من مجرد مظاهرة انطلقت خلال ثورة مصر ورفضت محاولات الإصلاح المزيف من داخل نظام مبارك، إلى جبهة منظمة للرقابة على مؤسسات الثقافة وفضح الفساد الذي أصاب جميع هياكل الوزارة ماليا وإداريا. هكذا ظهرت الجبهة التي تضم عشرات المثقفين والعاملين بوزارة الثقافة، وكشف الناشطون بالجبهة: الدكتور سيد ضيف الله مدرس اللغة العربية بالجامعة الأمريكية، والدكتور أحمد عبدالحميد النجار مدرس الخطابة بجامعة عين شمس، والناقد والصحفي مدحت صفوت، كشفوا في حديثهم ل"بوابة الوفد" عن مفاجآت منها شكوك في إشهار شركة برمجة أمريكية وثائق مصر على الإنترنت، والإهمال في مخازن وكتب الهيئات التابعة لوزارة الثقافة، وباب المجاملات المفتوح. * كيف بدأت فكرة الجبهة ؟ الدكتور سيد ضيف: قبل تنحي الرئيس مبارك حركنا مظاهرة تطالب د. عماد أبوغازي بالتنحي عن منصبه وكان وقتها أمينا للمجلس الأعلى للثقافة، وانضم إلينا موظفون كشفوا لنا كم التخريب الذي يقوم به مسئولون حددوهم بالإسم ومنهم فاروق عبدالسلام والذي كان عمليا يتمتع بصلاحيات وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني ويعد قراره نافذا على الجميع. شعرنا بالخيانة بعد أن تولى د. جابر عصفور وزارة الثقافة في حكومة الفريق أحمد شفيق، وقد كنا نعد هذا الرجل من رموز التيار التنويري المؤمن بالتغيير لنفاجأ به ينضم لقافلة من يرممون نظاما يسقط بالفعل، في تحد لمطالب الشارع. فكرنا في مقاطعة أنشطة وزارة الثقافة، ولكن تراجعنا بعد أن تأكدنا من أن ذلك لن يضر المسئولين في شيء وربما يسعدهم، وهنا انتقلنا لأسلوب الرقابة المدنية. ففي كل دول العالم يستطيع المواطن أن يحل مشكلات بلاده، وأذكر مثلا أنني شاركت في فريق يزور أسر أمريكية بمنازلهم ويناقش صورة العرب والمسلمين، وفوجئوا بأن إعلامهم يزيف صورتنا ويجعلنا متخلفين. وقديما كان المواطن المصري حينما يدخل أحد الغرباء لحيّه ويشتبه فيه يطلب منه إثبات لهويته وربما يستدعي الشرطة، وينطبق ذلك لو وجد المواطن خللا في أي مؤسسة وهو ما نريد عودته مرة أخرى . أما نحن فنلجأ للإعلام والقضاء إذا وجدنا فسادا بالثقافة، ولدينا فريق قانوني ومراكز حقوقية متعاونة، ولو تطلب الأمر تمويل مصاريف التقاضي ذاتيا سنفعل أيضا بلا تردد، كما ندعو لوقفات إحتجاج أحيانا للفت النظر لمواضع الفساد. مقاومة التخريب * ما هي طبيعة أزمة وزارة الثقافة ؟ د. سيد : الوزير أثبت بحركة التنقلات التي قام بها أنه لا يرغب في التغيير الحقيقي الذي طالبت به الثورة، وإلا فكيف ينقل د. أحمد مجاهد من قصور الثقافة حيث أحاطت به شكاوى الفساد والبيروقراطية ويجعله رئيسا لهيئة الكتاب، وكيف يُنهي مشكلة قصور الثقافة المتفاقمة بجعل رئيس الإدارة المركزية بداخلها الشاعر سعد عبدالرحمن رئيسا للهيئة. إذا حتى المسئولين الغير فاسدين بحكم القانون ضمن النظام السابق، لا يملكون المقدرة على مقاومة الفساد وتركوه يرتع في وجودهم حتى أصبحنا نرى فسادا بنيويا أي أنه وصل لهياكل الوزارة من القاع للرأس. وقد تعامل هؤلاء المسئولين مع مناصبهم ك"مصدر رزق" فقط، ولا يعنيهم جودة النشاط الثقافي الذي يقدمونه، ولو كانوا منتخبين وليسوا معينين لسعوا لكسب ولاء الناس. خطورة ذلك في وزارة الثقافة تحديدا أنها تشكل العقل ودورها كبير لمواجهة مشكلات الشارع المصري من فتنة طائفية ودعاوى متشددة وحاجة المواطنين للفهم وصولا للمشاركة في صنع القرار. * كيف يتعامل وزير الثقافة مع تقاريركم ؟ د. أحمد النجار: "لم يُبد الوزير أي رد فعل إيجابي حتى وقتنا هذا، وأحسب أن عددا كبيرا من وزراء حكومة د. عصام شرف تفهم معنى المرحلة الإنتقالية التي تمر بها مصر بعد الثورة، وكأنها مرحلة اللافعل وخاصة أنهم يعلمون أن أمامهم مجرد شهور وسوف يتم تغييرهم. وهناك أيضا مشكلة البيروقراطية التي تجعل هناك أكثر من مصفاة تعرقل مرور القرار إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع، وهناك استراتيجيات التلاعب من جانب مسئولي قطاعات الثقافة، كما أن الرأي العام يُعد الثقافة حاليا في ذيل اهتماماته في ظل الإنشغال بمحاكمة المسئولين الكبار، كما نعلم أن حتى رغبة الوزير لن تكون كافية لتطهير الفساد مالم يسانده إرادة من الشعب والعاملين بقطاعات الثقافة أنفسهم ". * وكيف تقيمون أداء وزير الثقافة نفسه؟ الناقد مدحت صفوت : الوزير طيلة سنوات وجوده في المجلس الأعلى للثقافة لم يعرف عنه أي مواجهة لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسني برغم الفساد في عهده، وعادة كان يبرر أداء الوزارة. والغريب أن أبوغازي ظل صامتا وقت الثورة رغم أنه مختص بالتاريخ ومفترض أنه يرى مظاهر سقوط النظام مبكرا، ومن ضمن ذلك استقالة أقطاب الحزب الوطني، وتبرؤ التابعين للنظام منه مثل د. مصطفى الفقي. ويضيف د. سيد : أبوغازي يندرج برأيي ضمن طائفة من المثقفين الذين يجمعون المتناقضات بداخلهم، وهو دمث الخلق ووجه غير ملوث في وزارة الثقافة، ولكنه من فئة المثقفين الذين يرفضون بصفتهم الشخصية قمع الشعوب، ولكنهم أيضا لا يفعلون ما من شأنه تهديد لسلطتهم في الدولة ، ولا يتخذون القرار إلا متأخرا. وأذكر أنني فوجئت بأبوغازي يأخذني من يدي ويقبلني بينما أنا أحتفل مع أسرتي بتنحي مبارك في ميدان التحرير، هنا عاتبته لعدم استقالته حين طالبناه بذلك، وفوجئت برده أنه كان يريد الحفاظ على المكان لمن بعده، وهو منطق أبوي يتصور أن جميع المعترضين سيحرقون المكان . * وما رأيكم بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة ؟ د. أحمد : أرى أن الدكتور عزالدين شكري أمين المجلس يميل للفكر المحافظ وليس الثوري، وهو من خارج الجماعة الثقافية. وأعتبر أن سياسة المجلس كانت واستمرت بعد الثورة تسير باتجاه حشد المثقفين بداخله وربطهم بشبكة مصالح ودمج الشباب، وهذا يخلق مثقفين نخبويين يجلسون في التكييف ولا يشعرون بالشارع، ويكتفون بالدفاع عن مباديء العلمانية. وهي أزمة جيل بأكمله من كُتابنا الذين تحركوا متأخرا ككتلة واضحة، تقريبا قبل تنحي الرئيس بيومين، وقال سلماوي أنهم يؤيدون مطالب الشباب، وكأنها مجرد مظاهرات عادية وليست ثورة شعب . ويضيف د. سيد : الجبهة لا ترغب في أن تُحتوى من قبل أي جهة رسمية، وكل المطلوب من المسئول أن يفك بؤرة الفساد التي نشير إليها، لا أن ندخل بحوارات تجهدنا وتهدر طاقتنا. * ما هي الصعوبات التي تواجهكم ؟ الناقد مدحت : نعاني حتى الآن من البطء القضائي، وقد ازداد بعد الثورة لأن الجميع يُقدم بلاغات للنائب العام، ولهذا فكرنا في إحداث ضجة إعلامية واستنهاض الضغط الشعبي. ويضيف د. سيد : هناك نوعية من الفساد لا يمكنك مقاومته قانونيا بسهولة، لأنه بالأساس فساد مقنن، ولدينا أمثلة منها أننا وجدنا أن عددا محدودا جدا من بين كل المثقفين المصريين يتم انتدابهم للخارج في فعاليات دولية فنية أو ثقافية ويحصلون على بدلات ومنح وخلافه، ولا نعرف معايير اختيارهم، أو لماذا تتكرر الوجوه ذاتها في كل عام ؟! الهيئات الثقافية * ماذا عن ملف مكتبات قصور الثقافة ؟ الناقد مدحت صفوت : هناك إهمال كبير في تلك المكتبات، مثلا مكتبة إمبابة تقع على النيل ومدمجة داخل نادٍ رياضي وقد قررت إدارة النادي تحويلها لقاعة مناسبات رغم أنه تم إنفاق ما يقرب من 100 ألف جنيه لتجهيزها. وأكثر من نصف المواقع التابعة لقصور الثقافة غير تابعة له فعليا، وكثير منها مغلق أو مهمل تماما ولا أحد يعرفه، ومنها مثلا مكتبة الدقي أو مكتبة زنين ( بالقرب من بولاق) أو قصر ثقافة العاشر من رمضان، وهنا نتحدث عن العاصمة فكيف حال المحافظات ! وفي معظم الأحوال نرسل تقاريرنا لوزير الثقافة د. عماد أبوغازي لإتخاذ الإجراء المناسب، وحينما وعد سعد عبدالرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة بحل إحدى المشكلات أرسل مفتشا إداريا، وهو حل بيروقراطي لأن الموظف لن يشكو رئيسه في النهاية . * وما هي مشكلات التوزيع في هيئة الكتاب؟ د. سيد : هناك مشكلة التوزيع وسعر البيع للكتب، فالمؤلف يشعر بالإنجاز حينما يبيع كتابه 100 نسخة من كل ألف نسخة، كما أن الكتب المرتجعة تذهب لمستودعات ضخمة في مناطق متفرقة، يعجز أي مؤلف عن الوصول إليها، ويشعر أنه تعرض للظلم وخاصة أن مكافأة التأليف ضئيلة للغاية . كما أنني شاركت بإحدى لجان القراءة بالهيئة، ووجدت شيوع نظرية المجاملة لكُتاب معينين، وأن كثير من أعضاء لجان القراءة وبخاصة في السلاسل الإبداعية يأخذون أعدادا كبيرة من الكتب، لا يقرأونها في الغالب، ويتقاضون مكافآت ضئيلة، ومن هنا نرى اختيارات سيئة على الأرفف يتم بيعها . وهنا يقترح الناقد مدحت صفوت أن يتم توزيع الكتب المرتجعة على فروع قصور الثقافة المنتشرة بالمحافظات، مع إعداد قاعدة بيانات بها تُسهل على القاريء والمؤلف الوصول للكتاب الذي يريده وهو حل يشغل المكتبات الفارغة بالكتب ومنها مكتبة مسرح البالون. ويستدرك د. سيد : وزارة الثقافة بلا استراتيجية أو عقل يحكم عملها، فلو تذكرنا دولة محمد علي سنجد أن الناس سارت في إتجاه التحديث نتيجة الإرادة السياسية، واتسعت خطوات البعثات للخارج والترجمة. * لماذا انتقدتم إدارة محمد سلماوي لإتحاد الكتاب؟ د. سيد : كنت حاضرا بإنتخابات اتحاد كتاب مصر، ووجدت أن كثيرا من الحضور يتهمون سلماوي بالتسبب في حالة خنوع الكتاب تجاه السلطة في الفترة الماضية وأنه كان رجل فاروق حسني، كما أن قوائم المنتخبين نفسها مليئة بالكتاب الذين رحلوا عن دنيانا أو غير الأعضاء، وبالتالي لابد أن تتم تنقيتها حتى نصدق نتيجة الإنتخابات. كما أنني سمعت بنفسي المستشار القانوني بالإتحاد يؤكد أن دوره فقط التأكد من وجود ميزانية لكل المشتروات والمخصصات وليس التأكد من أنها تم شراؤها بقيمتها الحقيقية . * ماذا عن مخاطر عقد "أي بي إم" لرقمنة وثائق مصر ؟ الناقد مدحت : كشف هذه المشكلة الباحث د. عصام غريب مؤكدا أن مشروع التعاون بين دار الكتب والوثائق وشركة "أي بي إم" الأمريكية للحواسيب والبرمجيات، تسبب في تسريب تلك الشركة وثائق مصرية على مواقع أجنبية، مضيفا أن العقد ذاته يمنح الشركة حق التصرف في الوثائق، علما بأن بعض هذه الوثائق ذو أهمية كبيرة مثل تلك المتعلقة بالبعد الأمني لمصر أو مساحات الأراضي التابعة لسكانها . كما أن هناك خطورة على الوثائق لأن بعضها متهالك ولا يوجد ضمانة للحفاظ عليها من التلف في عمليات الإدخال، وبالتالي فهي تحتاج أولا للترميم. يُذكر أن الجبهة لها مجموعة على الفيس بوك بإسمها تتلقى عبره شكاوى المواطنين من الإهمال بمراكز الثقافة المختلفة .