عندما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطابه الشهير «تبرعه» بنصف راتبه كرئيس جمهورية وكذلك نصف ثروته لدعم مصر، سعدنا أن لدينا حاكماً مصرياً لديه ضمير أعادنا بسلوكه لعصر الصحابة الذى كان الواحد منهم يتبرع بتجهيز جيش كامل أو التنازل عن الجزء الأكبر من ماله فداءً للإسلام. لكن كعادتنا دائماً نبدأ الأمر بسلوك «نبيل» ثم ينتهى الأمر بسلوك «مرفوض» ومستهجن.. فللأسف لم يتعامل البعض مع مبادرة الرئيس بما تستحقه من احترام وتكريم ولكنهم اعتبروها مناسبة للابتزاز باسم الرئيس وباسم مصر والآن تعالوا معى لنرى كيف تحولت مبادرة الرئيس فى واحد من المصالح الحكومية إلى مهزلة مكتملة الأركان! فقد تلقيت مكالمة هاتفية من موظف بالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ويرأسه بالمناسبة ضابط جيش سابق، رد على الموظف بأن العاملين بالجهاز فوجئوا بمنشور من القيادات بضرورة التبرع لصندوق تحيا مصر الذى يشرف عليه الرئيس شخصياً بنصف الراتب الأساسى للعاملين بالجهاز، فأبدى الكثير من العاملين اعتراضهم على هذا التبرع الإجبارى من رواتبهم خاصة أن رواتبهم متدنية للغاية بخلاف أشقائهم فى المركزى للمحاسبات ففوجئ العاملون بحضور القيادات الكبرى بالجهاز لهم وبدأوا فى وصلة توبيخ للرافضين للتبرع وصلت إلى حد اتهامهم بالخيانة وعدم حب الوطن. والأغرب من كل ذلك أن قيادات الجهاز قد طلبوا من كل من يرفض التبرع بأن يكتب اسمه فى قائمة الخونة الذين يرفضون التبرع حباً فى الوطن بل إن العاملين قد فوجئوا أيضاً بالمديرين العموميين يحضرون إليهم ويتهمونهم بالتقصير فى العمل والإهمال حتى تكون هذه فرصة سانحة لمعاقبتهم بالخصم من رواتبهم.. يعنى يعنى من يرفض التبرع بنصف راتبه الأساسى سيخصم منه ما يعادل هذا المبلغ وأكثر بادعاء الإهمال فى العمل والتقصير، هذا ما يحدث يا سادة فى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ويقينى أن مثل هذا السلوك حدث بتفاصيل متقاربة فى عدد كبير من المصالح والوزارات والهيئات التى سارعت قياداتها للإعلام والإعلان عن تبرع مؤسساتهم لصندوق «تحيا مصر» الذى يرعاه الرئيس شخصياً وأنا هنا لا ألوم من رفضوا التبرع لأن لكل إنسان ظروفه المادية التى قد يكون أحوج ما يكون لجنيه واحد من راتبه وهنا فإن الممانعة عن التبرع لا تعنى الخيانة بأى حال من الأحوال، ولا يعنى عدم حب الوطن، ولكن لأن قوت أولاده ليس به أى جزء زائد يمكنه أن يتبرع به. ثم إن الأصل فى التبرع أن يكون اختيارياً، أما إذا كان التبرع إجبارياً وقصرياً فإنه يتحول لابتزاز وإتاوة و«فردة» بالبلدى كسلوك البلطجية ومن يفرض الإتاوات على سكان الشارع أو الحق!! ويقينى أن رئيس الجمهورية لن يرضى عن هذا السلوك المنحرف لبعض المسئولين الذين أرادوا التقرب من الرئيس وتقديم الدعم للصندوق نفاقاً لسيادته وليس حباً فى الوطن، فالتقرب للسيسى يا سادة يكون بالأصول والاحترام وليس بالنفاق والمداهنة. من يرد أن يتبرع من جيبه فأهلاً وسهلاً به، لكن من يفرض الإتاوات والتبرع الإجبارى على موظفيه من أجل للتقرب والنفاق فلا وألف لا!! يا سادة لا تبتذلوا مبادرة للرئيس وتخرجوها عن مسارها الصحيح فالرجل ناشد المصريين بالوقوف بجانب بلدهم ووطنهم فى أزمته، لكنه لم يطلب قط بأن يتحول التبرع لابتزاز باسم حب مصر.. لأن التبرع الإجبارى ما هو إلا ابتزاز صريح وهناك قول مأثور لأحد السلف الصالح يقول: ما أخذ بسيف الحياء فهو باطل، وعلى هذا النهج فإن ما أخذ بسيف الابتزاز والضغط والترهيب فهو حرام و«سُحت» بكل ما تعنيه الكلمة من معان!! أرجو أن يتدخل الرئيس بنفسه فى هذا الأمر لإيقاف هذه المهزلة التى ترتكب باسمه وتزلفاً ونفاقاً إليه. فالمواطن المصرى البسيط ليس لديه ما يقدمه للتبرع إلا أعضاء جسده سواء كانت عينين أم كليتين أما جيبه فهو خاوى الوفاض لأن راتبه يتبخر بعد الأيام الأولى للشهر ليقضيها بعد ذلك «سلف» وهو دائماً من يتحمل ويدفع فاتورة أية إصلاحات، بل إنه يدفع ضرائبه من المنبع أى أن ضرائبه تذهب للخزانة العامة قبل أن يتسلم راتبه فمن أحق بالتبرع من يعيش على الكفاف أم من يشترى شقة فى قلب نيويورك بنصف مليار جنيه.. يعنى يعنى إن شقة سيادته كافية لبناء عشرة آلاف شقة لمحدودى الدخل ومع ذلك يتقاعس عن دفع ضرائبه للدولة بدعوة ضيق ذات اليد.. حسبنا الله ونعم الوكيل.