تناولنا بصحيفة «الوفد» بالعدد رقم 7210 بتاريخ 6/4/2010 مقالاً عن الصراع الأمريكي - الإيراني لإعادة تخطيط الشرق الأوسط الجديد تضمن تحليلاً سياسياً للموقف الأمريكي والموقف الإيراني، توقعنا فيه أن الولاياتالمتحدةالأمريكية في المديين القريب والبعيد ستضطر إلي مهادنة إيران والتنسيق معها لاستقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط استناداً إلي العوامل التالية: 1 - إن إيران متمسكة ومصرة علي تنفيذ أهدافها الاستراتيجية لامتلاك التكنولوجيا النووية مهما كلفها ذلك من معاناة اقتصادية ومستعدة للوصول إلي أي مدي في هذا الاتجاه لتحقيق هذا الهدف وبإجماع وطني. 2 - إن إيران تلعب دوراً رئيسياً في استقرار الأوضاع السياسية في العراق كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية حريصة علي استقرارها وتقدمها. 3 - إن إيران بدأت في التدخل في الصراع الأفغاني وأمريكا في أشد الحاجة للخروج الآمن من المستنقع الأفغاني بأقل خسائر ممكنة. 4 - فشل الاستراتيجية الأمريكية وسياستها في تطوير الفكر السياسي لدول منطقة الشرق الأوسط قبل ثورات الربيع العربي لتحقيق الديمقراطية فيها ولتكوين الشرق الأوسط الجديد لمعارضة أنظمة الحكم في هذه الدول التمشي مع الفكر الأمريكي في هذا المجال. 5 - تردد الولاياتالمتحدةالأمريكية في التعامل بجدية مع إيران حول برنامجها النووي منذ بدايته نتيجة تورطها في العراق لاستنادها في ذلك الوقت إلي معلومات غير حقيقية عن نشاطها النووي وفقدان دول العالم للثقة في أية معلومات ترددها الولاياتالمتحدةالأمريكية عن دول المنطقة، مما أدي إلي تنامي النشاط النووي الإيراني بصورة أصبح معها خارج سيطرة الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية للتعامل معه عسكرياً لقصور المعلومات الحقيقية عن هذا النشاط والسلبيات التي يمكن أن تترتب عليها في حالة قصف هذه المنشآت وما يمكن أن يتولد عنها من غبار ذري يؤدي إلي تلوث المنطقة ومنطقة الخليج العربي لفترة طويلة يصعب معالجتها، بالإضافة إلي أن التعرض عسكرياً لإيران يؤدي إلي أزمة طاحنة عالمية تهتز علي إثرها اقتصاديات معظم دول العالم التي تعتمد علي إمدادات البترول من منطقة الشرق الأوسط. 6 - تعامل الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية مع إيران في إطار ملفها النووي فقط دون أية اعتبارات لتحالفاتها ومدها الشيعي في المنطقة والذي يؤدي إلي زعزعة المصداقية في قدراتها ويهدد سياستها واستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط وينعكس سلباً علي الأنظمة المرتبطة بها سياسياً ودفاعياً. 7 - إهدار الثقة في القدرات الأمريكية كقوة فاعلة في منطقة الشرق الأوسط لعدم حسم الموقف في الميدان الأفغاني وتصاعد حدة تصميم إيران علي استكمال برنامجها النووي وفشل العملية السياسية في العراق، وعدم رغبتها في الضغط علي إسرائيل لحل القضية الفلسطينية التي وصلت إلي مرحلة اليأس لحلها، بالإضافة إلي عدم الوصول إلي نتائج إيجابية لحل الأزمة السورية واستمرار الصراع بين المعارضة والنظام الذي يدفع الشعب السوري الثمن غالياً بسببه، الذي بدأ بمباركة أمريكية وبتمويل قطري تنفيذاً لتعليمات المخابرات الأمريكية لتغذية هذا الصراع واستمراره دون ظهور بارقة أمل للضغط علي النظام السوري لإشراك المعارضة في الحكم في سوريا. وإذا ما انتقلنا إلي حدود أحلام إيران في منطقة الشرق الأوسط، فإن آمال إحياء الدولة الفارسية يداعب أحلام القائمين علي نظام الحكم فيها ويعملون علي تحقيق ذلك كمرحلة في المنطقة العربية سواء من خلال علاقاتها مع بعض دول المنطقة أو إنشاء كيانات شيعية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بها