مر الخلاف بين جماعة الإخوان المسلمين، والتيار السلفى ممثلاً فى حزب النور بمراحل عدة، فبدأ مكتوماً يتخفى خلف تبنى كليهما المرجعية الدينية، ثم تطور ليظهر فى العلن مغلفاً بتهدئة من الجانبين، إلى أن وصل إلى الاحتقان خلال الانتخابات الرئاسية، ثم الانفجار مع الإطاحة بمحمد مرسى. وسواء «الإخوان» أو «السلفيون» فإن لكل منهما مبرراته فى انتقاد الآخر، بل واتخاذ مواقف عدائية سواء فيما يخص الأيديولوجية الدينية أو الآراء السياسية أو حتى الممارسات الفعلية على أرض الواقع، طوال السنوات الثلاث الماضية، ليبرز مؤخراً صراع جديد بينهما خاص بموقفيهما من مسودة الدستور التى أعدتها لجنة الخمسين. وكان حزب النور أعلن قبل أيام تأييده مسودة الدستور رغم خلوها من المادة «219» التى استمات على تمريرها فى دستور 2012، وأكد تبنيها عند بدء أعمال لجنة الخمسين، أما «الإخوان» فبدأوا الحشد لمقاطعة الوثيقة الدستورية الجديدة لاعتبار إقرارها بمثابة اعتراف بالقيادة السياسية الجديدة وخارطة الطريق المعلنة فى 3 يوليو الماضى. وبدأت الجماعة فى تحرك فعلى ضد موقف السلفيين عبر تنظيم وقفة احتجاجية أمام منزل «نادر بكار»، القيادى بحزب النور، وهو ما اعتبره «بكار» تهديداً لن يثنيهم عن الحشد للتصويت ب«نعم» للدستور. عدد من السياسيين أكدوا أن الخلاف الإخوانى السلفى يتخذ الكثير من الأوجه ذات الجذور التى تعود لما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، موضحين أن الصراع بين الطرفين يكشف نواياهما التى تصب فى غير المصلحة العليا للدولة. وتوقع سياسيون فى تصريحاتهم ل«الوفد»، أن يتطور الغضب الإخوانى من موقف السلفيين من مسودة الدستور ليصل إلى محاصرة منازل قيادات «النور» أو الاعتداء المباشر عليهم. قال الدكتور طارق زيدان، رئيس حزب الثورة المصرية، إن تاريخ الخلاف بين الإخوان والسلفيين ترجع جذوره إلى ما قبل الثورة سواء من الناحية الفكرية أو الآراء السياسية. وتابع: «دائماً ما كان التيار السلفى ينظر إلى الإخوان باعتبارهم فصيلاً يستغل الدين للوصول إلى السلطة». وأضاف «زيدان» أن دخول التيار السلفي فى الحلبة السياسية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بتأسيس حزب النور، أثار تخوف الإخوان من سحب شعبيتهم لصالح الكيان الجديد، موضحاً أن الخلاف ظهر على السطح السياسى خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الماضية حيث وجهت القيادات السلفية قواعدها لانتخاب الفريق أحمد شفيق. وأكد أن وصول «مرسى» للحكم أدخل العلاقة بين الإخوان والسلفيين إلى منحنى جديد، حيث بدأت وعود الطرف الأول للثانى فى نيل حقائب وزارية وتمثيل بالمحافظات، لكنَّ ذلك لم يحدث ليتأجج الصراع متمثلاً فى استقالة الدكتور خالد علم الدين من منصبه مستشاراً للرئيس. ووصل الصراع إلى ذروته بحسب تأكيد رئيس حزب الثورة المصرية عندما أيد التيار السلفى الإطاحة ب«مرسى» بموافقته على خارطة الطريق، لينتهى أى تفكير فى تقارب محتمل بين الطرفين فى الفترة المقبلة، موضحاً أن الأمر ازداد تعقيداً بدعوة حزب النور المصريين للتصويت ب«نعم» علي مسودة الدستور التى ستطرح للاستفتاء. وأردف قائلا: «موقف حزب النور من مسودة الدستور أزعج الإخوان بشدة ما دفعهم إلى التظاهر أمام منزل نادر بكار»، متوقعاً لجوء الإخوان إلى تشويه قيادات التيار السلفى خلال الفترة المقبلة، ومحاصرة منازلهم، وقد يمتد الأمر إلى ممارسات عنيفة ضدهم بحسب قوله. ونتيجة تخوف «زيدان» من الممارسات العنيفة ضد السلفيين شدد على ضرورة تأمينهم من قبل قوات الشرطة. من جانبه، رأى وحيد الأقصري، رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي، أن الصراع السلفى الإخوانى يكشف عن سعى التيارات التى اعتبرها «متأسلمة»، نحو مصالحها الشخصية فقط. وتابع: «حزب النور كان يصطنع تأييد الإخوان وقت وجودهم فى السلطة، لكنهم تخلوا عنهم عقب الإطاحة بمرسى»، مشيراً إلى ضرورة الحذر من مواقف السلفيين المتقلبة والتى لا تتقابل مع مصلحة الدولة. وقال «الأقصرى»، إن السلفيين هم الوجه الأكثر مرونةً ودبلوماسيةً للإخوان لذا وجب الحذر منهم، موضحاً أن الصراع بين الطرفين حول مسودة الدستور لن يؤثر بأى شكل على تصويت المصريين ب«نعم» خلال الاستفتاء. وتوقع حسين عبدالرازق، القيادى بحزب التجمع، عضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور المعطل، لجوء الإخوان إلى مزيد من إشاعة الفوضى فى البلاد لعدم الاستمرار فى تنفيذ خارطة الطريق. وقال: «إن تأييد حزب النور للمسودة النهائية وضع الجماعة فى مأزق كونه يغلق الباب أمام حملاتها السلبية ضد الدستور المعدل، والتى تتركز على ابتعاده عن الشريعة الإسلامية». وتابع: «الإخوان سيفعلون أى شىء لوقف عملية الاستفتاء، لذا أتوقع قيامهم بأعمال عنف أمام اللجان الانتخابية لتخويف المواطنين من النزول والمشاركة».