنها تحتاج إلى وقت. أما الدكتور محمود عودة، أستاذ علم الاجتماع السياسى - جامعة عين شمس، فله رأى آخر حيث يرى أن البطالة فى مصر هى بطالة اختيارية، بمعنى أن الكثير من الشباب يريدون العمل فى الحكومة فى وظيفة ثابتة وبمرتب ثابت وبدون عمل وأي فرصة للعمل فى القطاع الخاص يرفضونها. ويمضى «عودة» قائلاً: إن الكثير من الشركات والمصانع تعلن عن وظائف وتضطر إلى استيراد عمالة من الخارج لسد حاجتها والشباب المصرى يرفض العمل لديهم ويسافرون إلى الخارج يعملون فى أسوأ الأعمال للحصول على لقمة العيش، فلماذا لا يعملون فى بلدهم أكرم وأفضل ولكنهم يفضلون ذلك؟.. أما بالنسبة للعائدين من ليبيا جراء الأحداث الأخيرة فإنهم بالطبع سيرفعون من نسبة العمالة الاختيارية التى أعتبرها ظاهرة من «البلطجة والتنبلة» وسوف ينضمون إلى طابور العاطلين فى الدولة. وأشار «عودة» إلى أنه ليس لدينا الإحصائيات التى تميز البطالة الاختيارية والبطالة الإجبارية، ومن المفروض أن يقوم الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بعمل بيان جديد عن نوعية البطالة حتى نستطيع تقدير حجمها الحقيقى.