في قلب قاعات المتحف المصري بالقاهرة، يقف تمثال أمنحتب الثاني شامخًا، لا كقطعة أثرية فحسب، بل كرمز حي لقوة الملوك المصريين في أوج مجد الدولة الحديثة. يحمل التمثال بين تفاصيله رسالة سياسية وروحانية تتخطى حدود الزمن، لتُجسد مزيجًا نادرًا من الشباب، والسلطة، والحماية الإلهية. يعرض المتحف المصري بالقاهرة تمثالًا فريدًا للملك أمنحتب الثاني، أحد أعظم ملوك الأسرة الثامنة عشرة، والذي حكم مصر في النصف الأول من القرن الخامس عشر قبل الميلاد. يتميز التمثال المصنوع من الجرانيت الرمادي بإتقانه العالي، وبالتفاصيل الرمزية التي تروي قصة القوة والهيبة الملكية في أرقى عصور الحضارة المصرية. ◄ الحماية الإلهية يُصوّر التمثال الملك متوَّجًا بالتاج الأبيض، رمز السيادة على الوجه القبلي لمصر، واقفًا بثبات على علامات الأقواس التسعة، التي تُشير إلى الأعداء التقليديين للدولة المصرية، وهي رسالة سياسية تؤكد الهيمنة والقوة العسكرية لأمنحتب الثاني. هذه الوضعية المهيبة كانت شائعة في الفن الملكي المصري لتجسيد النصر على الأعداء الداخليين والخارجيين. وراء الملك، نُحتت الإلهة ميريت سجر في هيئة الكوبرا المقدسة، في دلالة على دورها كحامية للجبانة الملكية في طيبة (الأقصر حاليًا). وجودها خلف الملك ليس فقط دعمًا روحانيًا، بل تأكيد على الحماية الإلهية التي تواكب الملك في حياته وبعد مماته، وتعزز مكانته كوسيط بين البشر والآلهة. أما الملامح الوجهية للتمثال، فقد أبدع النحات في إبراز قوة الشباب والحزم في ملامح أمنحتب الثاني، حيث نرى عضلات وجهه مشدودة، ونظرته واثقة، وشفتاه مرسومتان بدقة تعكس شخصية قيادية تليق بملكٍ قاد مصر في ذروة قوتها السياسية والعسكرية. ◄ وثيقة بصرية خالدة عُرف عن أمنحتب الثاني شغفه بالسباقات البدنية والفروسية، وتقول النقوش في معابد الكرنك إنه كان يصيب هدفه بسهم وهو يقود عربته بسرعة عالية. هذا الجانب الرياضي يتكامل مع الشكل الفني للتمثال الذي يعكس الحيوية البدنية والانضباط الملكي. اقرأ أيضا| تابوت الملكة كاويت.. أنوثة الخلود في قلب الدير البحري يُعد هذا التمثال ليس مجرد عمل فني، بل وثيقة بصرية خالدة تسجل جانبًا مهمًا من الفكر السياسي والديني والفني في الدولة الحديثة، كما يجسد فلسفة الحكم القائم على القوة والشباب والإرادة الملكية المدعومة بالعقيدة. يعود هذا التمثال إلى حوالي عام 1430 قبل الميلاد، ويُعد من بين أروع ما أبدعته يد الفنان المصري القديم في تجسيد الرمزية الملكية في قالب فني مهيب. وجوده اليوم في المتحف المصري هو تذكير دائم بعظمة الحضارة التي استطاعت أن تُجسد القوة الإلهية في هيئة بشرية سامقة.