إذا صح أن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر قرر خصم جنيه من رواتب العاملين بالدولة لصالح صندوق التبرعات الذى أطلقه البنك المركزى، فذلك أمر غريب ويفترض أن يتوقف فورا. الذى لفت نظرى إلى هذا الخبر هو البيان الذى أصدره حزب التجمع فى الإسكندرية، واصفا القرار بأنه يعنى «العودة لعصور النفاق السياسى والتحدث باسم العمال الذين يعانون من ضعف الرواتب وضياع الحقوق ورداءة التأمين الصحى والمعاشات». كلمة «تبرع» تعنى فورا التطوع والقرار الحر النابع من كل شخص، وبالتالى عندما تقوم وزارة أو هيئة أو نقابة أو اتحاد أو مصنع أو مؤسسة باتخاذ قرار نيابة عن العاملين فيها بالتبرع لصالح الدولة أو لصالح أى مشروع، فذلك ليس تبرعا بل قرار جبرى لا يملك معه العامل الرفض. أليس هناك احتمال أن هذا العامل أو الموظف فى حاجة لهذا الجنيه رغم رمزيته؟!. المؤكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما اتخذ قرار التبرع بنصف مرتبه لم يكن فى ذهنه إطلاقا أن تقوم هذه المؤسسة أو تلك الوزارة بإجبار عمالها وموظفيها على التبرع لصندوق «تحيا مصر». الذى فهمته وفهمه غيرى أن الهدف من خطوة السيسى موجه إلى المقتدرين وليس الحصول على جنيه من موظف أو عامل هو أصلا يعانى من ضعف راتبه. إذا أراد أى شخص حتى لو فقيرا أن يتبرع بجنيه أو ألف فهذا قراره الطوعى الحر. وحتى الملياردير لا أحد يستطيع أن يجبره على التبرع . إذا أرادت قيادة عمالية أو سياسية أن تنافق الرئيس أو الحكومة «فعليها أن تنافق من جيبها وتدفع وتعلن عن دفعها فى كل وسائل الاعلام»، لكن أن يتم إجبار الناس على التبرع فذلك يدمر الفكرة من أساسها. قبل أيام بدأت البعض يتحدث عن احتمال وجود اتجاه لإجبار الموظفين بالحكومةعلى التبرع لصندوق «تحيا مصر»، وإذا صح هذا الأمر فهو خطر كبير على فكرة التبرع بل وحب الوطن. أفهم أن تطلب كل وزارة أو هيئة أو مؤسسة أو اتحاد من عمالها أو موظفيها التبرع لصالح الوطن لكن كيف يمكن إجبارهم على ذلك؟!. يمكن لهذه الهيئات أن تعقد ندوات مع موظفيها تحضهم على التبرع، لكن لا يمكنها أن تجبرهم أو تستخدم أساليب من شأنها التأثير على قرارهم الحر الطوعى. مرة أخرى أفهم تماما الهدف النبيل من وراء إطلاق هذه الفكرة والتى بدأها الرئيس بنفسه، لكن تخيلوا لو أننا أجبرنا موظفا على دفع جنيه واحد لا يريد أن يتبرع به، فكيف سيكون رد الفعل لديه وكيف ستكون صورة الوطن فى ذهنه وما مدى قانونية هذا الأمر؟. هناك مليون وسيلة لدفع الناس للتبرع لأعمال خيرية أو إنسانية أو وطنية ولكن ليس من بينها الإجبار أو الإكراه أو تشويه صورة شخص قرر ألا يتبرع. لايجوز لإعلامى أن يخرج ويهدد رجال الأعمال قائلا: «تبرعوا وإلا سنفضحكم وننشر أسماءكم». هذا إرهاب حقيقى والأفضل منه بمراحل أن تتأكد أننا حصلنا من هؤلاء الأغنياء على حق الدولة فى الضرائب والجمارك والرسوم والأراضى التى حصلوا عليها بتراب الفلوس. الدول لا تبنى بالتبرعات خصوصا إذا كانت إجبارية. علينا أن نشجع الناس بكل الطرق على التبرع وحب الوطن والإيثار وكل هذه القيم النبيلة لكن شرط أن يتم كل ذلك طوعا وليس قسرا.