في بعض الدول العربية مروراً بالمراحل التالية: 1 - بدأت محاولات الثورة الإسلامية لبناء الدولة بقيادة الإمام الخوميني بعد رحيل شاه إيران، بمنظومة دينية افتقرت للخبرة السياسية داخلياً وخارجياً واستمر هذا التخبط صعوداً وهبوطاً وأطلقت شعار تصدير الثورة الإسلامية للمنطقة العربية مما أزعج كل الأنظمة الحاكمة فيها واتخذت هذه الدول سياسة الدفاع عن نفسها ضد النفوذ الإيراني وقطع أية تعاملات مع النظام الإيراني إلا أنه قد بدأ في التحرش بالأنظمة العربية مما أدي إلي فقدان الثقة بينهما. 2 - بدأت الثورة الإسلامية بعد رحيل الخوميني في التجديد بدءاً بإصلاح النظام السياسي وبدأت التيارات السياسية في الصراع لوضع منظومة سياسية تتفق مع المتغيرات الدولية ومقبولة داخلياً وخارجياً واستقرت الأوضاع لبناء منظومة سياسية تنطلق من قاعدة ديمقراطية تؤمن بالتعددية الحزبية والسياسية ونظام انتخابي لرئاسة الدولة والبرلمان وتشكيل حكومة تنفيذية لإدارة شئون البلاد. 3 - ولقد استقر رأي حكماء الثورة الإسلامية علي تكوين قوة مسلحة خاصة لحماية الثورة الإسلامية من أعداء الدولة والحفاظ علي استمرار الثورة الإسلامية، ولقد استقر الرأي علي تشكيل الحرس الثوري لتحقيق هذه الأهداف وتأمين بعض المناطق المهمة الحدودية البرية والبحرية والجوية وإدارته وسيطرته علي منظومة الصواريخ الإيرانية أرض/ جو، وأرض/ أرض، متوسطة وبعيدة المدي. 4 - ولاستكمال منظومة تأمين الدولة، فقد تم إنشاء منظومة علمية تعتمد علي التكنولوجيا النووية بإنشاء العديد من المفاعلات الذرية وصولاً إلي تحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود النووي والنظائر المشعة لاستخدامها في الأغراض السلمية، وفي ظل عدم قناعة الدول الغربية، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالاستخدام السلمي الذي يمكن أن يتعداه لامتلاك السلاح الذري، الأمر الذي أدي إلي قيام هذه الدول بالحيلولة ومنع إيران من الاستمرار في هذا النشاط سواء بفرض العقوبات الاقتصادية عليها أو منحها مزايا اقتصادية وعلمية والتلويح بالعمل العسكري ضد المنشآت النووية، ومازال الحوار حول الملف النووي الإيراني يشغل المنظمات الدولية والذرية والاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية للوصول إلي حل يرضي كل الأطراف وينهي الصراع مع إيران حول ملفها النووي. 5 - ولتحقيق الدعم المادي والعسكري لحزب الله الشيعي الإيراني في لبنان، فلقد اتجهت إلي توطيد علاقاتها مع سوريا في إطار تبادل المصالح السياسية والعسكرية بينهما، حتي وصلت إلي مرحلة التحالف، ولقد أدي هذا الاتجاه إلي استمرار حزب الله كقوة فاعلة ضد أطماع إسرائيل في جنوبلبنان، ولقد برز ذلك جلياً في العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان عام 2006، والاشتراك في المنظومة السياسية اللبنانية، والتمركز في الضاحية الجنوبية من لبنان، التي تخضع لسيطرته وتقع عليه مسئولية تأمينها وبأغلبية سكانية شيعية ينتمون لحزب الله، وتحتضن هذه المنطقة بعض مسئولي المنظمات الفلسطينية التي تتبني اتجاهاتهم وتوجهاتهم مع حزب الله، بالإضافة إلي أن سوريا تلعب دوراً رئيسياً في استقرار الأوضاع في العراق وتتقاسم هي وإيران مستقبل استقرار الأوضاع السياسية فيها، خاصة أن الغباء الأمريكي بغزو العراق قد خلص كلا من إيرانوسوريا من صدام حسين العدو الرئيسي لكليهما. 