سعر الريال السعودي اليوم مقابل الجنيه المصري في البنوك    500 مليون جنيه دعما.. برلماني يبشر بانخفاض أسعار السيارات خلال الفترة المقبلة    الاتحاد الأوروبي يتعهد بتقديم 68 مليون يورو إضافية لمساعدة غزة    جيش الاحتلال الإسرائيلي: قصف مبان في جنوب لبنان كان بها عناصر لحزب الله    إدارة بايدن تتراجع عن فرض عقوبات على كتائب إسرائيلية منها نتساح يهودا    وزير الرياضة يشهد افتتاح بطولة الأندية الإفريقية لسيدات الطائرة    كلوب: حل أزمة محمد صلاح سيجعلني الأغنى في العالم    بيراميدز يهزم الزمالك ويتوج بدوري الجمهورية 2009    الأرصاد الجوية : رياح ترابية وسحب رعدية وفرص لسقوط الأمطار    تامر حسنى يعتذر لبدرية طلبة.. ورد مفاجئ من الأخيرة    سيد رجب يلبي رغبة عروسين بالتصوير معهما في الإسكندرية    تراجع إيرادات الأفلام في شباك التذاكر وتحقق 3 ملايين جنيه أمس    «بيت السناري» يستضيف ندوة «المكون الثقافي والسياسات الخارجية المصرية»    طريقة عمل كرواسون الفسيخ بالأفوكادو في البيت.. استعدي لشم النسيم    أسبوع الآلام.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بختام الصوم الكبير 2024    45 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    بدء الفرز.. غلق باب التصويت بانتخابات التجديد النصفى لنقابة أطباء الأسنان    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    محافظ أسوان يوجه بمتابعة تطبيق المواعيد الصيفية للمحال التجارية    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    الإسكان: 20 ألف طلب لتقنين أراضى توسعات مدينة الشروق    مواعيد صرف منحة عيد العمال للعمالة غير المنتظمة    رئيس «كوب 28» يدعو لتعزيز التعاون الدولي لتنفيذ اتفاق الإمارات التاريخي    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    وكيل أوقاف دمياط يفتتح مسجد الفردوس في محافظة دمياط    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    المفتي: ثورة 30 يونيو كانت تحريرًا لأرض مصر من أفكار خاطئة (فيديو)    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    «الصحة»: فحص 434 ألف طفل ضمن «الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لحديثي الولادة»    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    أرتيتا: لاعبان يمثلان صداع لي.. ولا يمكننا السيطرة على مانشستر سيتي    رحلة فاطمة محمد علي من خشبة المسرح لنجومية السوشيال ميديا ب ثلاثي البهجة    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وفد جامعة المنصورة الجديدة يزور جامعة نوتنجهام ترنت بالمملكة المتحدة لتبادل الخبرات    التربية للطفولة المبكرة أسيوط تنظم مؤتمرها الدولي الخامس عن "الموهبة والإبداع والذكاء الأصطناعي"    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش ويستعد لمواجهة حامل اللقب "على فرج"| فيديو    المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: سببان لتسمية يوم الجمعة بهذا الاسم    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    «التعليم» تستعرض خطة مواجهة الكثافات الطلابية على مدار 10 سنوات    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    رحلة فنية قصيرة مازالت في القلوب .. ذكرى ميلاد هالة فؤاد    زيلينسكي يدعو إلى الاستثمار في صناعة الدفاع الأوكرانية    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل اتاك حديث الجنود: ملف خاص يكتبه جنود المعركة
من تحرير الأرض.. إلى تحرير النصر
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 10 - 2012

يقول المثل الأفريقى: «إلى أن يكون للأسود مؤرخوها.. ستظل حكايات الصيد تمجد الصيادين»، هكذا قالوا فى عمق القارة السمراء، فيما يترجم الغربيون المعنى إلى أن «التاريخ يكتبه المنتصرون»، وفى مصر ظل التاريخ ملكا حصريا لفرعون، ملكا للقوى، يحكى لك أن «خوفو» بنى الهرم الكبير، دون أن يخبرك من حمل الحجارة على ظهره؟، ولا من وضع الهيكل الهندسى لهذا البناء العظيم الذى يقاوم الزمن، لا يذكر لك من تاريخ قناة السويس سوى أسماء الخديوى إسماعيل وديليسبس، لا يكترث بمن حفر، ورفع على كتفيه التراب فيما السياط تلهب ظهره.

جينات السلطة واحدة أورثها فرعون إلى الإمبراطور، والإمبراطور إلى الخليفة، والخليفة إلى الوالى، والوالى إلى السلطان، والسلطان إلى الملك، والملك إلى الرئيس، كانت لوحات الشرف ومازالت على كل بناء على هذه الأرض، تمجد صاحب السلطة، تقول إن هذا البناء بنى فى عهده وبتوجيهه، لكنها لا تكترث بذكر من بناه.

لا تعرف من مد القضبان أسفل الأرض ليكون لديك «مترو» ينقلك بعيدا عن الزحام أعلى الشوارع، لكنك تعرف اسم الرئيس الذى تم المشروع فى عهده، ورئيس وزرائه، ووزير النقل، والمحافظ.

تأتى ذكرى نصر أكتوبر هذه العام فى وقت تحرر فيه معنى النصر من احتكارات السلطة، وبات واجبا إعادة صياغة تاريخ النصر بموضوعية وإنصاف، لا يهون من دور أحد بسبب حسابات السياسة، ولا يعظم من دور أحد بسبب ترهيب السلطة.

بقيت معجزة نصر أكتوبر فى «الفرد المقاتل» هو الذى واجه بشجاعته أحدث نظم التسليح فى العالم، هو المهندس الذى أعاد تأهيل وهيكلة السلاح القديم ليؤدى به مهمة مغايرة لتلك التى صنع من أجلها، هو نصر المشاة والمدرعات والمدفعية، نصر الصاعقة والدفاع الجوى والطيران والسلاح البحرى، نصر التخطيط والاستخبارات، نصر الشعب الذى ربط على بطنه الأحزمة ليوفر لجنوده ثمن الطلقة، نصر المصريين لا نفرق بين أحد منهم.

كان نصر أكتوبر نصر «مصر العفية»، نصر عبدالعاطى وعبدالمسيح، نصر الشهداء الذين روت دماؤهم الطاهرة الأرض الطيبة، منهم من رقد فى قلب الرمال «على رجاء القيامة»، ومنهم من استقبل «القبلة» مؤمنا أنه سيلحق بأولئك «الأحياء عند ربهم يرزقون».

كانت قذائف العدو مثل «دستور مثالى» لم تفرق بين المصريين بسبب اللون أو العقيدة، وحين نزفت دماؤهم على الرمال لم تميز الأرض الطيبة بينهم ولم تجد فرقا بين دم «صليب» ودم «هلال»، كلاهما كان له نفس اللون والطعم والرائحة.

اليوم نحتفى بالناس، نبدأ خطوة أولى فى تأريخ جديد للنصر، يكتبه كل من شارك فيه، دون تمييز بينهم بسبب الرتبة أو العقيدة أو الدور، ننقل ما كتبه جنود المعركة خصيصا ل«الشروق»، وما قاله الجنود الإسرائيليون عن المعارك، نحكى دون شعارات تزامن الصيام الإسلامى المسيحى وقت الحرب، وعن الكنيسة التى طلبت من أبنائها أن يفطروا ليواجهوا أعباء الحرب، وعن العم «مرقص» الذى رفض الإفطار فيما بقيت قطعة اللحم فى صحنه هدية لرفاق السلاح.

هذه حكايات العريف مرقص والرقيب حسب الله ورجل المقاومة الشعبية محمود خليفة، والفدائى عبدالمنعم، والأسير العائد من خلف خطوط العدو العريف عبدالرحمن، هذه قصص الضابط جلال عامر عن مصر التى كانت عفية وقوية ومؤهلة للحرب وجديرة بالانتصار، عن البشر الذين أخرجوا من الذاكرة لإفساح المجال لفرعون والذين معه.

هذا نصر أبى وأبيك، هذا وجع أمى وأمك، هذا دعاء مسجدى وكنيستك، هذا نصر مثل «الدعم» يحتاج أن يذهب لمستحقيه بعدالة بعد طول حرمان.


جندى/عيد زكى نجم سلاح المدفعية : تطهير النقطة 139 القوية

كنت جنديا فى سلاح المدفعية المضادة للدبابات محمولة على عربات برمائية وتلخصت المهمة الأساسية لنا فى تطهير النقطة القوية 139 بلسان كبريت من أفراد العدو الصهيونى وتسليمها لأفراد المشاة والصاعقة المصرية بعد رفع علم وطننا الحبيب عليها.

تمكنت وزملائى بالفوج والذى قارب عددهم ال700 جندى من تدمير عدد من دبابات العدو باستخدام الصواريخ التى كانت على أكتافهم وتم أسر 12 جنديا إسرائيليا من أفراد النقطة 139 القوية وقتل العشرات من جنودها عن طريق إطلاق النيران عليهم من خلال الاسلحة الآلية التى كانت معهم أيضا بالإضافة للصواريخ المضادة للدبابات.

