لا شك أننا بحاجة إلي إضافة المزيد من المؤشرات، علي الأرض، ليس للتأكيد علي ثورية الثلاثين من يونية، فهذا أمر دونه أي شك، بل لتثبت القوى السياسية جدارتها بتحمل المسئولية الوطنية في المرحلة الراهنة، الفارقة في حياة الأمة المصرية. فقد ثارت الجماهير في الخامس والعشرين من يناير، وأسقطت نظام مبارك الذي استقر فوق مقاعد الحكم مدة ثلاثين عاماً، اجتهد فيها لإضعاف القوى السياسية المعارضة، وتشويه رموزها، فإذا بالشعب الثائر يضع ثورته أمانة في أعناق القوى السياسية لتستكمل البناء بعد أن أزال، بأرواح شهدائه وحناجره، نظاماً فاسداً. غير أن ما شهدته المرحلة الانتقالية، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وصولاً إلي ما قبل الثلاثين من يونية، عبر بوضوح عن نجاح نظام مبارك في إضعاف كثير من القوي السياسية، وقدرته علي حشد كثير من أصحاب المصالح داخل صفوف المعارضة الوطنية، نتيجة ذيوع كثير من القيم الفاسدة في المجتمع المصري علي مدى عشرات السنين. من هنا لم تكن النتائج بعيدة عن واقعنا السياسي المتردي، وشهدت البلاد منعطفات كادت تعصف بكل الطموحات الثورية، إلا أن المكنون الحضاري كان أعمق في وجدان الشعب المصري، فأصر علي تصحيح مسار الثورة في الثلاثين من يونية، في سابقة يُعيد بها الشعب المصري دوره التاريخي في إلهام العالم كثيراً من مفردات الحضارة. واليوم،. ونحن في منعطف آخر خطير، حيث لا يود فصيل من أبناء الوطن المشاركة في البناء إلا وهم فوق مقاعد الحكم، علينا أن نزيد من الهمم بما يكفي لتعويض جهود الفصيل «المتوقف» عن العمل في بعض الميادين، وعدم السماح بعرقلة البناء. ولعلنا نجد ذلك في التنفيذ الجاد لخطوات خارطة الطريق، وفق برنامجها الزمني المتفق عليه، رغم ما قد يواجهنا في هذا السبيل من صعوبات وعراقيل، عفوية كانت أو مُتعمدة، إلا أنها تظل خيارنا الأوحد الذي لا نملك له بديلاً. وواقع الأمر أن الترتيب الزمني لخطوات خارطة الطريق، يحقق ما نادت به القوى السياسية الثورية منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، وعلي رأسها الوفد باعتباره أعرق المؤسسات السياسية، وبما يملكه «منفرداً» من خبرة ممارسة الحكم والمعارضة علي السواء، علي مدى يقترب من قرن كامل. وقد كانت الرغبة الإخوانية مُلحة في وضع الدستور في ظل سيطرتهم علي مفاصل الدولة، فأمسكوا أولاً بالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وفق أدوات لم تعد محل إنكار أو تبرير، ما أدى إلي وضع دستور لا يحظى بتوافق مجتمعي يجعل منه تعبيراً صادقاً عن طموحات الشعب المصري. فليكن الالتزام الجاد بتنفيذ خطوات خارطة الطريق التي وافقت الإرادة الشعبية، سبيلنا الأوحد، وليكن «الدستور أولاً» دليلنا إلي تحقيق الإرادة الشعبية الحرة، ودون ذلك، يظل الدور الوطني منقوصاً، لا يعبر عن جدارة القوى السياسية لحمل أمانة الثورة.