بالضرورة لابد أن تفرز الانتخابات البرلمانية المقبلة مواقف متباينة، ورؤى مختلفة فيما بين الأحزاب والقوى السياسية الوطنية، وهو أمر لا ينبغى الترويج له باعتباره شرخاً فى الصف الوطني، قدر ما هو علامة صحية تفيد بثراء الحياة السياسية فيما بعد الثورة، تمنع ولا تسمح بتمرير أعداء الثورة إلى المشهد السياسى. غير أن ذلك يظل مرهوناً بالممارسات على الأرض، وما تشهده الساحة من فعاليات ينبغى أن تلتزم بقواعد العملية الديمقراطية، وهى قواعد تتيح جملة من الأدوات السياسية المتعارف عليها فى النظم الديمقراطية، دون الاستعانة بأساليب تجاوزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، والتى كررت الملايين فى الثلاثين من يونية التأكيد على جوهرها الحقيقى، حين أنكرت الاستعانة بالدين معياراً يفصل فى مدى وطنية وكفاءة كل من يتقدم للعمل السياسى. فليس من شك أن تصاعد «المعركة» الانتخابية، وتجاوزها حدود الموضوعية والشفافية والمساءلة القانونية، قد يتيح أمام أعداء ثورة يناير ما يمكنهم من النفاذ إلى العمل السياسي، واستعادة مواقعهم التى أفسدوا من خلالها كافة محاولات المعارضة الوطنية المخلصة فى استنهاض الإرادة الشعبية على مدى عدة عقود. وفى المقابل فإن أنصار الجماعة الإرهابية قد أعدوا لإنتاج مجموعات من الوجوه الجديدة، يدفعون بها إلى المعترك الانتخابى، استناداً إلى عدم وضوح حقيقة توجهاتهم أمام الرأى العام، وسرعان ما سينقلب هؤلاء لمواجهة قيم الثورة ومبادئها متى تمكنوا من دخول البرلمان المقبل، لتتخذ الجماعة منهم سبيلاً إلى الادعاء بأنهم يمثلون المجتمع الرافض للثلاثين من يونية، وما هم فى الواقع إلا الصفوف الخلفية للجماعة وأنصارها. المسئولية إذن جسيمة على عاتق الأحزاب والقوى السياسية الوطنية، فليس نجاح الإخوان أو رموز نظام مبارك الفاسد فى العودة إلى المشهد السياسى عبر البرلمان، إلا سوء تقدير من القوى الثورية، ورغبة عمياء فى اقتناص مقاعد البرلمان على غير أساس وطنى. وعلى ذلك فإن كفاءة القوى الثورية، وجدارتها بتمثيل الثورة فى البرلمان، يمكن قياسها وفق معيار يرتكز على مدى ما تسرب من نظام مبارك المستبد، والجماعة الإرهابية، إلى البرلمان المقبل، ودون ذلك فإن كل حزب سيتحمل مسئوليته أمام الرأى العام قدر إسهامه فى تمرير أعداء الثورة إلى البرلمان الجديد. وإذا كان الدستور الجديد لم يدفع باتجاه عزل سياسى صريح، فإن مسئولية الناخب واجبة، وضميره الوطني، هو المنوط به إجراء ذلك العزل، واستبعاد أعداء الثورة من طريق الركب الثوري، خاصة أن البرلمان المقبل سينتج عنه اختيار الحكومة التى باتت، بحكم الدستور الجديد، تمتلك صلاحيات متعددة تجعل منها فاعلاً رئيساً فى المشهد الوطنى. والواقع أن ما ينتظر البرلمان المقبل من تحديات ومهام صعبة، تتنافى وحقيقة المبادئ الحاكمة لأعداء الثورة من النظامين، السابق والأسبق، فليس يعبر عن الثورة، ويجسد دستورها الجديد إلا أبناؤها المخلصون، وقد ارتهنوا حياتهم مقابل نجاح الثورة وفرض قيمها، بقدر ما واجهها هؤلاء بممارسات زادت من المخاطر المحيطة بالوطن، وافتعلت من القضايا، الداخلية والخارجية، ما أضاف إلى الأجندة الوطنية جملة من العقبات لن يسهل المرور منها فى وقت قصير. لتكن المعركة الانتخابية بالأساس بين القوى الثورية على اختلافها، وبين نظام مبارك الفاسد، وصنيعته جماعة الإخوان الإرهابية التى نمت وتسللت فى ظل حكم مبارك إلى كافة أوصال المجتمع، مستترة بالدين، إلى أن تكشفت الحقيقة أمام الشعب، وأدرك أن الجماعة الإرهابية هى الوجه الآخر لنظام مبارك المستبد، فكلاهما تأسس منهجه الفكرى بما يتعارض والمصالح الوطنية؛ ومن ثم حرصت ثورة يناير على استئصال ما علق بها من جماعة الإخوان، مثلما يمتنع على نظام مبارك العودة بموجب «تعلقه» بالثلاثين من يونية، كراهة لحكم الإخوان البغيض. القوى الثورية الحقيقية هى المنوط بها قيادة حركة المجتمع فى سعيه صوب تحقيق طموحاته الثورية المشروعة، ولا محل بينهم لمن نهضت الملايين الثائرة فى مواجهتهم فى الخامس والعشرين من يناير، وفى الثلاثين من يونية، وتلك هى مسئولية قوى الثورة.