6 - ومن خلال علاقة إيرانبسوريا فإنها وبطريق غير مباشر قد حققت الاتصال والتنسيق مع المنظمات الممانعة الفلسطينية، خاصة حركة حماس التي تمركزت في قطاع غزة في إطار تلاقي المصالح بينهما، فلقد كانت حركة حماس تبحث عن حليف قوي يتبناها ويوفر لها الدعم المادي والعسكري، وفي نفس الوقت الذي تبحث فيه إيران عن موطئ قدم آخر في المنطقة العربية إلي جانب حزب الله لدعم موقفها في منطقة الشرق الأوسط لتوسيع نفوذها فيه من خلال الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي تعتبر بوابة العبور لكل القوي في المنطقة لتحقيق هذا الهدف. 7 - ولإلقاء الضوء علي البؤر الشيعية في العالم العربي فإن بؤرة الحوثيين في اليمن تشكل هدفاً إيرانياً تعمل علي إحيائه ككيان مستقل التي انطلقت فيه في منطقة صعدة عام 1994 من خلال حركة الشباب المؤمن والتي أسست المعهد العلمي بها وكانت الدراسة فيه دمجاً بين المذهب الزيدي والمذهب الإمامي واتسعت مجالات نشاط الشباب المؤمن بقيادة حسين بدر الدين الحوثي، في الوقت الذي هادنها نظام الحكم حتي تصادمت معه عام 2003 للحد من سيطرتها علي منطقة صعدة واستعادة الدولة هيبتها فيها حتي وصلت المواجهات العسكرية بينهما واستمرارها منذ عام 2004، حتي بلغت إلي عام 2008 خمس حروب بدعم من إيران واستمرارها كحركة شيعية ذات جذور زيدية وتوجهات الاثني عشرية، ولقد ساعدها علي الانتشار في منطقة صعدة وتزايد نفوذها تفاقم المشكلة الاقتصادية باليمن وتدني مستوي المعيشة، الأمر الذي أدي إلي امتداد نفوذها إلي مناطق تجمع الزيدية الأخري، خاصة منطقة عمران، ولذلك فلقد تصدت السلطة لنفوذها ونشاط الحوثيين حتي كانت المواجهة العسكرية السادسة بينهما عام 2010 والتي انتهت بموافقة الحوثيين علي الصلح مع نظام الحكم، إلا أنه في ظل اندلاع ثورة اليمن فلقد وجدت فيها حركة الحوثيين الفرصة سانحة للانتشار والسيطرة علي مناطق جديدة حول منطقة صعدة وعمران، ومازالت العلاقة بينهم وبين السلطة يشوبها الحذر الشديد من كلا الجانبين صعوداً وهبوطاً. 8 - وانطلاقاً مما سبق فإن إيران تسعي إلي تعزيز دورها الإقليمي المحوري في منطقة الشرق الأوسط لدعم موقفها كقوة صاعدة فيه تفيدها في محادثاتها في الملف النووي بما يتفق مع مصالحها الإقليمية. ومن خلال نظرة تقييمية لصفقة حافة الهاوية وتقسيم النفوذ في الشرق الأوسط بين كل من إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية والتي كانت السبيل الوحيد المتاح منذ البداية لتسوية الملف النووي الإيراني رغم التهديد والتلويح بالعمل العسكري بصفة مستمرة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، فإننا نشير إلي المكاسب التي تحققت لكلا الطرفين من الاتفاق كالتالي: الولاياتالمتحدةالأمريكية: 1 - تسوية الملف الإيراني لتهدئة الموقف في الشرق الأوسط واستقراره للتفرغ والتحول للمحور الآسيوي الذي بات يهدد المصالح الأمريكية، خاصة من الصينوروسيا في ظل تطورات الأزمة الأوكرانية حالياً وضم جزيرة القرم إليها. 2 - استمرار إيران كمصدر توتر مطلوب أمريكياً في منطقة الخليج لحمل الدول العربية المجاورة لها علي الارتماء في أحضان الولاياتالمتحدةالأمريكية وعدم التفكير مستقبلاً في إنهاء وجودها العسكري الذي يحمي منابع البترول ويساهم في تشديد الحصار علي كل من روسياوالصين ومبرراً لاستمرار بيع الأسلحة المتطورة الأمريكية لدول منطقة الخليج العربي الذي يتمشي مع استراتيجية الولاياتالمتحدةالأمريكية للسيطرة علي الدول المختلفة والتحكم في مواردها، خاصة البترولية منها والتي تستخدم في ذلك وسائل عديدة ومنها خلق بؤر توتر في مناطق مختارة بعناية تبرر وجودها العسكري في تلك المناطق. 