قطعة لحم من صحن أخيكم مرقص
عريف/ مرقص كامل مرقص «ه. ع» رامى دبابة فئة 34 روسية كتيبة 337 «بب»
5 سنوات قضيتها فى الجيش من سنة 70 كانت ثرية ومليئة بذكريات لم تقو عشرات السنين على محوها، وأتذكرها كلها وكأنها كانت بالأمس، فأنا عريف مؤهلات عليا لأنى لم أكن متطوعا كنت «رامى دبابة» فئة 34 روسية بالكتيبة «337 بب» حينها كان بصرى أقوى من 6 على 6 ورغم صغر حجمى إلا أنى كنت مشهورا بقوة بصيرتى وقدرتى على التصويب وعدم اخطائى أى هدف، ولكن بمرور الزمن أصبحت النظارة الطبية لا غنى عنها.

«مصر عايزه رجالة.. مصر بتنادى على اولادها» من أبرز الكلمات التى أتذكرها كلما تحين ذكرى حرب 73، حيث سمعناها يوم 5 أكتوبر 73 فى تمام الساعة الثانية عشرة مساء من قائد الكتيبة عندما تم «طلب تمام» من سريتنا الرابضة فى البحر الأحمر، عندها تأكدنا أن ما يحدث الآن هو تعبئة معنوية لأن الحرب وشيكة واللحظة التى طالما حلمنا بها وانتظرناها قد حانت، ومن أجلها احتملنا سنوات الجيش الطويلة.

بالرغم من قسوة الأيام داخل معسكرات الجيش إلا أنها لم تخل من اللحظات التى نقشت فى وجدان جيل بأكمله حب الوطن والوحدة، فلم يهن عذاب «الأكلة السودة» سوى النكات التى كنا نتبادلها كلما أكلناها، وهى عبارة عن باذنجان أسود مسلوق جعل من فكرة «المسقعة» فيما بعد لجيل أكلة غير محببة.

ولا يمكن نسيان أيام الصيام الكبير والصغير حيث سمحت الكنيسة للجنود بتناول اللحم فى الصيام طوال سنوات الحرب ولكن الذين يرغبون فى الصيام مسموح لهم بتناول الطعام المطبوخ على اللحم دون أكله، فكان السباق بين الأشقاء المسلمين للحصول على تلك الجرامات القليلة من اللحم من أكثر المواقف طرافة حيث يتبارى الجميع فى كيفية استقطاب مرقص المسيحى، والمساومات التى كانت عادة تسفر عن سجائر اضافية، كما كان شهر رمضان يأتى علينا لنصومه جميعا دون أن يفكر أحد، فهو الشهر الكريم الذى حققنا فيما بعد الانتصار فيه.

لا يمكن أن أنسى رفيقى طوال 5 سنوات الرقيب ه. ع الشهيد عبدالله رزق أبوسعده الشيخ الأزهرى الذى طالما حدثنا عن الله ونصرته لنا إذا ما أردنا نحن ذلك بقوة، وكانت دعواته وخطاباته الحماسية تلهمنا الصبر، كما لن أنسى الشهيد أحمد عبد المقصود عبد الواحد «مناطح البغال» كما كنا نطلق عليه بالرغم من أنه خريج تجارة إلا أنه كان عاشقا للفلسفة وكان مثقفا سياسيا ولا يمكن لأحد أن ينافسه فى الفكر أو النقاش أيا كانت رتبته، وكانت الليالى السياسية تلهب حماسنا والفضل له.

لكن الآن كم أشعر بالحزن فهؤلاء كانوا الأبطال الحقيقيين للحرب ولكن لم يحظ أى منهم سوى بقبر ومن لم يحظ به أصبح النصب التذكارى للجندى المجهول تكريمه الوحيد، ومن عاش مثلنا لم يحصل سوى على ورقة تثبت أننا خدمنا بشرف فى الجيش، بينما تقلد الجنرالات الذين لا نقلل من دورهم ولكنهم لم يكونوا إن لم نكن نحن على أرض المعركة على الأوسمة، وحصل أولادهم على الأمجاد والامتيازات بينما نحن خرجنا من سنوات الجيش نبحث عن عمل كريم يكفى لتربية أولاد تربية صالحة تليق بأولاد أبطال اكتوبر.

حرب أكتوبر وذكرياتى بالجيش طالما سردتها لأولادى وأتمنى أن ينقلوها بدورهم لأولادهم، ولكن تلك السطور كتبتها لهؤلاء الذين لم يذكر لهم التاريخ سوى انهم كانوا رقم آخر داخل الجيش المصرى مثل أجدادنا الذين حفروا قناة السويس بالسخرة بينما كرم التاريخ ديلسيبس، إلى أرواح أصدقائى الذين فقدتهم فى الحرب ولم يذكرهم التاريخ ولم أستدل على قبر لهم أهدى تلك السطور.


وصية على ورق كرتون تُحيى ذكرى النصر كل عام
قائد فصيلة /مصطفى عزالدين العايدى
الكتيبة 334 اللواء 112 «لواء النصر» الجيش الثانى الميدانى

يحكى الجميع عن عبور القناة يوم 6 أكتوبر ولكن شاء القدر أن أكون جنديا من قرية سرابيوم بالإسماعيلية، ضمن من عبروا فى الموجة الأولى، رغم أن فى هذا اليوم لم نكن على علم يقينى بساعة العبور، حيث عبرت الطائرات المصرية من فوقنا وكنا نشعر بأن شيئا هاما سوف يحدث، وهى لحظة العبور التى كنا ننتظرها، وشعرنا فى هذا اليوم أن الأمر أصبح حقيقة، حيث تدربنا قبلها من خلال مشاريع قتالية على اقتحام موانع مائية أشبه بقناة السويس، وكنا نخفى القوارب المطاطية تحت الأشجار.

أحمل الذكريات أينما ذهب لكنى أحمل أيضا أول ما كتبته عقب العبور وهى قطعة من كرتونة مكتوب عليها «الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. عبرنا وسننتصر بإذن الله»، واسمى وعنوانى، لأنها كانت اول فكرة طرأت لى عندما وطأت قدمى الضفة الشرقية للقناة، وقتها فكرت فى كتابة وصيتى، وكنت أحمل قلما وليس معى ورقة، وقبل مرور اليوم وجدت جزءا من كرتونة مدفونة فى الرمل، فأخرجتها برفق، وانتقيت جزءا منها وكتبت هذه الجملة وعندما أقرأها الآن، أندهش فأنا لم أكتب وصية كما كنت أظن، وكل ما كتبته كان دعاء لله عز وجل، كما أحتفظ بخوذة لجندى اسرائيلى من بين المقتنيات التى أعتز بها.

شاهدنا مئات الاصدقاء يسقطون شهداء ومصابين لكن منظر أول شهيد فى الفصيلة الشهيد احمد نصر، الذى تم دهسه بإحدى الدبابات الإسرائيلية لا يمكن نسيانه، أحمد كان سمينا بعض الشىء، والحفرة البرميلية لم تكن بالمستوى التى تتناسب معه، كنا قبلها قد استلمنا التعيين «وجبة الغداء» وكنا جميعا صائمين لأننا كنا فى رمضان، وتسلم وجبته وانتحى جانبا، ولم يتناول أى شىء وظل صامتا على غير العادة لأنه كان مرحا جدا، ولما نبهناه لتناول إفطاره لم يعلق، ثم استشهد فى مساء اليوم التالى حيث كانت الدبابات الإسرائيلية تهاجمنا ليلا ورأيت دهسه بعينى.

أما المشهد الثانى الذى لم أنسه فكان بطله الجندى سعيد ريشته، فبعد قرار وقف إطلاق النار، لم يلتزم الجنود الإسرائيليون بوقف إطلاق النار فى النقاط المتقدمة المواجهة لنا فى نقط المراقبة، فكانوا يستخدمون القناصة لضرب جنودنا، فقرر سعيد ريشته عدم الالتزام بوقف إطلاق النار طالما استمر الإسرائيليون بانتهاك القرار، وكان يجيد إطلاق النار، فكان يرد عليهم بعد أن يجرى استطلاعا باستخدام جهاز تليسكوب معلقا فى رقبته بشكل دائم، ويقوم بالرد منبها علينا بعدم الظهور الكامل أمام نقاط المراقبة لأن الإسرائيليين ليس لهم عهد ولا أمان، وكان يستغل نقاط المراقبة المغطاة بنوع من الصاج، يبدو لامعا عندما تشرق الشمس عليه، وعندما كان يسأل قائد الكتيبة عن مصدر إطلاق النار كان يرد «من عندهم يا فندم» وكان لا يخشى على نفسه من الموت أبدا، وكنا نسميه سعيد الجرىء.

