لطالما كان الوفد مرآة تعكس ضمير الأمة المصرية بصدق، وما يعتمل فيها من تفاعلات حية تتطور بموجبها الحياة على أرض الوطن إلى الأفضل، بسواعد الشرفاء والمخلصين من أبناء الوطن؛ ومن ثم لا ينبغى النظر إلى حزب الوفد بعيدًا عن كونه أحد المكونات الأساسية للحياة السياسية فى مصر، استنادًا إلى أن الديمقراطية يصنعها الديمقراطيون، ولا أحد سواهم. من هنا فإن القفز على الحقائق، وتجاهل الثابت منها، لا يحمل فى طياته فكرًا سياسيًا يختلف عن ممارسات أنظمة فاسدة ثارت عليها الملايين من أبناء الوطن، فى الخامس والعشرين من يناير، وفى الثلاثين من يونيو، وليس من الحكمة أن نرتد إلى ممارسات لا تتقاطع على الإطلاق مع المصالح الوطنية، بغض النظر عن أية مصالح حزبية أو شخصية. فكثير من المواقف التى عبر من خلالها حزب الوفد عن رفضه لممارسات نظام مبارك، ومن بعده نظام الإخوان، ليست فى حاجة إلى تأكيد، وقد باتت قيمة مُضافة إلى التراث الوفدي، يفخر به كل وطنى مخلص، وفديًا كان أو غير وفدى. لا يعنى ذلك أن الوفد قدم للوطن كل ما لديه من إمكانات من شأنها دفع العملية السياسية إلى الآفاق التى تحقق طموحات الشعب المصرى العظيم، إلا أن تقييمًا موضوعيًا لأداء كافة الأحزاب السياسية، لابد أن يضع فى اعتباره المعوقات التى وضعها نظام مبارك، على مدى ثلاثين عامًا، فى سبيل تهميش دور المعارضة بشكل عام، وتشويه صورة رموزها لدى الرأى العام، فضلًا عن كثير من الممارسات التى أدت إلى عزوف الناس عن المشاركة السياسية الحقيقية، بعد أن تأكدوا من قدرة النظام على تزييف إرادتهم. وليس من شك أن الثورات الشعبية عمل تراكمي، لا ينشأ من فراغ، وإن تفجر بغتة، غير أن ثورتنا المجيدة فى الخامس والعشرين من يناير، كانت من القوة ما جعلها تعلن عن نفسها قبل تفجرها، ولم تكن هذه القوة بعيدة عن جهود كبيرة، من حزب الوفد وغيره من القوى السياسية الوطنية المخلصة، حتى إن مؤتمرًا جماهيريًا حضره الآلاف من الوفديين فى الثامن من أغسطس عام 2010، أعلن فيه رئيس الوفد أن «مصر ليست تراثًا أو عقارًا كى تورث وهى أكبر من أن تورث»، وقت أن كان «التوريث» هو الهدف الأسمى لمبارك ونظامه، ثم كان قرار الوفد بالانسحاب من الانتخابات البرلمانية الأخيرة لنظام مبارك، وهو القرار الذى واجه كثيرًا من الضغوط لمنعه، غير أن الإرادة الوفدية الحقيقية لم تكن لتقبل ما شهدته تلك الانتخابات من عملية تزوير غير مسبوقة لم تشهدها الحياة السياسية المصرية من قبل. وقد ساهم ذلك بقوة فى فضح نظام مبارك الفاسد، ودفع به إلى الهاوية فى الخامس والعشرين من يناير، تلك الثورة المجيدة التى أعلن الوفد مشاركته فيها قبل تفجرها بعدة أيام، وشهد مقر حزب الوفد مساء الخامس والعشرين من يناير أول مؤتمر صحفى لرئيس حزب مصرى أعلن فيه أننا إزاء ثورة حقيقية، فقد على أثرها مبارك شرعيته، وبات عليه الرحيل استجابة لمطالب الشعب المشروعة فى اختيار حاكمه.