بالقطع لن يسمح الوفد بتوفير ممرات آمنة أمام عودة نظام مبارك المستبد، ولا بديل عن الإقرار بأن إعادة استنساخ نظام مبارك الفاسد لا يعني إلا إعادة إنتاج أسباب ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، فلن يقبل الشعب المصري من كافة قواه الثورية، وفي مقدمتها حزب «الوفد» العريق، التهاون تجاه كل ما من شأنه ضياع الثورة التي أدهشت العالم، واستأنفت الدور الريادي للوطن، كمنارة تهتدي بها الشعوب في سعيها صوب الارتقاء بالمسيرة الإنسانية. والأمر ذاته إذا ما عادت إلي الظهور علي سطح المشهد الوطني ممارسات وسياسات من شأنها إعادة فرز الشعب المصري وفق تقسيمات دينية، لطالما كانت مدخلاً واسعاً إلي حروب وصراعات مريرة عانت منها جملة من شعوب العالم، حتى باتت الدولة الدينية ذكرى أليمة في المسيرة الإنسانية كلها، لن تفلح جهود التنظيمات الإرهابية في إعادة استنساخها مرة أخرى. وبغض النظر عن «بقايا» منظومة الإخوان، وهي إلي زوال ما بقيت الثورة حية في الضمير الوطني، ستظل القوى الثورية الحقيقية يقظة، لا يشغلها جهدها في مواجهة إرهاب الجماعة عن سد كافة المنافذ التي سيطرقها رموز نظام مبارك الفاسد للعودة إلي الساحة السياسية مرة أخرى. فلا ينبغى أن تسمح القوى الثورية الحقيقية لرموز نظام مبارك المستبد باستغلال الأوضاع الحالية للعودة إلي مواقعهم التي أتاحت لهم نهب مقدرات الوطن، وانتهاك حرمة حريات وحقوق أبنائه الشرفاء، وهم من قدموا حياتهم ثمناً لحياة حرة كريمة، لا وجود فيها لمحترفي المتاجرة بالوطن، ولا لغيرهم من المتاجرين بالدين. من هنا فإن المسئولية جسيمة علي عاتق كافة القوى الثورية الوطنية لمجابهة كافة محاولات إعادة استنساخ نظام مبارك، فليس في ذلك إلا القضاء علي الثورة المصرية، وانهيار كافة الجسور التي مدتها الثورة بين طموحات الشعب المصري وقواه السياسية الوطنية. فلا يخفي علي المواطن البسيط، صاحب الثورة المصرية، ما يشهده المجتمع حالياً من صفقات هنا وهناك تهدف إلي إعادة تأهيل المجتمع ليتقبل تلك الوجوه الكريهة التي طالما عاني الشعب في ظل سيطرتها علي مقدراته، وهي محاولات لا شك ستجد بعضاً من أغراضها لدى البعض من ضعاف النفوس، وغيرهم من قليلي الخبرة السياسية، وفاقدي المسئولية الوطنية. وعلي ذلك فإن الوفد، وقد أصدر البيان الأول عن الثورة في الخامس والعشرين من يناير، وبوصفه أعرق المؤسسات السياسية، وصاحب الخبرة الطويلة، في الحكم والمعارضة علي السواء، ليحذر من تلك المخططات الرامية إلي استنساخ نظام مبارك الفاسد. ولعل العنوان الأبرز في هذا الشأن يتمثل في محاولات النيل من ثورة يناير، وفي ذلك تأتي الجهود شتى، ما بين تشويه البعض من رموزها، ووصفهم بأنهم مجموعة من المتآمرين علي الوطن، وفي حقائبهم «أجندات خارجية» تم ترتيبها في الخارج لدى أعداء الوطن!