مازلت أذكر كل من كانوا معى، وعلى رأسهم العميد عادل يسرى صاحب رحلة الساق الطائرة وقائد السرية الأولى نبيل عزمى، والملازم أول أحمد الفولى قائد كتيبتى، وكل من كانوا معى وهذه رسالة موجهة لهم، بالتواصل، من كان منهم حيا فليمد الله فى أعمارهم.


منصور حسانين مزارع من كسفريت/ مقاوم فى الثغرة : يسألونك عن «گسفريت»

لم يكن يوم 16 أكتوبر يوما عاديا، فهذا اليوم سيظل محفورا فى ذاكرتى حتى الموت، قامت يومها القوات الاسرائيلية بردم مساحات كبيرة من البحر وعبرت لمحاصرة القوات المصرية، فيما عرف باسم «الثغرة».

كانت بلدتى كسفريت مركز فايد الواقعة على بعد 140 كم من القاهرة إحدى القرى المصرية المحاصرة خلال الثغرة، وقتها كان عندى 19 عاما، واعمل مزارعا فى حقول البلح، ولم ألتحق بعد بالخدمة العسكرية، داهمنى الطيران الإسرائيلى وأنا أجمع المحصول فوق النخل، فقد تزامنت الثغرة مع موسم الحصاد!

شاركت أسرتى من بداية الثغرة فى عمليات الدفاع المدنى، عمى المرحوم إبراهيم ميهوب كان قد شارك من قبل فى حرب 56 وحوصر فى سيناء، ونظرا لخبرته فى المعارك تولى هو إدارة المقاومة، فالفلاحون لم يكن لديهم دراية بهذه الأمور، وقمنا بدفن شهداء المعركة من الجنود فى مقابر القرية، أما من بقوا على قيد الحياة، فقد عملنا على إيوائهم فى بيوتنا وأعطيناهم جلاليب فلاحى بديلة عن الزى الكاكى ليتخفوا وسطنا.

لا أنسى كيف كنا نقوم بتخشين أيدى هؤلاء الجنود حتى يبدوا كمزارعين لأن أيادينا تخشوشن عادة من العمل فى الحقول، مررنا بأيام صعبة لكن لم نتعرض لنقص فى المؤن لأننا قمنا بتشوين المحاصيل التى حصدناها مثل البرتقال والفول السودانى فى منازلنا، فضلا عن أن الجمعيات الاستهلاكية كانت مليئة بالمواد الغذائية التى استولى عليها الاسرائيليون فيما بعد كغنائم حرب.

إطلاق النار المستمر من حولنا والغارات التى تشن فوق رءوسنا جعلتنا نتأرجح بين رغبة عارمة فى الحياة والتمسك الشديد بالأرض، وعندما أطلق الحاكم الإسرائيلى سراح القرية بعد أقل من شهر تقريبا من الثغرة، فى يوم 11 نوفمبر، رفضت أن أرحل عن أرضى وأترك محصولى، لذا وقعت فى الأسر لمدة يوم وأجبرتنى قوات العدو على العمل لشحن أسلاب المعركة إلى قواعدها، فكنت أحمل شوالا يحوى 100 كجم وأتعمد أن أسكب جزءا كبيرا منه على الأرض، حتى لا يهنئوا بخير بلدنا.

كما قمنا بإطلاق البهائم فى المزارع حتى تختفى فى الحقول ولا يستولوا عليها، خاصة وأنهم كانوا يأخذون السمين منها، والغريب أننا عندما عدنا وجدنا مزارعنا وبهائمنا بخير ولم نفقد سوى رأسين فقط، بسبب شدة العطش.


لا تكريم كشرف المشاركة فى العبور

رقيب مجند/ طلعت محمد عامرالكتيبة الثالثة مشاة

كنت أتمتع ببنية رياضية لذلك تم تحويلى إلى الاتحاد الرياضى فور تجنيدى عام 1966 وبقيت هناك حتى وقوع نكسة حرب 1967، بعدها أخذونا للكتائب لتلقى التدريبات العسكرية، حيث ذهبنا فى البداية لمكان اسمه نفيشا فى الإسماعيلية وبقيت هناك، وكنت فى سلاح المشاة عادة وبعدها تحولت لمشاة ميكانيكا، وترقيت إلى وصلت لرتبة شاويش فصيلة.

لا يمكن أن أنسى التدريات التى تلقيناها خلال 14 شهرا، حيث تعلمنا كيفية العبور، 7 أشهر فى بحيرة قارون بالفيوم، وسبعة شهور أخرى فى الخطاطبة بمحافظة الجيزة، كل هذا خلال فترة التخطيط للحرب التى بدأت بعد النكسة بشهور قليل.

يوم 6 أكتوبر كان مثل أى يوم فى الجيش ولم نكن نعرف بشىء حتى الساعة 12 ظهرا، حتى أنهم أخرجونا فى أول يوليو، وقالوا لنا مبروك أنتم خارجين بالرغم من تأكيدهم لنا أكثر من مرة بأنه لا خروج لأجل غير مسمى، وبعدها عدنا ثانية فى أول سبتمبر، وكان هذا من ضمن عملية التمويه التى كانوا يقومون بها.

كان مفترضا أن نعبر الساعة 2، ثم قيل لنا أن ننتظر عبور المراكب أولا، ثم عبرنا نحن بالدبابات البرمائية الساعة الثانية والنصف، ووجدنا لدى وصولنا المهندسين مهدوا الطريق لنا، حيث دخلنا من عند جبل مريم، وحتى صباح اليوم التالى لم يحدث شىء لحين طلوع أول ضوء عندما هجمت علينا سارية دبابات إسرائيلية، وكانت كتيبتنا رأس حاربة للجيش الثانى كله.

دخلت الجيش عام 66 وعمرى أقل من 30 سنة وخرجت 1974، وبدأت من العدم حتى أصبحت قائد دبابة، وهو شرف أفخر به حتى وأن لم أنل تكريما عليه.



محمد محمود خليفة قائد مجموعات المقاومة الشعبية بمدن القناة : ثمانون عامًا وذاكرة لأيام المقاومة والفداء

لن أكتب ولكنى راوٍ ماهر من يريد أن يعرف حكايتى لا يمكن أن يخطئنى لأن شوارع الاسماعيلية تعرفنى جيدا المسن البالغ من العمر اكثر من ثمانين عاما الذى يسير فى الشوارع مرتديا بذلته العسكرية المعهودة ونياشينه كلها معلقة على صدره، «أنا حديد» جملتى المفضلة التى تصف حالتى وحالة ذاكرتى الجيدة حيث لاتزال تسرد أحداث المعارك الحربية دون نسيان أدق التفاصيل، ولذلك أحمل ميكروفونا يدويا أروى فيه لكل من يريد أن يعرف أمجاد الأبطال الحقيقيين لحرب أكتوبر ولم يذكرهم التاريخ.

أنا «شزام» شيخ الفدائيين فى الإسماعيلية شاركت فى جميع الحروب التى خاضتها مصر ضد الاحتلال بداية من حرب 48 وحتى حرب أكتوبر المجيدة، «شزام» ليس اسمى الحقيقى وانما أطلقه عليَّ أحد الضباط الإنجليز وتعنى الطير الجارح، وذلك بعدما فاجأتهم بإحدى عملياتى حيث استخدمت مجموعة أغنام كوسيلة لإعاقة مرور عدة سيارات تابعة للقوات الإنجليزية وانقضت عليهم بشكل سريع من أعلى احدى الأشجار فور توقف السيارات فبدوت لهم كالطائر وتمكنت من قتل الجنود دون أن يستطيع أحد اللحاق بى.

جئت للإسماعيلية مع أسرتى عام 1936 وكان عمرى 8 أعوام وعايشت أحداثا متعددة من تعدى الانجليز على المواطنين وشكلت بداخلى غضبا وحزنا ظل ملازما لى حتى انضممت للمقاومة الشعبية فى سن ال17، بعدما شاهدت واقعة لم أتمالك نفسى أمامها، كنت أتجول فى حى الأفرنج ورأيت جنديا انجليزيا يحاول الاعتداء بالقوة على سيدة كانت تسير بصحبة زوجها ويضربانه حتى يترك زوجته، فخطفت البندقية من الجندى وضربته حتى تمكنت السيدة وزوجها من الفرار، وقتها قررت أن أنضم للمقاومة الشعبية وأشارك فى جميع الحروب وأقسمت ألا أتزوج حتى تتحرر مصر من احتلال الأعداء.

أجمل ما فى العمليات الفدائية انها احتاجت للتنكر فى أكثر من شخصية وزى وهو ما برعت فيه، فارتديت فى إحدى المرات ملابس بائع على عربة برتقال وأخفيت بداخلها قنبلة يدوية وتوقفت على كوبرى سالا حيث يتجمع الجنود الانجليز وابتعدت عن المكان بالاتفاق مع احد الأشخاص الذى تظاهر بالحديث معى حتى انفجرت القنبلة ولقى جميع الجنود مصرعهم.

