الحرب على البلطجة مستمرة حتى يعود الأمان لنفوس جميع المواطنين الذين عاشوا أياما سوداء خلال شهور الانفلات والفوضى، وتسعى مديريات الأمن لمسح هذه الفترة حالكة العتمة من نفوس المواطنين بتحقيق أقصى درجات الانضباط فى الشارع وملاحقة البلطجية والمطلوبين أمنيا وقضائيا. ومع كل خطوة يتقدمها الأمن على طريق تحقيق الهدف لعودة الأمان، يقوم البلطجية بالقفز خطوات على أمل إحباط مخطط وزارة الداخلية، للسيطرة على الشارع والتصدى للبلطجية وكل مظاهر البلطجة، وطبعا لن يستسلم البلطجية الذين أصبحوا مليونيرات ورجال أعمال، بسهولة لمحاولات فرض السيطرة الأمنية والقبض عليهم لتقديمهم للعدالة لمعاقبتهم على جرائمهم التى ارتكبوها فى حق الآمنين. وفى مديرية أمن الغربية، حدثت هذه الواقعة الغريبة والتى تكاد تعتبر صورة غير مسبوقة، لمحاولات البلطجية فى مواجهة حملات الانضباط ومداهمات تنفيذ الأحكام, وكانت المديرية قد شهدت العديد من صور التصدى لحملات ضباط الشرطة لمنع تقدمهم والقبض على المتهمين فى جرائم مخدرات وقتل وسرقات، منها ما قام به أحد تجار المخدرات العتاة بمركز طنطا بإطلاق «أسد» من قفصه على ضباط المباحث لمنعهم من القبض عليه ولكن شجاعة الضباط أحبطت مخططه وتمكنوا من إطلاق الرصاص على الأسد والقبض على المتهم وفى حيازته كمية كبيرة من البانجو والحشيش وهو الآن يمثل أمام العدالة. وقبله قام بلطجى بإطلاق «كلابه» الشرسة والمدربة على ضباط المباحث، لمنعهم أيضا من الاقتراب منه ولكن باءت محاولته أيضا بالفشل وتم القبض عليه وإطلاق الرصاص على كلابه. أما الواقعة التى هى محل حديثنا اليوم فتتلخص فى قيام بلطجى عتيد فى منطقة «سلخانة» طنطا عندما توعد وهدد حملة تنفيذ أحكام قسم ثانى طنطا بقيادة النقيب أحمد الحجار رئيس الوحدة، بحرقهم وحرق نفسه إذا قاموا بالقبض عليه، وأمام إصرار رئيس القوة على القبض على المتهم تنفيذا للحكم الصادر بحبسه فى جرائمه العديدة، قام المتهم بالفعل بإشعال النيران فى شقته بالطابق الثانى محاولا حرق القوة والضابط بالتنر والبنزين! وكأن المتهم كان ينتظر القوة ليحرقها ويحرق نفسه إذا ما أصرت على تطبيق القانون وتقديمه للعدالة، ولكن شجاعة الضابط والقوة المرافقة دفعته قدما لأداء مهمته، رغم النيران وألسنة اللهب التى هبت بقوة فى وجوههم، فى الوقت الذى تمكن فيه المتهم من القفز من شرفة شقته ليجد باقى القوة فى انتظاره، ولكن فرحة القوة بالقبض على المتهم، تلاشت بسرعة وعقب القبض على المتهم الذى أصيب بكسور عديدة نتيجة سقوطه الغاشم، عندما تبين أن أحد أفرادها الشجعان أصيب بحروق خطيرة وتم نقله بين الحياة والموت للمستشفى، بسبب اصراره على اقتحام الشقة المشتعلة للقبض على المتهم قبل هروبه لتقديمه للعدالة، وفور علم اللواء أسامة بدير مدير أمن الغربية بإصابة محمد الصواف 33 عاما رقيب شرطة سرى من قوة مباحث القسم قرر على الفور نقله لأحد المستشفيات الخاصة بعلاج الحروق على أمل إنقاذه من الموت بإشراف العميد مجدى سعد مدير العلاقات بالمديرية والذى بذل جهدا غير عاديا لنقل الرقيب محمد الى مستشفى حلمية الزيتون بالقاهرة وتوفير كافة الامكانيات المطلوبة لعلاجه من حروقه التى بلغت نسبتها 90% وهى نسبة غاية الخطورة! والرقيب الشجاع الذى أصر على مداهمة شقة البلطجى رغم تهديده للقوة بالحرق، لم يهن ولم يخف ولم يتراجع خطوة واحدة، بل على العكس قام بواجبه وأدى رسالته على خير وجه! ولكنه بعد عدة أيام قضاها بين شاش جروحه الخطرة وآلام حروقه الشديدة، فى سريره حبيس حروقه، ولون الدم يغطى كل جزئيات جسده، يلتحف بأربطته وشاشه، وينظر بأسى وخوف الى طفلته الصغيرة وزوجته الشابة، ثم ينظر إلى سقف عنبر الحروق، يتطلع الى السماء يتحدث الى خالقه الذى كتب عليه مصيره، ويدعوه أن يحفظ أولاده ويكمل شفاءه على خير حتى يتمكن من أن يعود لهم سالما ولو بحروق لن تضيع أثرها على مدار السنين! ولكن قضاء الله حان ولفظ الرقيب الشهيد أنفاسه الأخيرة متأثرا بحروقه الخطيرة وتم تشييع جثمانه فى جنازة عسكرية مهيبة حضرتها قيادات الأمن وآلاف المواطنين من أهالى منطقة سيجر بطنطامسقط رأسه ومثواه الأخير، وقام مدير الأمن باستقبال زوجته وطفلته فى مكتبه لتقديم واجب العزاء ومشاطرتهما الأحزان والتأكيد على أن الشهيد فى الجنة وأن حقه لن يضيع وأن مطاردة البلطجية لن تنتهى حتى يتم فيها القضاء على كافة مظاهر البلطجة وترويع الآمنين، وحتى تشب ابنة الشهيد وسط مناخ آمن خال من وباء البلطجة وقلة الأدب! وحادث قيام البلطجى بحرق شقته ليهرب من تنفيذ الأحكام واستشهاد رقيب الشرطة الشجاع، أثار بالفعل استياء وغضب زملائه من الأمناء والأفراد بقسم ثانى، ولكنهم جميعا لم يتوانوا عن أداء رسالتهم بل وعقدوا العزم على القضاء على دولة البلطجة فى دائرة القسم انتقاما لزميلهم الشاب الذى صارع الموت حرقا من بنزين مطلوب أمنيا ولفظ أنفاسه متأثرا بحروقه. العقيد خالد عبد الحميد وكيل إدارة البحث الجنائى والمقدم عمرو الحو رئيس مباحث القسم وضابط تنفيذ الأحكام أحمد الحجار، لم يتمكنوا من تهدئة الأمناء والأفراد الغاضبين لاستشهاد زميلهم حرقا، إلا بالمزيد من الحملات والمداهمات للقبض على أكبر عدد من البلطجية والمطلوبين أمنيا، فى طنطا الآن حملات موجهة على أوكار البلطجة وبؤر المخدرات, وبالفعل ألقى القبض على كميات كبيرة من البانجو والحشيش وعدد لابأس به من المتهمين من الهاربين من تنفيذ أحكام وتجار مخدرات وهاربين من السجون خلال الهجوم على السجون، الأمناء والأفراد يردون الصاع صاعين للبلطجية، ويوجهون رسالة مفادها سنطاردكم حتى تسقطوا، حتى لو حرقتمونا بنيران غازكم وأطلقتم علينا أسودكم وكلابكم.