قد تنتهي الحروب في يوم ولكن آثارها تستمر أياماً وسنوات، وتظل المعاناة والاضطرابات بداخل النفس البشرية التي عاصرتها مهما مرَّ عليها من أحداث، فلا يوجد أبشع من مشاهد الدم والقتل والكر والفر والهجوم والهدم، ولنا عبرة في مشاهد غزة التي اختفت معالمها بعد الاعتداء الغاشم عليها منذ أكثر من عامين من قبل العدو الصهيوني فهو العدو الذى لا يزال يتصرف دون اكتراث بعد أن سلبهم أراضيهم وبيوتهم.. ويظل المفتاح معلقاً في صدور النساء حتى يعود الغائب إلى وطنه "فلسطين" ولا تزال الحرب مستمرة. ما بعد الحرب ونذهب إلى حرب أخرى خلفت وراءها أحد الأعمال الإبداعية الأخرى والتي تعتبر من أجمل الروايات التي تحدثت عن الحرب وهي رواية "المسلخ رقم 5".. العنف وفنتازيا الخيال العلمي في روايات الحرب العالمية الثانية ل"كورت فونيجت" وترجمة ودراسة صديق محمد جوهر، والصادرة عن دار صفصافة للنشر . في هذه الراوية يكشف لنا بطلها، بيلي بيلغريم، عن مأساة دريسدن، وعلى شكل لوحات متصلة وقد تشكل سرده من خلال الاضطرابات النفسية لما أصبح يسمى اضطراب ما بعد الصدمة بعد فترة طويلة من ظهور الرواية في عام 1969. نُشرت رواية "المسلخ رقم خمسة" أثناء حرب فيتنام، وقد أعجبت الكثير من المعارضين للحرب في ذلك الوقت، ولا يزال يباع منها أكثر من مئة ألف نسخة سنويا. كان "كورت فونيغوت" شاهدًا لما حدث في دريسدن، فقد كان محتجزا في أحد المسالخ مع آخرين من جنود الحلفاء الذين تم أسرهم أبان المعارك على أيدى الألمان.. وكان أسيرا في عاصمة ساكسونيا عندما تعرضت للقصف بالقنابل الحارقة في فبراير 1945، لقد نجا "فونيغوت" من المحرقة لسبب منطقي وهو أن المسلخ الذي أحتجز فيه كان مشيدا تحت الأرض وحتى يُجسم فونيغوت الفظائع التي نتجت عن قصف دريسدين بالقنابل الحارقة. فقد عمد إلى كتابة رواية تجلت فيها عبقريته على الصعيدين التقني والفكري من أجل أن يسبغ على كارثة "دريسدن" أبعادا غير مألوفة تجعل منها حادثا تفوق واقعها التاريخي وتند عنه . لقد دفع واقع الكاتب المشوش وصعوبة تشكيله إلى نبذ مواضعات الرواية التقليدية واعتماد الفنتازيا الخرافية بوصفها الوسيط الأنسب لتجسيد تجربته الفظيعة تعتبر الرواية من أوسع الروايات رواجا وشعبية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتعزى شعبيتها لاعتمادها بقوة على رصيد روايات الخيال العلمي فالأسطورة المبتدعة تنفخ الروح في نص الرواية هي أسطورة السفر للفضاء ولأن كانت أجزاء الرواية المفعمة بالخيال العلمي تشبع حاجات القارئ للتحليق بالخيال العلمي فإن الأجزاء المتعلقة بالحرب العالمية الثانية تخلف في وجدانه انطباعا لا يزول من جراء ويلات الحرب وما صاحبها من فظائع. يقول: "إنه بالتأكيد كان من المفروض أن يكون وصف التجربة أمراً سهلاً، ذلك أن كل ما ينبغي لي فعله هو كتابة تقارير عما رأيته". لكن الكلمات خانته واستعصت عليه. كيف يمكن لفونيغت أن يصف مدينة التهمها "لهب واحد كبير"؟ كان الحل الذي توصل إليه في آخر الأمر هو استبدال بنية السرد العادية بخط متعرج مربك عبر الزمان والمكان".