كنت الفدائى الوحيد الذى شارك فى حرب أكتوبر ومساء أول يوم من الحرب تركز قصف المدفعية الاسرائيلية عند منطقتى الفردان والقنطرة شرق، فقرر أحد قادة فرق المشاة تدمير مدفعية العدو بالتسلل عبر القناة وإشعالها بالبنزين، فتسللت زحفا على تبة مرتفعة حتى وصلت إلى موقع العدو وأشعلته باستخدام البنزين وشعرت بسعادة غامرة قضت على الخوف بداخلى.

تعرضت كثيرا للطلقات النارية ولكن حماية الله كانت تحيطنى من أى مكروه، والتحقت للعمل بهيئة قناة السويس بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر، وكنت على عهدى لمصر وهبت عمرى لحريتها لذلك تزوجت فى عمر الستين وأنجبت ولدا «عبدالله» وفتاة «هاجر»، وحصلت على عدة شهادات تقدير والعديد من الأوسمة والنياشين.

سوف أحمل قصتى وعلم مصر وأجوب شوارع الاسماعيلية أحكى لمن لم ير ولم يعرف حرب أكتوبر إلى أن أواجه الموت وجها لوجه الذى طالما طاردنى فى شبابى ولم ينل منى.


رقيب مجند/ محمد شرابى قطاع بورسعيد : صد الهجوم من «ثغرة» ديليسبس

شاركت فى التصدى لعملية إنزال لمجموعة من الضفادع البشرية للعدو الإسرائيلى تم انزالها بمنطقة بجوار لسان تمثال ديليسبس وذلك بهدف تنفيذ عملية تفجير الحوض العائم والقيام بعملية تخريب شاملة وتدمير لترسانة بورسعيد البحرية بمدينة بورفؤاد، وبعض القطع البحرية الحربية بميناء بورسعيد وقامت قوات الصاعقة والمشاه البحرية بإجهاض وإحباط هذه المحاولة بالقاء قنابل أعماق بعد إن تم اكتشاف تسلل عناصر العدو مما أدى إلى قتل عنصرين وأسر 10 أفراد منهم.

وأتذكر بفخر قوات الدفاع الجوى بقطاع بورسعيد بقيادة العميد اركان حرب مصطفى الشاذلى قامت بدور عظيم لابد من سرد تفاصيله حيث قامت بإسقاط وتدمير 52 بالمائة من إجمالى ما أسقط من طائرات العدو خلال حرب أكتوبر.


ملازم/ سيد الصدفى الكتيبة 260 مشاة الملحقة من اللواء 14 مدرع الجيش الثانى الميدانى : ابنى يخلد اسم من ضحى بحياته لأجلى

مقتل جندى فى أثناء تصدية لرصاص كان موجه لصدرى، أهم ذكرى تركتها حرب أكتوبر فى نفسى وكلما تذكرتها أبكى كما بكيته حينها، وهو ما جعلنى أصر على تسمية نجلى أحمد على اسم الجندى الشجاع الذى ضحى بحياته من أجلى وذلك تخليدا لذكراه.

على الرغم من أنى لم أكن جديدا فى العمل العسكرى، حيث تخرجت فى الكلية الحربية دفعة مشاة مارس 1971 والتحقت باللواء 14 مدرع التابع للجيش الثانى الميدانى بمنطقة الإسماعيلية، فإن رؤية الجندى لزملائه وهم يستشهدون ويصابون إصابات بالغة صعب ومؤلم، والأكثر إيلاما هو موت هؤلاء دون أن يرى أهله وأصدقائه بالشهور، حيث يرحل تاركا لهم ذكرى، وهى الأفكار التى لاحقتنى عند رؤيتى انفجار 4 دبابات بينما نجوت انا من الموت بأعجوبة.

لا يمكن نسيان يوم 5 أكتوبر الساعة 12 مساء أى قبل بدء الحرب ب48 ساعة كنت برتبة ملازم حين جاءت تعليمات من قيادة الجيش بالدفع بفصائل من الكتيبة 260 مشاة الملحقة من اللواء 14 مدرع وكنت ضمن فريق الكتيبة لحماية الكبارى من العمليات التخريبية، وتم صد هجوم مضاد بمعاونة الفرقة الثانية بقيادة اللواء حسن أبوسعدة وتم خلال الهجوم المضاد اسر العقيد عساف باجورى قائد اللواء 190 مدرع من القوات الاسرائيلية».

تركت حرب اكتوبر وسنوات الجيش ذكريات عديدة كما تركت اصابتين فى جسدى الاولى فى ظهرى حيث أصبت يوم 9 اكتوبر وتم نقلى إلى المستشفى بالاسماعيلية وبعد تلقى العلاج رفضت قرار الاطباء بإخلائى من المعركة وقررت العودة إلى ميدان القتال مرة اخرى يوم 14 من اكتوبر وبعده بيومين اصبت بإصابة فى قدمى تسببت فى عجز اكثر من 60%.

كلما جاء يوم السادس من اكتوبر أحتفل وسط ابناى ضابطى الشرطة محمد وأحمد وزوجتى التى تحملت عناء وتعب الغربة والابتعاد، بالنصر الذى أفتخر أنى كنت جزءا منه، خاصة أن نجمة سيناء من الطبقة الأولى التى حصلت عليها مازالت بالبريق ذاته الذى كلما نظرت اليها اتذكر كل من ضحوا بحياتهم من أصدقائى حتى لو لم يذكرهم التاريخ.


عريف /عبدالرحمن محمد عبدالرحمن قادوس العمليات الخاصة: 10 جنيهات وعلبة بسكويت تعويض الأسرى


بكيت عندما رأيت اهتمام إسرائيل بشاليط واستقبالها له، وأنا من سنوات لم يسمع احد لى أو يمد لى يد المساعدة ووصل بى الأمر إلى أنى طلبت من رئيس الوزراء رخصة تسول بعد ما أنفقت كل فلوسى على علاج العديد من الأمراض التى توطنت فى جسدى عقب الحرب، منها تليف الكبد، والسرطان، والفشل الكلوى، واستئصال الطحال، حيث عانينا شهورا من العذاب والاهانة فى سجن «عتليد» الاسرائيلى وتم حقننا بفيروس «سى»، قبل أن يتم مبادلتنا عن طريق الصليب الاحمر.

أتذكر حرب أكتوبر واتحسر على ما وصل به حالى، فنحن الأسرى الذى تم مبادلتنا واستقبلتنا السيدة جيهان السادات وأعطت كل جندى مبلغ 10 جنيهات وهدية عبارة عن علب البسكويت وشيكولاتة إنتاج ايكا واجتمع بنا رئيس الأركان للسماح لنا بالعودة إلى الخدمة العسكرية مرة ثانية.

عشت فى الجيش منذ عام 1970 وحضرت حرب الاستنزاف فى جنوب البحيرات بالسويس حتى العبور 73، واصبح فيما بعد ذلك عملى فى مجال العمليات الخاصة فى اسرائيل منذ عام 75 وحتى 77، ومهمتى وقت الحرب تأمين قَطع الإمدادات عن الجيش الإسرائيلى، لمنع طيران العدو المتواجد فى مطار المليز من الخروج وضرب الجيش المصرى.

انهيت الخدمة فى 1/7/1975 ولكن للأسف الشديد لم يتم تكريمى ولا وظيفة بل حصلت على شهادة اسر وشهادة الخدمة العسكرية وبيان خدمة، ولم أطلب عملا أو علاجا من الدولة لكن كافحت وعملت فى عدة مشروعات كانت تدر على دخلا حتى منيت بحريق هائل فى بضاعة قدرت بأكثر من 200 ألف جنيه وبعدها بدأت أعراض الفيرس تظهر على بشدة، ولدى بنت اعولها.

عندما اشتد على المرض حاولت اللجوء للدولة للمرة الأولى وحتى الآن لا أجد علاجا، وهناك مطالب كثيرة من علاج ومصاريف أسرتى، وسؤالى: هل كل ذلك يليق ببطل من أبطال حرب أكتوبر.



ملازم أول عبدالمنعم المشاط قائد فصيلة الصواريخ المضادة للدبابات العبور..هدية عيد ميلاد خطيبتى

يظن البعض أن الحديث عن المشاركة فى حرب أكتوبر وإنجاز بطولات يشوبه المبالغة، ولكن الحقيقة أن كثيرا من البطولات مازالت مخفية، لكن يشرفنى بشهادة من حولى وقياداتى أنى كنت إحدى مفاجآت المعركة فى القطاع الأوسط، ورمانة ميزان بها، حيث مشاركتى فى أكبر معركة لدبابات فى التاريخ.

بالرغم كل الدراسات المحبطة التى سبقت المعركة التى كانت تدعى أن 70 % من الموجة الأولى من القوات المسلحة سوف تحترق بمجرد عبورها القناة ولكن ثبت أننا عظماء وبأثار وطنى موحد تحركت القوات المسلحة وقدمت ملحمة عسكرية عظيمة، وقامت كتيبتى بالعبور فى ساعة الثانية وثلث أى بعد ثلث ساعة فقط من الضربة الجوية الأولة واجتزنا بنجاح وشجاعة فائقة واستمرنا فى قلب المعركة حتى اليوم السادس عشر من أكتوبر.