، وهي ذات الملامح الرئيسة للخطاب السياسي لنظام مبارك في مواجهة المعارضة الوطنية! كذلك تتخذ محاولات استنساخ نظام مبارك في تشويه ثورة يناير أشكالاً أخرى، فيحلو لنظام مبارك تصوير ثورة يناير بوصفها المسئولة عن حكم الإخوان البغيض، في استهانة واضحة بتضحيات الملايين في ثورة الخامس والعشرين من يناير، وقد «لحق» بهم فصيل من التيار الإسلامي لا يمكنه الزعم بأنه صاحب الثورة، بل إن منهم من تتعارض مبادئه ومفهوم الثورة بشكل عام. ولم تسلم ثورة يناير من التشويه بادعاءات كاذبة مُضللة، تنزع من الشعب المصري قدرته علي إنتاج ثورة شعبية أذهلت العالم، حيث يري البعض من رموز نظام مبارك أن ثورة يناير ما هي إلي صنيعة الغرب؛ ومن ثم يدرجونها في إطار حروب الجيل الرابع التي نظرت لها الإستراتيجيات الأمريكية، حيث تعني إفشال الدولة من الداخل، بتأجيج الصراعات والأزمات داخل الدولة، فتنهار قواها من الداخل، دون قوة عسكرية تواجهها. وفي سبيل إزالة كافة آثار ثورة الخامس والعشرين؛ وبالتالي التمهيد لعودة من قامت الثورة في مواجهتهم، فإن المساعي حثيثة باتجاه التأكيد علي أن الثورة ما هي إلا ثورة الثلاثين من يونيه!، وهو أمر يتفق مع ما اتسم به نظام مبارك من افتقاد لرؤية سياسية تستلزمها مقتضيات الأمور؛ ذلك أن «الثلاثين من يونيه» ما هي إلا الامتداد الطبيعي لثورة يناير، وتعديل للمسار من شأنه إعادة المسيرة الثورية إلي طريقها الذي خطته لها حناجر الملايين الثائرة ضد نظام مبارك المستبد. والواقع أن ثورة يناير ليست ملكاً للإخوان وأتباعهم علي الساحة السياسية، ولا هم كانوا شركاء فيها بنصيب يسمح لهم باقتيادها إلي مآربهم، يؤكد ذلك أن مبادئهم وقيمهم الحاكمة لأدائهم كانت في صراع دائم مع طموحات الثورة، ومن هنا فشل الحكم الذي اغتصبوه، وانقضي إلي غير رجعة بعد عام واحد. كذلك فإن الملايين التي زحفت تكرر مطالب ثورة يناير في الثلاثين من يونيه، لم تكن من أتباع نظام مبارك، وإن لحق بهم فصيل منهم علي أمل أن تشكل معبراً لهم إلي المشهد الوطني من جديد، غير أن الثورات الشعبية بالضرورة حاملة لطموحاتها، ولم يذكر عن الملايين الثائرة في الثلاثين من يونيه أنها هتفت بعودة نظام مبارك، بل يعرف القاصي والداني أن نظام مبارك كان هو الحضن الدافئ الذي ترعرعت فيه الجماعة الإرهابية، وتمددت إلي أوصال المجتمع المصري، مثلما كانت الجماعة هي الأخرى عظيمة الفائدة لنظام مبارك الفاسد، حيث مثلت «فزاعته» التي أخاف بها العالم، ومنحته شرعية زائفة ليبقي في الحكم حتى لا تتمكن من الوصول إلي الحكم. ولا شك أن نظام مبارك قد افترض في منهجه هذا أن المجتمع لا يحمل في طياته «بعضاً» من القوى السياسية، غير تلك التي أقصاها، وغيرها التي أغراها ... فأدناها.! غير أن ضميراً وطنياً ظل حياً تحت الرماد ليشعل ثورة شعبية جارفة تطيح بمبارك ونظامه في الخامس والعشرين من يناير، وتعود لتنهض لتزيل بقايا قيمه الفاسدة مُجسدة في صنيعته الإخوانية في الثلاثين من يونيه؛ فأي ملكية يدعيها نظام مبارك للثلاثين من يونيه، وقد أزالت الملايين الثائرة «فزاعتهم»؟!، وما عاد الشعب ليفزع من جماعة إرهابية ليرتمي في أحضان راعيهم المستبد! «الوفد»