أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة ، نسلط الضوء عليه وهو اللواء مجدى مرسى جميل عزيز ابن الشاعر الوطني الكبير، قليلون يعرفون أن ابنه كان قائدًا ل«سرية الأبطال» في سلاح المدرعات، وشارك فى معارك حاسمة ضد العدو، لكنه ظل بعيدًا عن الأضواء، هذا الحوار يكشف أسرارًا لم تُنشر من قبل عن الحرب، عن والده وعن الأغانى الوطنية التى رافقت الجنود في الجبهة، وكذلك عن أحلامه الشخصية التي لم تتحقق بسبب الواجب الوطنى. ■ اللواء مجدي مرسي عزيز ◄ كيف تتذكر لحظة العبور والقتال؟ كانت لحظة فارقة فى حياتى وحياة كل جندى، دمرنا 20 دبابة للعدو وأسرنا 4 دبابات M-60 أمريكية حديثة، إحداها تم سحبها للقيادة العامة للتعرف عليها لأول مرة، حصلنا على خرائط ووثائق هامة، ودمرنا عربات صواريخ مضادة للدبابات، وأصيبت طائرة هليكوبتر إسرائيلية خلال المعارك، كل هذه الإنجازات لم يُسلط الضوء عليها بما يكفى، رغم أنها كانت جزءًا من النصر الكبير لمصر. ◄ حدثنا عن مهامك كقائد للسرية خلال الحرب؟ كنت نقيبًا وقتها وقائدًا للسرية الثانية دبابات فى أحد الألوية مدرع مستقل، المعروف ب"لواء الطليعة الضارب"، واجهنا معارك داخل وخارج رأس شاطئ إحدى فرق المشاة، وعلى امتداد الفرقة الثانية مشاة، التى بلغ عرضها 8 كيلومترات، التحركات كانت طولية وعرضية داخل عمق سيناء، ونجحنا فى إخضاع خطوط العدو رغم شراسة المواجهات، التحركات الطولية والعرضية داخل سيناء كانت كلها معارك مستمرة ضد العدو. بالإضافة لذلك، كانت مهمتنا تشمل تأمين جزيرة البلاح في قناة السويس ومنع أى تسلل للعدو من الغرب إلى الشرق، وهى مهمة تطلبت تنسيقًا دقيقًا بين الدبابات، المدفعية، ووحدات المشاة، وكلها كانت تحت نيران مباشرة. ◄ اقرأ أيضًا | عفت السادات من داخل مركز العمليات: الرئيس علم باستشهاد أخيه عاطف بعد نجاح الضربة الجوية ◄ كيف كان تأثير والدك على وجودك في الجبهة؟ والدى كان يزور الجبهة بانتظام، ليس لرؤيتى فقط، بل لدعم كل جندى، أتذكر مرة كنت فى إجازة قصيرة، ورأيته يستعد للذهاب للجبهة، فطلبت أن أذهب معه لكنه رفض، وعندما عدت، أخبرونى بدهشة "عرفت مين كان هنا؟ والدك "دخل دبابتك واتغدى مع الجنود" والدى لم يكن مجرد فنان أو شاعر، بل كان جزءًا من الروح المعنوية للجيش، كان يرافق الفنانين والإعلاميين فى رحلات للجبهة، لتقديم الدعم للجنود ولنا، بعيدًا عن أى شهرة أو أضواء. ◄ علمنا أنك كنت تحلم بالسينما؟ نعم، حلمت بمعهد السينما لدراسة السيناريو والإخراج، لكن والدى رفض وسمح لى بالالتحاق بالكلية الحربية، كنت الابن الأكبر والوحيد بين ثلاث بنات، ومع ذلك أراد أن أكون ضابطًا لأداء واجب الوطن قبل أى حلم شخصى، أحيانًا أتساءل ماذا كان سيحدث لو كنت دخلت السينما، لكننى فخور بما قدمته على أرض المعركة، وفخور بأن أحلامى الشخصية لم تمنعنى من أداء الواجب الوطنى. ◄ وما سر الانتصار في حرب أكتوبر؟ حرب أكتوبر كانت "حرب الرجال"، مواجهة شاملة على طول الجبهة، باقتحام مانع مائى شديد التحصين بارتفاع 20 مترًا تحت نيران مباشرة، والمعارك داخل النقاط الحصينة والدبابات فى عمق سيناء، كل خطوة كانت اختبارًا للإرادة والصبر، والنصر جاء بروح الجنود قبل أى سلاح، بالمقارنة بحرب 1967، النصر فى أكتوبر جاء نتيجة تضحيات ومهارات الجنود والضباط، وليس مجرد الاعتماد على الطيران أو المعدات، كان هناك وعى تكتيكى وإرادة صلبة، وهو ما افتقده العدو المتغطرس. ◄ كيف كانت الأغاني الوطنية مؤثرة في الحرب؟ الأغانى التى كتبها والدى "رحمه الله" كانت ترددها إذاعة الجيش وتلهم الجنود فى الخنادق، حتى أغنية "يامه القمر ع الباب" التى غنتها فايزة أحمد، كانت جريئة مقارنة بزمنها، وقد كتب عنها عباس العقاد أنها تحتوى على البلاغة التى تفوق مئات القصائد العربية، ودافع عنها بشدة لأنها لم تخدش الحياء رغم جرأتها الفنية، هذه الأغانى لم تكن مجرد كلمات، بل جزء من الروح المعنوية للجيش، تحفز على الصمود والتحدى، وتبقى حاضرة فى ذاكرة كل جندى. ◄ كيف ترى السينما في نقل صورة الحرب؟ للأسف، لم تُسجل الحرب كما تستحق، نحتاج مخرجين عالميين مثل ريدلى سكوت أو أوليفر ستون لتقديم فيلم ضخم يوضح البطولات، مع رجال أعمال قادرين على التمويل، حتى الآن الحرب لم تُروَ كما ينبغى، وغالبًا اقتصر التعامل معها على الاحتفاليات التقليدية والكلمات النمطية، وهناك قصص بطولات لم تُحكَ، معارك الدبابات، الجرأة والدهاء التكتيكى، وكذلك الجانب الإنسانى للجنود، كل هذا بحاجة إلى توثيق بصرى وفنى عالمى ليعرف العالم حجم الإنجاز المصرى. ◄ ماذا تقول لأجيال المستقبل ولشباب اليوم؟ أكتوبر لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل درس فى الإرادة والانتماء، تضحيات الشهداء والجنود هى سبب ما نتمتع به اليوم من حرية واستقرار، وحافظوا على روح أكتوبر، وتذكروا أن الدم والروح أغلى من أى سلاح، وأن الوطن لا يحيا إلا بتضحيات أبنائه.