أثناء توقف ضربات الطيران المستمرة كنت امسك قلمى واسرد الأحداث فى مذكراتى التى كنت أروى فيها تفصيل المعركة وصمود الأبطال وبعد ذلك تم نشر هذه الصفحات تحت عنوان «رسائل المقاتلين من الجبهة» فى مجلة الطليعة التى أشرت فيها إلى البطولات الفردية للجنود البواسل مثل طلعت برغوت الجندى الذى دمر بمفرده 13 دبابة وكان صائدا لكل دبابة تخطو أرض المعركة، هذا بالإضافة أيضا إلى محمد عبدالعاطى الذى دمر 24 دبابة ولكنه لم يكن معى فى نفس الكتيبة.

كما اذكر الجندى المصرى القبطى الشجاع الذى اصيب بشدة اثناء المعركة ولكنه رفض مغادرة الميدان واستمر فى موقعه إلى أن أعلن عن وقف إطلاق النيران، كما أننى لا يمكننى أن أنسى الجنود الصيام فى رمضان وقتها ورفضهم ترك مواقعهم حتى مع شدة ضراوة المعركة.

من أكثر ذكرياتى الشخصية التى لا لمست قلبى هى تذكرى يوم ميلاد خطيبتى الذى وافق يوم المعركة وكنت أتمنى ان أكون معها فى هذه اللحظه، فقررت أن أرسل لها جوابا يطمئنها ويهنأها ويأكد لها انى عائد ولكن لم يصل هذا الجواب ابدا نظرا لصعوبة نقل المعلومات وخطورة الاحداث آنذاك، ولكنى رجعت واصبحنا نتذكر هذه اللحظات سويا.


الفدائى/ عبدالمنعم قناوى منظمة سيناء العربية : «صقر السويس» من قيادة المقاومة إلى قيادة «الميكروباص»

لم تكن حرب أكتوبر عادية خاصة على أبناء مدن القناة فنحن شاركنا كل بطريقته وكان الفدائيون أبرز ما يميز منطقتنا حيث تطوعت فى منظمة سيناء العربية تم اختيار المتطوعين بها بعناية والتى ظل التدريب فيها متواصلا على العمليات الفدائية حتى تمت تصفية المتقدمين من 150 شخصا إلى 40 فدائيا نتيجة التدريب الشاق، وقمنا بتنفيذ عمليات نهارية على أهداف متحركة أولها سنة 1969 أثناء حرب الاستنزاف ورفع وقتها العلم المصرى لأول مرة فوق سيناء.

«صقر السويس» هكذا كانوا يلقبوننى وذلك بعد ما شاركت فى إنقاذ مقر قيادة الجيش الثالث من كارثة تدميره بعد حادث ثغرة الدفرسوار، حيث رشحنى البطل محمود عواد قائد مجموعة منظمة سيناء للقيام بالمهمة عقب طلب المقدم فتحى عباس قائد المخابرات العسكرية أن يرشح له احد أفراد المجموعة للقيام بمهمة فدائية سرية خاصة داخل سيناء بدون سلاح.

المهمة كانت استطلاع تحركات العدو بدقة، وعلى الفور قمت بحمل معداتى وآلة التصوير وجهاز اللاسلكى الذى كنت استخدمه لبث الرسائل بعد سماع النداء المتفق عليه من إذاعة صوت العرب عقب كل نشرة، وخرجت بصحبة دليل أعرابى يساعدنى فى جمع معلومات عن مدينة السويس وداخل دروب جبل عتاقة تمكنا من اكتشاف موقع إسرائيلى سرى يوجد به أربعة جنود يرصدون مقر الجيش الثالث، وقمت بتصوير الموقع وقدمت الأفلام للقيادة فى مقر الجيش الثالث.

بمجرد دخولى قابلنى اللواء المرحوم عبدالمنعم واصل وقرر على الفور نقل مقر قيادة الجيش الثالث إلى موقع آخر وبالفعل قام الإسرائيليون بشن هجوم كثيف على الموقع بعد مغادرته، وبالرغم من دورى الذى اعتبره الجميع وقتها بطولة وكفاحا تخيلت أن عقب الحرب سيكون لأمثالنا حق التكريم، لكننى فوجئت أن الكفاح مازال مستمرا حتى يومنا هذا بالرغم من تخطى عمرى الخامسة والستين ولكن الكفاح أخذ شكلا مختلفا فبعد سنوات التضحية اعمل كسائق لسيارة ميكروباص اقوم بتوصيل الطلبة إلى مدارسهم، واستغل هذا الوقت فى سرد بطولات ابائهم وأجدادهم الذين نجحوا فى تحرير بلادهم، ولم ينصفهم التاريخ.

ما يحزننى هو تجاهل الدولة لنا حتى فى أبسط احتياجاتنا فلم تتوقف أزمات حياتى فأصيب نجلى فى تفجيرات طابا أثناء عمله وفقد إحدى قدميه، ولم نجد حتى الرعاية، ولكن نحن الفدائيىن أبناء السويس لم تلهبنا قنابل العدو لنشكو الآن لبنى آدمين.. فلنا الله.. دائما كبير.



عريف محمد أحمد على سلاح المدفعية : هزمنا إسرائيل لنعيش فى رعب من ذئاب الجبل

أعيش فى كوابيس للمشاهد الأليمة التى رأيتها مع فرقتى التى استشهدت جميعها ولم يبق منها سواى أعيش عاجزا فاقدا لقدمى، وعلى الرغم من ذلك كم تمنينا يوم الانتقام، حيث كنا نرى الجنود الاسرائيليين يستحمون فى القناة ولا نستطيع إطلاق النار عليهم، فلم يكن الجندى المصرى يستطيع رفع رأسه قبل حرب 73، حتى جاءت ساعة الحسم والكل لم يتوقع ذلك.

لم يكن أحد يعلم بتحديد يوم 6 أكتوبر للحرب ولكننا تأكدنا أننا سوف نحارب عندما فوجئنا بانقطاع الاتصال بنا فى مدن القناة جميعا وحركات تهجير للأهالى، وجاء لنا أمر بالانتشار فى المدن وكل واحد يحمى نفسه، وبعد ذلك تجمعنا وكان قائدنا فى سلاح المدرعات ضابطا، من أبناء محافظة المنيا، وأقول بكل فخر هذه الحرب كانت حرب دبابات شرسة.

لا يمكن أن أنسى يوم جاء لنا أمر مع الفجر بتدمير نقطة عدو اسرائيلى على مدخل مدينة الإسماعيلية، وخرجنا 8 جنود ورصدنا طيران العدو فأطلقت علينا النيران واثناء ركودنا على الأرض فوجئت برأس زميلى تطير امامى من شظايا النيران ثم قدمى زميلى الآخر والذى سرعان ما نسفته النيران، ولم يبقى من هذه الفرقة سواى لأعود فاقدا قدمى اليمنى، وينتشلنى أبناء الإسماعيلية الباسلون.

غبت عن الوعى لمدة شهر وبعد أن عاد إلىَّ وعى وعرفت مكانى لم استطع الاتصال بأهلى سوى بعد خمسة أشهر، وتم نقلى من وحدة إسعاف الإسماعيلية والتى كان الاهالى قد حولوها إلى مستشفى ميدانى حيث تم تحويل عدد من المبانى العامة إلى مستشفيات ميدانية لسرعة اسعاف المصابين من الجنود المسرحين مثلى ومن أبطال المقاومة الشعبية.

دخلت التجنيد الإجبارى حيث إن لى من الأشقاء اثنين، وتم إلحاقى بسلاح المدفعية واستمريت بالخدمة لمدة 7 سنوات وكان من يلتحق بخدمة الجيش لا يخرج منه ولا تسريح للجنود، بدأت مقاتلا لينتهى بى الحال إلى خفير بمصنع حجر جيرى بقرية جبل الطير البحرية بعد أن فقدت إحدى قدماى فى حرب الكرامة، حاربت الاسرائيليين وهزمتهم، ولكن أعانى ويلات الجبل الذى تملأه الذئاب البشرية التى يأكل بعضها بعضا، ولم نأخذ من حرب أكتوبر إلا الذكرى فلم نكرم، ولم يذكرنا أحد.


جندى / إبراهيم السكرى سلاح المدفعية قناص مدرعات : أول عبور شرق القناة

التحقت بالقوات المسلحة سنة 1969 وانضممت لسلاح المدفعية، وكانت مصر فى هذه الفتره تعانى من قوة السلاح الجوى الإسرائيلى وتحركه فى المحيط الجوى المصرى دون أى ردع بسبب ضعف سلاح المدفعية.