3 - توفر إمكانية حل الأزمة السورية من خلال علاقات إيرانبسوريا واستغلالها في محاولة إشراك المعارضة في النظام السياسي السوري والضغط علي إيران خلال المفاوضات للتدخل والتوصل مع النظام السوري لتحقيق هذا الهدف في إطار توفير الظروف المناسبة لاستقرار المنطقة كهدف استراتيجي لكل من إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية التي تحرص أيضاً علي تحقيق الرغبة السعودية لحل الأزمة السورية للمحافظة علي علاقاتها مع الحليف السعودي في المنطقة. إيران: 1 - تجنب الضربة العسكرية الأمريكية واستمرار التلويح بها. 2 - الاعتراف بالنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط في كل من العراقوسورياولبنان والبحرين واليمن «الحوثيون» وغزة «حركة حماس» وعدم معارضة الولاياتالمتحدةالأمريكية للتوسع الإيراني مستقبلاً الذي يتمشي مع مبادئ الجغرافيا السياسية لإيران لنشر مبادئ الثورة الإيرانية في محيطها الجغرافي طالما لا يهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية. 3 - تجميد برنامج زيادة العقوبات الأمريكيةوالغربية علي إيران والإفراج عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة وإلغاؤها تدريجياً. 4 - الاعتراف الكامل بحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية. 5 - الاستمرار في دعم نظام الحكم في سوريا وحزب الله وبما يحقق لها دوراً أساسياً في تسوية الملف السوري والصراع العربي - الإسرائيلي من خلالهما، بالإضافة إلي السيطرة علي حركة حماس في غزة والتي عادت إلي أحضان إيران مرة أخري بحثاً عن الدعم الإيراني لها مادياً ومعنوياً. وعلي ضوء كل ما سبق فإن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط تتوافق مع مصلحة إيران وأن المواجهة العسكرية بينهما غير واردة علي الإطلاق مهما غالت وزادت إيران من نسبة تخصيبها لليورانيوم من 5٪ إلي مستويات أعلي، حيث إنه من الثابت أنها وصلت إلي نسبة 20٪ ويمكن زيادتها طبقاً لتطورات وطموحات إيران لامتلاك التكنولوجيا النووية واستخداماتها. بالإضافة إلي ما سبق فإن التقارب الأمريكي - الإيراني سيؤدي إلي إعادة الولاياتالمتحدةالأمريكية لترتيب الأوراق والملفات في ظل هذه المستجدات التي يمكن لإيران من خلالها أن تلعب دوراً محورياً في سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية واستراتيجيتها في المنطقة، خاصة الملف السوري والعراقي وحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة وصولاً إلي استقرار المنطقة وامتداداتها في الشرق الأوسط كله، ويأتي التحالف الأخير بين تركياوإيران في المجالات الاقتصادية والأمنية مؤشراً لقيام إيران بهذا الدور الذي يخدم الهدف الأمريكي للاستفادة من الدور الإيراني، مع الوضع في الاعتبار أن استمرار التلويح بالعمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران رغم الاتفاق بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران، وإنما يدخل في إطار المحاولات الإسرائيلية لابتزاز الموقف الأمريكي «مساعدات مادية - أسلحة ومعدات» ولتخفيف الضغط عليها في ملفات أخري أهمها القضية الفلسطينية والمفاوضات الجارية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لمحاولة تسويتها في مقابل التسويف الإسرائيلي لاستهلاك الوقت وفرض الأمر الواقع من خلال الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية واستمراره في المناورة وتقديم بعض التنازلات الشكلية، علماً بأن الحد الأقصي للتنازلات الإسرائيلية لا يتمشي مع الحد الأدني للمطالب الفلسطينية، وبذلك تستمر القضية الفلسطينية تدور في حلقة مفرغة يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بدون رغبة أمريكية للضغط عليه لحسم الموقف لحل القضية الفلسطينية تمشياً مع حل الدولتين التي تتبناها الولاياتالمتحدةالأمريكية. لواء محمد رشاد وكيل المخابرات العامة سابقاً