ذكريات أليمة، ووجوه كريهة، باتت تطل على المشهد الوطني، فى محاولات العودة الذليلة لنظام مبارك الفاسد، مستندة إلى ما تتيحه المرحلة الراهنة من وفرة لقضايا وإشكاليات صعبة تواجه الوطن، يمكن فى زحامها التسلل إلى ساحة العمل السياسي. ولو أن نظرة موضوعية صدقوا بها مع أنفسهم، لأدرك هؤلاء أن لجوءهم إلى «التسلل» فى زحام المشهد، وإعادة تكتلهم لهو أمر بالغ الدلالة على حقيقة موضعهم المتدنى داخل الحياة السياسية، بل فى المجتمع بشكل عام. فتسللهم يؤكد ثبات موضعهم أمام الرأى العام كحفنة من مجرمى العمل السياسي، ويفضح مدى ما ارتكبوه من جرائم فى حق الوطن، وقدر ما نهبوه من مقدراته، وجسامة خطاياهم تجاه المواطن البسيط، الذى قدم حياته ثمنًا للخلاص منهم فى الخامس والعشرين من يناير، وعاد وكرر تضحياته فى الثلاثين من يونيو، عندما وجد أن إفرازات قيمهم الفاسدة قد اعتلوا المشهد الثورى خلسة، وهو ما يؤكد صدق عزم الشعب المصرى على حماية ثورته، وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، مستقبل لا وجود فيه لنظام مبارك المستبد، ورموزه الكريهة، ولا لمن شكلوا الجناح الثانى للفساد مستترين بالدين. فمن من هؤلاء يمكنه التنصل من دوره، على قدر جهده، فى هيمنة الحزب الوطنى المنحل على العملية السياسية، واحتكار قضايا الوطن بعيدًا عن المعارضة الوطنية المسئولة، وقد تم تهميشها وتشويهها إلى حد أن تمكنت جماعة الإخوان الإرهابية من السيطرة على الموقف السياسى بعد ثورة يناير، إلى أن أيقن الشعب الثائر كذب ادعاءات نظام مبارك، وأدرك عن حق أن الوطن به من الكوادر والكفاءات فريق لا ينتمى للحزب الوطني، ولا يندرج فى منظومة جماعة الإخوان، فاسترد الشعب ثورته أمانة لدى قواه الوطنية المخلصة التى مهدت لثورته، وشاركته فيها، وعانت فى سبيل استردادها؛ ومن ثم لا ينبغى أن تنتظر رموز الفساد فى النظامين، السابق والأسبق، عودة إلى المشهد الوطني، إلا فى إطار أمنى قانونى بعيدًا عن العملية السياسية. من جهة أخرى، فإن محاولات تسلل نظام مبارك، وتكتلهم مرة أخرى، لهو علامة صحية مفادها أن الأحزاب السياسية ذات الأرضية الثورية لم تفسح لها موقعًا بين صفوفها، وهو أمر مؤكد ينطلق من ثقل الأمانة الملقاة على عاتق من بشروا بالثورة، وآثروا الطريق الصعب، فشاركوا الملايين معاناتهم، وثبتوا على طريق الحق، وقت أن كان رموز نظام مبارك الفاسد يفسحون الطريق أمام كل معارض ليخون أمته، وينخرط فى منظومة الفساد، فانحدر إليهم كل «تاجر سياسي»، والتزم صف الجماهير كل وطنى شريف. ولعل فى أدوات وآليات محاولات عودة نظام مبارك الفاسد ما يؤكد أنهم لا يصلحون للمرحلة الراهنة وما تفرضه من قيم شكلت جوهر الثورة المصرية، قدر ما هم أقل كثيرًا من مواجهة التحديات المحيطة بالوطن، فى الداخل والخارج على السواء، تمثل تركة ثقيلة صعبة، جراء حكم مبارك والإخوان على السواء. فليس من شك أن عودة نظام مبارك لا يمكن أن تأتى إلا عبر أبواق الدعاية الكاذبة، والممولة من أموال الشعب المنهوبة عبر عدة عقود، وهو منهج لطالما عاش عليه كل نظام فاسد، حيث المرتكز فى البقاء هو تضليل الرأى العام. والواقع أن نظام مبارك عاش طويلًا بجهود شتى، أسهمت فيها وسائل الإعلام المملوكة للدولة بدور بارز، فمجدت من أوهام باعتبارها إنجازات، وقلبت الكثير من الحقائق لنرى منها وجها جميلًا وإن كان بالقطع كاذبًا، وغضت الطرف عن جرائم وخطايا كانت كفيلة بالإسراع بالثورة المصرية، وبالفعل تلقت وسائل إعلام «مبارك» من الثورة لطمة شديدة أفقدتها السيطرة على توجهاتها، فراحت تبرر تارة ما كان منها من زيف وأكاذيب، وتدفع تارة أخرى عن نفسها بأنها كانت ضحية نظام مستبد مثلها فى ذلك مثل مؤسسات كثيرة فى الدولة. واليوم وقد أفسحت الثورة الطريق أمام كل وطنى شريف، وباتت الإرادة الشعبية تنتصر لمبادئها فى كل موقع فى الدولة، ما عاد هناك ما يبرر عودة وسائل الإعلام المملوكة للدولة إلى أحضان الفساد، تبشر به بوصفه شريكًا فى زحف الملايين فى الثلاثين من يونيو، بينما الغرض القضاء على الثورة الأم... ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة. وبعيدًا عن وسائل الإعلام المملوكة للدولة، لن يعجز نظام مبارك الفاسد عن العثور على حفنة من المتاجرين بالكلمة والصورة، ولهؤلاء حديث آخر بإذن الله. «الوفد»