فى يوم السادس من أكتوبر تم إعلام قوات المدفعية بضرورة توجهم إلى الضفة الغربية من القناة لصد أى هجوم من الدبابات، وبدأت الاشتباكات سريعا ونجحنا فى اصطياد 3 دبابات فى الدقائق الأولى، وعندما انسحب العدو على الفور طلب من من الفرقة التوجه لمنطقة كبريت والسيطرة عليها نظرا لانها منطقة حيوية وبالفعل توجهنا إلى هناك ودارت معركة دامية بين الطرفين وضربنا فى ذلك اليوم أكثر من 10 دبابات وفى ظل بسالة الفرقة ومن معه انسحبت القوات الإسرائيلية.


جندى شهيد / نور الدين الملا : أول جندى يرفع العلم فى سيناء

المصدر «إصدارات وزارة الحربية»

هو البطل نور الدين الملا، ظهرت شجاعته فى حرب الاستنزاف، ويذكر له انه فى إحدى المرات التدريبية أثناء سيرهم بإحدى القوارب سأله قائده سؤالا مباغتا ليرى رد فعله، فقال له ماذا يحدث إذا أصيب القارب الآن فلم يرد نور الدين بطريقة شفوية تقليدية إنما قفز من القارب بكامل ملابسه وسبح إلى الضفة الأخرى ورفع سلاحه لينظر قائده له فى ذهول وعلى وجهه تظهر ابتسامة الطمأنينة. فى يوم السادس من أكتوبر بدأت فرقته تجهز نفسها، بدأوا بالعبور، أخذ فريقه وسبق كل من حوله ووصل قبلهم وقطع السلوك الشائكة ثم أنزل السارية التى تحمل العلم الإسرائيلى ورفع العلم المصرى لأول مرة منذ 6 سنوات محققا حلمه القديم ليصبح أول جندى يرفع علم مصر على أرض سيناء الطاهرة.


ملازم / نظامى سالم وحدة الدفاع الجوى بأسوان : الدفاع الجوى.. كلمة السر

فور تخرجى فى الكلية الحربية عام 72 التحقت بسلاح الدفاع الجوى بأسوان وكنت وقتها برتبة ملازم وأثناء الحرب كانت كتيبة لواء دفاع جوى مكونة من 8 كتائب صواريخ و2 مدفعية ولآدار ولواء رادار وذلك لحماية السد العالى ومصنع كيما والمطار والخزان ومنع أى اختراق لطيران العدو.

سلاح الدفاع الجوى لم يكن موجودا بهذا الشكل الموجود عليه حاليا حتى حرب الاستنزاف وكان عبارة عن مدفعية 20 بوصة وفى عام 70 أنشأ الفريق محمد على فهمى سلاح الدفاع الجوى وتم تدعيمه بالأسلحة الحديثة بعد ذلك مثل أسلحة سام 2 وسام 3.

«المقاتل المصرى فى حرب أكتوبر كان أهم من الأسلحة والتقنيات الحديثة التى يمتلكها العدو الإسرائيلى بما فيها طائرات الفانتوم أكبر الأسلحة الجوية وقتها.






المجند محمد عبدالعال الفرقة الثانية مشاه : سرادق عزاء لحى يرزق

أهلى نصبوا «صوان» وتلقوا عزائى أثناء حرب أكتوبر، عندما عدت لوحدتى حيث كنت بالفرقة الثانية مشاه، وبعدها بأسبوع بالتحديد فى صباح يوم 6 أكتوبر 1937 صدرت الأوامر بالعبور، وكانت معلومات قد وصلتنا بأن الأمر بالعبور قد صدر فى ساعة متأخرة من مساء يوم 5 أكتوبر، وعندما سألنا أحد الضباط عن صحة الأمر قال لنا «يبدو ذلك».

قمنا جميعا وصلينا الفجر وأخذنا نردد الدعاء وراء أحد زملائنا الذى كان يؤمنا فى الصلاة، ودعونا الله أن ينصرنا، وفى صباح اليوم الثانى كنا قد أخدنا جميع الاستعدادات للعبور وبعد ساعات قليلة سمعنا أصوات طائرات تزأر فى السماء، ودخل الخوف فى قلوب بعضنا ظنا إنها طائرات العدو، لكن ما لبس أن طمأننا أحد الضباط الموجودين بأنهم نسور الجو المصريون فى طريقهم لدك حصون العدو، وهنا غمرت دموع الفرح المخبأ الذى كنا ننتظر فيه اللحظة الحاسمة، وانتظرنا الأمر بالعبور وأخذنا فى الانتظار، وكأن دهرا قد مر علينا، ونحن نسمع أصوات المدفعية وهى تدك حصون العدو.

فور صدور الأوامر بالعبور دفعنا القارب ونزلنا للمياه وهناك من يردد من الجنود «ربنا يستر وما يفتحوش علينا النابالم»، وهنا صاح فيه جندى آخر، قائلا: «سنعبر وسننتصر وربك هينصرنا إن شاء الله»، عبرنا القناة وبدأ الاشتباك مع العدو الذى بدأ يقاتل بشكل عشوائى من هول المفأجاة والفزع، واستمر القتال حتى ساعات متأخرة من الليل.

بدء القتال مرة أخرى ونحن نلاحق العدو الذى كان يحاول تجميع ما بقى من صفوفه، واحتد الاشتباك وقمت مع 10 من زملائى بمحاصرة سرب من سيارات ودبابات العدو مكون من 4 سيارات ودبابتين، وكانت إحدى السيارات تحمل رشاشا، وقام أحد جنود العدو بفتح نيران الرشاش علينا، وكلما حاولنا الاقتراب أو الخروج من أحد الخنادق التى كنا نختبئ بها، يفتح النار بشكل عشوائى علينا، حتى قام أحد رفقائنا بالخروج بشكل مفاجئ أمام السيارة وصوب قذيف «آر بى جى» تجاهها ما تسبب فى تدميرها وإصابة أخرى. قام جنود العدو بإلقاء قنابل يدوية وقنابل غاز علينا، ثم تعرضنا لقصف مدفعية وأسلحة ثقيلة، ما تسبب فى أن أفقد الوعى وبعد الإفاقة وجدت نفسى مكبلا داخل سيارة حربية للعدو، وتم أسرى لشهور.

وبعد أن تمت مبادلتى ضمن اتفاقية لتبادل الأسرى، عدت إلى قريتى بمحافظة القليوبية بملابسى العسكرية الممزقة وشعرى الطويل، وذقنى طويلة وفور وصولى فوجئت باستغراب الأهالى وحالة غريبة ظننت أولا إن مظهرى هو السبب، لكن سرعان ما عرفت أن أسرتى أقامت «صوان»، وأخذت العزاء فيما بعد أن أخبرهم أحد زملائى بقرية مجاورة لنا إننى استشهدت فى الحرب.


رائد/ أسامة على الصادق فرقة 18 مشاة ميكانيكة الجيش الثانى : رمال سيناء زى السكر

تمر أمامى ذكرياتى فأرى شريط ذكريات يوم 6 أكتوبر طاغية، حيث يعتقد كثير من الناس أن جيوشنا عبرت فى الثانية والثلث بعد ضربة سلاح الطيران ولكن الحقيقة أنه فى اثناء عبور الطائرات داخل أرض سيناء كانت هناك كتائب متخصصة تعبر فى الثانية وخمس دقائق للسيطرة على بعض الاماكن الحيوية، وفرقتى كانت إحدى هذه الكتائب.

فرقتى كانت تتكون من 815 جنديا و15 ضابطا يحملون اسلحة ثقيلة مضادة لدبابات والطائرات المنخفضة والاسلحة الكيماوية، وكانت مكلفة فى ذلك الوقت بتحرك قبل ميعاد بداية الهجوم بربع ساعة لتأمين عملية العبور عن طريق التوغل 7 كم داخل سيناء للسيطرة على طريق الشمالى القادم من العريش الذى كان مخصصا لنقل دبابات العدو لوقف أى هجوم سريع.

بدأنا بضرب النقاط العسكرية سريعا وانتظرنا قدوم دبابات العدو التى لم يعد لها فرصة للهجوم إلا من المنطقة الأمامية بعد محاصرتها، وأصبحنا على جاهزية تامة ومستعدين لصد الهجوم بعد أن صنعنا مصيدة لهم عن طريق استخدام الاسلحة المختلفة ضدهم رغم اختلاف المدى بينهم وأصبح ضرب جماعيا فدمرنا 3 دبابات فى لحظة واحدة، فانسحبوا سريعا وبدأت المعركة الدامية.

بدأت قوات العدو باستخدام سلاح المدفعية ضددنا واستمرت المعركة 6 ساعات كاملة وانتهت بسيطرتنا الكاملة على الطريق وانسحاب قواتهم وسط أعداد كبيرة من خسارتهم البشرية والمادية وبالرغم من ذلك لا يمكن أن أنسى أننا فقدنا 64 شهيدا و146 مصابا ثم بعد ذلك استطعنا السيطرة على القنطرة.

