لا يصب فى صالح الثورة المصرية استمرار المحاولات الرامية إلى تقسيم الصف الوطني، بين الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو؛ ومن ثم افتعال معارك خطابية تختفى خلفها أغراض تتنافى وحقيقة الأوضاع على الأرض، وكون الثورة المصرية فى الخامس والعشرين من يناير هى الثورة الأم التى اختطفتها جماعة الإخوان، فانحرفت بها إلى أن استردتها الملايين فى الثلاثين من يونيو، وها هى تتعرض الآن لمحاولة مماثلة للاختطاف من جانب نظام مبارك المستبد.! ولا شك أن نجاح جماعة الإخوان فى اختطاف ثورة الخامس والعشرين من يناير تم تحت سمع وبصر القوى السياسية الوطنية، فى ظل حالة من النشوة بانتصار الثورة، حيث أتاحت الممارسة الديمقراطية الوليدة حيزًا للجماعة، سرعان ما تسربت منه إلى مقدمة المشهد بعد الرجوع إلى ما للدين من مكانة سامية فى الضمير الوطني، مسلم ومسيحي، حتى فوجئ الجميع بأن المطلوب إقصاؤهم بعيدًا عن ثورتهم، لا أن يفسحوا المجال للجماعة لتعتلى المشهد إذا ما ساندتها إرادة شعبية حقيقية. والحال كذلك فيما تعانيه الثورة الآن بعد استردادها، فتحت سمع وبصر القوى السياسية الوطنية، واستنادًا إلى ما للديمقراطية من أعباء، يسعى نظام مبارك الفاسد فى اختطاف الثورة بزعم أن الإرادة الشعبية التى عبرت عنها الملايين فى الثلاثين من يونيو أسقطت حكم جماعة الإخوان، وهم الفصيل الذى أتى إلى الحكم بموجب ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ ومن ثم فإن «الثورة» عندهم ما هى إلا ثورة الثلاثين من يونيو، أما الخامس والعشرون من يناير فتتراوح، وفق ادعاءاتهم، بين انتفاضة وحركة شعبية، وصولًا إلى حد وصفها بالمؤامرة، وبالتالى فهى بالضرورة أمريكية، طالما اكتشف الشعب الدعم الأمريكى لجماعة الإخوان.! وعليه... فقد رأى البعض من «خبراء» نظام مبارك، أن ثورة الخامس والعشرين من يناير تأتى فى إطار ما سُمى بالجيل الرابع من الحروب، بوصفها إستراتيجية أمريكية تهدف إلى محاربة الدول بإشعال الصراعات الداخلية فيها، حتى تتآكل الدولة من الداخل إلى أن تسقط بفعل أبنائها بالأساس، وبدعم من الخارج أحيانًا. والواقع أن مثل هذه الرؤى، لا يمكن لها أن تنجح فى إقناع الشعب بأن ثورته على الظلم والفساد والاستبداد الذى جسده نظام مبارك، ليس له من أمرها شىء، بل هى هوة سحيقة تم دفعه إليها، بينما يدرك المواطن البسيط الدوافع الحقيقية لخروجه بالملايين فى الشوارع، معرضًا حياته للخطر، طامحًا إلى مستقبل أفضل له ولأبنائه، حين كان «خبراء» نظام مبارك يقيمون بصفة دائمة أمام الشاشات والميكروفونات الحكومية، ويلهثون خلف الفضائيات المتعددة، يصفون الثوار «بالقلة الفاسدة، المأجورة، العميلة»... إلى آخر مفردات قاموس الأنظمة المستبدة حين تأتى لحظة مواجهتها إرادة شعوبها متى تحررت من خوفها. والواقع أن محاولات عودة نظام مبارك على هذا النحو، وبهذا السبيل تحديدًا، تكشف مدى فاشية هذا النظام الذى يعجز عن البقاء فى ظل حياة ديمقراطية حقيقية، تحفل باتجاهات ورؤى متعددة، تجسد مفهوم التعددية السياسية باعتبارها من أبرز سمات النظم الديمقراطية. فرفض نظام مبارك الإقرار بثورة الخامس والعشرين من يناير، ومحاولة إلصاقها زورًا بالإخوان والمؤامرات، هو دليل بات على تمسكه بقوامه المعهود من الممارسات والسياسات المعادية للإرادة الشعبية التى انطلقت فى الخامس والعشرين من يناير، وحرصت على التأكيد على مطالبها فى الثلاثين من يونيو، رافضة كل ملامح الفساد والاحتكار التى أفضت بالوطن إلى مرحلة دقيقة، تحيط به تحديات ومخاطر لن تُثنى الشعب مهما علت، عن الاستمرار فى حماية ثورته من استمرار محاولات الاختطاف من جانب أعدائها. وليس من شك أن «البعض» ممن كانوا ينتمون إلى الحزب الوطني، لم تنجح محاولات النظام فى توريطهم فى ممارسات الفساد، فبات عليهم أن يدركوا الركب الثوري، وهم على يقين من أن الإرادة الشعبية الحرة ماضية فى طريقها، وحق عليهم الإقرار بثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، ثورة شعبية أذهلت العالم بسلميتها ومبادئها السامية، نهضت لتقضى على نظام مبارك المستبد، وأن الثلاثين من يونيو ما هو إلا الامتداد الثورى الذى استردت به الملايين ثورتهم بعد أن نجحت جماعة الإخوان الإرهابية فى اختطافها. وعليهم أن يدركوا أيضًا، ومعهم كافة القوى السياسية الوطنية، أن اختطاف الثورة مرة أخرى، يمثل شهادة وفاة القوى السياسية الحالية، وإن ظلت الإرادة الشعبية الحرة... حية لن تموت. «الوفد»