كانت الحرب نتيجة بطولة جماعية لكن لم تختف أيضا البطولات الفردية، التى لا يمكن نسيانها مثل الشاويش محمد منصور الذى اصيب بنزلة معوية حادة يوم 5 اكتوبر وكان فى شدة المرض وعندما علم ببوادر قيام الحرب المجيدة عاد للثكنة ورفض ضغوط الجنود بضرورة أخذ إجازة وكان يقول لهم اتحرموننى من الشهادة على الارض الطاهرة، وعندما عبرنا القناة رأيت الشاويش محمد يجرى مسرعا ساجدا للمولى وهو يمسك رمال سيناء يقبلها ويضحك ويقول مشاورا على الرمال «والله سكر» وفاز الشويش محمد فى النهاية بما كان يحلم به واستشهد فى المعركة وروت دماؤه رمال سيناء.

جميع الجنود البواسل كانت روح العقيدة عندهم هى النصر والشهادة وكثيرون عانوا من إصابات شديدة ومزمنة، فأنا حتى الآن أعانى من وجود شظايا فى رأسى، وعجز الاطباء عن استخراجها بالإضافة إلى إصابتى آنذاك بحروق متعددة وكسر فى ثلاثة ضلوع ولكن كل إصابة مزمنة او تاركة أثرا هى نوط شرف من الحرب المجيدة.




نقيب/ عزت عبدالغفارقائد سرية مشاه ميكانيكى : هكذا أطفأ الجنود أضواء العدو

ولدت فى احدى قرى مركز طنطا بمحافظة الغربية، وقد حصلت على الثانوية العامة، ونزحت من قريتى الصغيرة الى مدينة القاهرة حيث التحقت بكلية الحقوق جامعة عين شمس.

بعد أن وقعت الهزيمة المريرة فى 1967 تحمل مسئوليتها جيل كامل من الشباب، تم تجنيدى بالقوات المسلحة عام 1968، لالتحق بكلية الضباط الاحتياط.

تعلمت العسكرية على يد اللواء على زيور قائد لواء الطلبة فى ذلك الحين، ولم أنس يوما وقائع تعلمت منها الطاعة الكاملة كفرد من افراد القوات المسلحة.

تخرجت فى كلية الضباط الاحتياط عام 1969 دفعة 24 ضباط احتياط، والتحقت بسلاح الحدود حيث عينت ملازما مجندا بالفوج السادس حدود بالساحل الشمالى.

لم تكن قوات سلاح الحدود بها ضباط شباب بل كانت تتكون مما يسمى عساكر الهجانة، وكانت دفعتى فى هذا السلاح هى بداية تحويل قوات سلاح الحدود الى قوات محاربة.

انتقلت من مرسى مطروح الى الغردقة عام 1972 حيث كانت الخط الأول للدفاع للقوات المسلحة وكان يقود منطقة البحر الأحمر العسكرية اللواء سعدالدين الشاذلى رحمه الله.

وكان يوم 3 أكتوبر عام 1973 وكنت عائدا من اجازتى، واذا بالقائد يطلب منى العودة الى اجازة جديدة، وكم كانت سعادتى بالاجازة اذ كان موقع سريتى فى بطن سلسلة الجبال النارية التى تمر بجوار شاطئ البحر الاحمر.

اعلنت الحرب يوم 6 أكتوبر وانا فى اجازة، لكن أمرنى والدى فورا بالعودة الى وحدتى، ووصلت بالفعل فى الثانية من صباح 7 أكتوبر.

علمت بعد ذلك اننى كنت إحدى وسائل الزعيم الخالد أنور السادات فى خداع العدو، بإرسال رحلات للعمرة واعطاء الضباط والجنود اجازات، وهو ما جعل حرب اكتوبر نموذجا للحرب يدرس فى الجامعات العسكرية بالعالم.

كانت خطة اسرائيل فى الحرب هى الالتفاف والتطويق حيث يتم دفع قوات من احد الجوانب الى خلف القوات المحاربة لتطويق القوات من الامام والخلف، ومن أجل ذلك كانت منطقة البحر الاحمر العسكرية هى اهم مناطق الحرب فى اكتوبر 1973.

كانت القوات الاسرائيلية تقوم بالهجوم ليلا على منطقة الغردقة سفاجا وتسقط مظلات صغيرة تحمل فوانيس فسفورية، وكنت على قمة الجبل للمراقبة، وتنفيذ الاوامر العسكرية، على ارتفاع اكثر من 200 متر، وكانت أوامرى لأفراد السرية بالثبات التام، حين القاء تلك المصابيح، حتى لا يرانا العدو بسهولة، لكننى اكتشفت بعد ذلك أن الجنود كانوا يصعدون الجبل خلسة ويتربصون بتلك المصابيح ويضربونها فتسقط بعد أن انطفأت.

وكانت هناك محاولات من العدو الاسرائيلى لانزال القوات فى المسافة بين الغردقة وسفاجا وقد تصدت لها القوات المسلحة ومنعتها.

فى يوم 22 اكتوبر صدرت الى الاوامر بصفتى قائد سرية مشاة ميكانيكى ان يقوم الافراد بركوب السيارات والنزول من الجبل والحرب اثناء سيرها، وكانت الاوامر ان اتحرك الى رأس ابوسومة ومنها الى باب المندب لمنع الامدادات عن العدو من البحر الاحمر.

اخذت قسطا من الراحة قبل ان استعد لتنفيذ الاوامر، الا اننى فوجئت بصوت دوى شديد من جهة البحر، وكانت الليلة قمرية، حاولت الاتصال بالقيادة وناديت «نمر ينادى اسد هل تسمعنى؟» دون جدوى، واعتقدت ان العدو قام بالفعل بعملية الالتفاف والتطويق وقررت الذهاب بنفسى الى مقر القيادة الذى يبعد عن سريتى حوالى 5 كيلومترات، وهناك علمت بأن الصوت كان للغواصات العائدة من البحر بعد أن وافق الرئيس السادات على وقف اطلاق النار.



نقيب نبيل أبوالنجا/قوات الصاعقة :ما فشلت فيه الطائرات والمدرعات.. نجحت فيه الجمال

بدأت الحرب يوم 6 أكتوبر ولكن بالنسبة لقوات الصاعقة التى أنتمى لها يوم 7 أكتوبر، حيث تم إرسال كتيبة من قوات الصاعقة المصرية عن طريق عدة طائرات هليكوبتر لتدمير خطوط العدو ووقف أى هجوم قادم إلى مضيق رأس سدر، لكن كشف أمر الطائرات وضربت وسقطت مجموعة من الطائرات، لكن مع شجاعة الطيارين استطاعت 6 طائرات الوصول للمنطقة المتفق عليها فى قلب خطوط العدو وبين قواتها والإبرار هناك خاصة بعد انقطاع الاتصالات تماما بين الكتيبة والمنطقة المركزية وعدم وجود أى نوع من أنواع الإمدادات.

يمكن نسيان أشياء عديدة، لكن فرقة مكونة من 5 أفراد من نسيج مختلف من المجتمع المصرى فأحدهم جندى من النوبة وآخر من شيوخ العرب من بدو سيناء وآخرون من صعيد مصر، تجربة فريدة لا يمكن نسيانها، وقامت هذه الفرقة بإرسال الإمدادات نقلا بالجمال متخفين داخل قوات العدو سيرا من كوبرى الشط الى رأس سدر على مسافة 70 كم، وذلك بعد أن فشلت محاولات المنطقة المركزية فى إرسال الإمدادات للكتيبة بسبب سيطرة العدو على المنطقة الجوية وصعوبة الإرسال بريا بين خطوط العدو.

بدأت رحلة الصعاب بمناوشات جوية بين الطرفين والتى جعلت الفرقة المحملة ب20 جملا تعانى من البطء فى الحركة ومواجهة خطر الانفجارات وكانت الفرقة تحاول أن تسابق الزمن لإنقاذ الكتائب من الموت والتى استمرت 6 أيام بدون ماء أو طعام، استمروا فى سير، وبدأوا يعانون من نقص فى المياه رافضين الاستعانة بمياه الإمداد المخصصة للكتيبة، بدأ افراد الفرقة الاعتماد على طبيعة عن طريق شرب مياه الصبار واكل ما يوجد من القوارض والثعابين، لكن لم تنتهى المشاكل عند هذا الحد، بدأت الجمال تعانى من العطش، وسقط منهم مجموعة، وبدأ يشعر الجميع باستحالة المهمة بعد شعورهم بأنهم مرصدون من العدو وأنهم على حافة الموت، لكن سرعان ما استجمع الجميع قوته، وعادوا قادين الجمال الباقية، متجهين للهدف بعد اتفاقهم مع الإدارة المركزية على قيام القوات الموجودة هناك بتسهيل الوصول إلا أنه سرعان ما حدث اشتباك عنيف مع قوات العدو مما جعل القوات تترك القافلة، وأصبحوا فى عزلة فى قلب الاشتباكات، استطاعوا أن يعبروا منطقة الاشتباكات بنجاح بعد إصابة أحد أفراد الفرقة بطلق وسقوط جمل آخر.

وفى يوم الخميس الحادى عشر من أكتوبر وسط معانة بالغة وخسارة مؤلمة استطاعت القافلة عبور المضيق وأصبحوا على مقربة من الكتيبة إلا أنهم فوجئوا بقدوم كتيبة من دبابات العدو تحاصرهم بدأوا يشعروا أن لقاء ربهم قد اقترب، وبدأ الجميع يردد الشهادة متمنين هذه اللحظة أن تمر سريعا، لكن فى لحظة ظهر سرب من الطائرات المصرية متجها إلى دبابات العدو الذى نسفت تماما.

استمرت القافلة فى سير تبحث عن الكتائب، وتتمنى أن يكونوا على قيد الحياة ظهر فجأة رجل بدوى يدعوهم إلى القدوم فهو يعرف مكان الكتائب المفقودة، وبالفعل وصلوا وقد وجدوا 6 فرق مازالت تحارب الموت، شعر الجميع بهذه اللحظة الفارقة أن الحياة دبت فى الجميع، وأصبح النصر من عند الله قريبا وما فشلت فيه الطائرات والسيارات والمدرعات، نجحت فيه الجمال.


رقيب حسب الله عوض عبدالباسط كتيبة 213 سلاح المدرعات : الدموع تغلب السنين

«أنا مش هعيش مرة ثانية لكن كفاية أنى شايف علم مصر بيرفرف فوق سيناء دى أسعد لحظة فى حياتى».. هذه كانت أولى الكلمات التى أخبرت بها نفسى عندما رأيت الجندى الشجاع يرفع علم مصر عاليا، ورغم هذه السنين فإن دموعى لا أستطيع كبتها عندما أتذكر هذه اللحظة المجيدة.

لم تكن لدينا معلومات مؤكدة لكننا استشعرنا أننا سوف نخوض الحرب بعد سنوات الانتظار، عندما تلقينا أوامر الضرب فى تمام الساعة الثانية أثناء وجودنا بالجبهة من القيادات العليا بضرب أى هدف أمامنا، وبالفعل قمنا بالتعامل من سيارة يهودية مجنزرة حيث قمنا بتفحيمها وبعد لحظات فوجئنا بالطيران المصرى يمر من فوقنا.

كان إيماننا بالنصر أكبر حافز لتضحية بحياتنا فقد كان الجنود سواء من بقوا إحياء أو استشهدوا يرددون عبارات نحن فداء لمصر، وهو ما جعل من عبورنا معجزة، حيث تعاملنا مع عساكر اليهود فلم نترك يهودى يقف أمامنا.






رقيب حسن كامل حسن الجندى اللواء 112 مشاه، كتيبة 36 :«ألو مقديشيو».. حكايات عن الإشارة وصيد الدبابات

أخيرا هناك من يتذكرنا، حتى ولو كان من خلال تلك السطور القليلة، نستطيع أن نحكى لمن لا يعرفونا كفاحنا الذى تجاهله الكبار فيما بعد، فأنا التحقت بالجيش عام 64 لتأدية الخدمة العسكرية، وشاركت فى حرب اليمن وحرب 67 ثم انسحبنا منها إلى القنطرة شرق، ثم إلى جباسات بورفؤاد، ومنها إلى موقع سرابيوم فى الإسماعيلية، وظللت فى هذا الموقع حتى قبل حرب 6 أكتوبر، وتم تسريحى قبل حرب أكتوبر بشهور، ثم استدعيت مرة أخرى فى نفس الكتيبة ونفس الموقع «قرية سرابيوم الواقعة على القناة مباشرة، وكنت برتبة رقيب إشارة ومهمتى ملازمة قائد الكتيبة أثناء العبور إلى الضفة الشرقية.

عبرت القناة وأنا أحمل على ظهرى جهاز لاسلكى 105 روسى، وكان ممنوعا إرسال أى إشارة لاسلكيا، لعدم إكتشافها من العدو، ولكن كان الأفراد هم الذين يقومون بذلك، فجميع الإشارات كتابية تسلم باليد أو شفهية، حسب الخطة الموضوعة، وعبرنا ومدافع العدو تضربنا فى القناة ولكن الله سلم ووصلنا إلى البر الغربى، وهذه أول فرحة دخلت قلبى وإحساسى أننى مصرى حر.

أجمل شيئ فى موقعى كان عبدالعاطى، صائد الدبابات الذى تم إلحاقه على الكتيبة 336 كنا نشعر بالفخر، ونحن نرى هذا الكم من الدبابات الإسرائيلية مدمرة، وعجز الإسرائيليون من المرور عبر موقعنا.

«ألو مقديشيو زمزم عرب تحرك 50 متر شمال» نص الإشارة التى تلقيتها باللغة العربية ولنا انساها ابدا، مقديشيو كان هذا رمز كتيبتنا، والإشارة معناها أن أفتح ثغرة لإبعاد القوات المصرية من الطريق الأوسط لأنه طريق مرصوف، وهذا يعطى سرعة لانتشار الدبابات الإسرائيلية بالهجوم على القوات المصرية، والالتفاف والتقدم من الطريق الأوسط، الذى هو عبارة عن طريق مرصوف يصل إلى الدفرسوار، لأنه فى هذا الوقت كان العدو قد تمكن من الدفرسوار، وهو ما يعرف بالثغرة فى مرحلتها الأولى.

وبخبرتى طلبت التحقيق أفقى ورأسى، وهى كلمة سر متفق عليها مع رئاستى فطلبت من مرسل الإشارة التحقق، ولم يرد على، فتنبهت بخبرتى بأن هذه الإشارة مدسوسة علينا، من إسرائيل ولو كنا فتحنا الطريق حسب الإشارة المدسوسة، لكانت ثغرة أخرى وإلتفاف العدو على اللواء 112 مشاه، لأنه ليس من المعقول أن أبلغ قائد الكتيبة باخلاء الممر.

قلت للقائد بأن هذه الإشارة خدعة، لأننى أعرف جميع أصوات زملائى فى القيادة، ويطلبون إخلاء الممر لإستغلاله فى الهجوم علينا، فتنبه قائدى وهو العميد زين الدين العابدين، فأرسل قوة استطلاع خلف الساتر بالمنظار الضوئى، فأبلغته قوة الاستطلاع بأن هناك حشودا إسرائيلية بالدبابات خلف الساتر، فأمر بتقدم عبدالعاطى صائد الدبابات رحمه الله، وقد حدث ما كنت أتوقعه من هجوم بالدبابات، وتم تدمير 6 دبابات للعدو وأسر جميع أطقمها، وتم تجميع الأسرى فى بطن جبل نتمركز عليه، وتم إرسالها بعد ذلك إلى قيادة اللواء 112 مشاة بقيادة العميد عادل يسرى، الذى فقد إحدى ساقيه ورفض الإخلاء والاستمرار فى القتال الذى عين بعد ذلك رئيسا لقدامى المحاربين، وقد تمت ترقيتى بعد كشفى لهذه الإشارة المدسوسة.

فسلاح الإشارة أعطانى الثقة والمعرفة، وهذا ماجعلنى أتعلق بهذا السلاح الذى احترم كل الذين من أمثالى، الذين لم يكملوا تعليمهم وتوقفوا عند التعليم الأساسى، فلقد طورت جهازا لاسلكيا فرنساويا معروفا برقم 788 كان فى إحدى مخازن القوات المسلحة، فبعد أن فقدنا المعدات اللاسلكية فى عمليات حرب 67 توصلت وأنا فى القنطرة بأن حولت الجهاز إلى لاسلكى وتليفون أرضى، وتم ترقيتى من عريف إلى رقيب بسبب هذا الابتكار، وتم تعميم ذلك فى وحدات اللواء الذى كنت به، وتم توزيعه على مختلف اللواءات.

لا يمكن أن أنسى الصدمة العنيقة التى شعرت بها عقب إخلاء الأسرى الإسرائليين، ومشاهدة زملائى وأصدقائى شهداء بعد أن عشنا سويا 8 سنوات، فحضر إلى النقيب محسن النحاس وضمنى إلى صدره بقوة وأجشهنا بالبكاء ثم قال لى، الرب واحد والعمر واحد، فعدت ثانية إلى وعيى وقوتى واستمرارى كرقيب إشارة فى كتيبتى.

أقسم بالله أن اختيارى للعمل مع القيادة العليا للواء هو أكبر تكريم لى، ثم أخليت طرفى، واتجهت إلى عملى وحياتى المدنية والآن شارفت على ال«70» عاما، أملك محل متران فى 40 سم ابيع فيه العطور، وأتذكر عشقى للتكنولوجيا الذى ساهم فى حرب أكتوبر، ولم أنل عليه حتى ورقة تكريم أعلقها على حائط المحل.


«أبطال أكتوبر الحقيقيون» يظهرون فى «العالم الافتراضى»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.