أعطاه الله الملك ونزعه منه بعد عام، خرج من السجن إلى عرش مصر ثم عاد إلى السجن مرة أخرى، القدر وتقلباته كان له الرأي الفصل في توجيه حياة محمد محمد مرسي عيسي العياط، فالقدر غير من مسار أستاذ الهندسة بجامعة الزقازيق من البرش إلي العرش، ومن العرش إلي البرش. الأقدار لعبت لعبتها مع مرسي، فهو الابن البكر لفلاح بسيط، ولد في 20 أغسطس 1951، بقرية العدوة مركز ههيا بمحافظة الشرقية، لم يكد يبلغ العام الأول من عمره حتي قامت ثورة 23 يوليو 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي والاستعمار الإنجليزي والإقطاع جميعا، وبشرت بمجتمع بقيم جديدة وفتحت أبواب الجامعات أمام أبناء المصريين مع مشروعات الزعيم جمال عبدالناصر، لمجانية التعليم والسماح لأبناء الفقراء بآفاق أرحب، في ظل هذه الظروف وهذا العصر نشأ مرسي وتعلم في مدارس الشرقية، قبل أن ينتقل إلي القاهرة ليدخل جامعتها الشهيرة، التي كانت محرمة علي غالبية المصريين قبل عصر عبدالناصر. في الجامعة وتحديداً كلية الهندسة، أنهي مرسي حياته الدراسية كطالب بامتياز مع مرتبة الشرف سنة 1975 لكنه بدأ نشاطه السياسي علي استحياء في نفس الفترة، فقد بدأ في التعرف علي فكر جماعة الإخوان المسلمين التي تعد كلية الهندسة، بالإضافة إلي كلية الطب بجامعة القاهرة معاقل رئيسية لها، ربما يكون قد تعرف واستمع لطالب جامعي في كلية الطب كان معروفاً بنشاطه الجم، يعرف باسم عبدالمنعم أبوالفتوح، وسيكون منافسه في انتخابات الرئاسة فيما بعد، وربما يكون محمد مرسي قد دخل الجماعة بتأثير من فتاها الأول أبوالفتوح، الذي أعاد نشر فكر الإخوان في جامعة القاهرة في تلك الفترة واستقطب العديد من شباب الجامعات لفكر الإخوان، وهو ما أهله لحمل لقب المؤسس الثاني لجماعة الإخوان بعد حسن البنا. لم يعرف عن مرسي انتمائه يوماً للمؤسسة العسكرية، ولم تتجاوز علاقته بهذه المؤسسة أداء الخدمة العسكرية في منتصف السبعينيات، مجنداً بسلاح الحرب الكيماوية بالفرقة الثانية مشاة، ربما يكون التقي بأحد قيادات المجلس العسكري أثناء خدمته، لكنه بالتأكيد لم يلتق المشير طنطاوي الذي كان وقت خدمة مرسي ملحقاً عسكرياً في باكستان. دخل «مرسي» جماعة الإخوان وانضم للتنظيم في عام 1979، وكان انضمام مرسي للإخوان في وقت تشهد الجماعة ازدهارا علي مستوي العمل في الشارع، فالرئيس محمد أنور السادات سمح للتيارات الإسلامية بالعمل بكل حرية في صراعه مع أنصار الفكر الناصري واليسار المصري عموماً، لكن مرسي لم يهتم بهذا الصراع ولا التحالفات التي تقام هنا وهناك، لأنه في نهاية السبعينيات كان يخطو خطوات ثابتة في حياته الأكاديمية، فقد حصل علي ماجستير في هندسة الفلزات سنة 1978، فيما عقد قرانه علي شريكة سنوات العمر القادمة، في 30 نوفمبر 1978 أنجب منها أولاده الخمسة أحمد وشيماء وأسامة وعمر وعبد الله، وتفتحت أعين أبناء مرسي علي الحياة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعيداً عن دولة مبارك، فقد سافر مرسي لاستكمال تعليمه الأكاديمي في الولاياتالمتحدة نظراً لتفوقه، ولم يعرف عنه نشاط داخل تنظيم الجماعة طوال الثمانينيات. وبعد عودته من الولاياتالمتحدة عين في جامعة الزقازيق كأستاذ ثم رئيس قسم هندسة المواد بكلية الهندسة، في هذه الفترة كانت جماعة الإخوان المسلمين تعقد اتفاقات مع أحزاب الوفد والعمل من أجل الدفع بأعضاء الجماعة علي قوائم تلك الأحزاب تحايلاً علي التعنت الأمني ضد جماعة الإخوان، وهي تحالفات أدت إلي غضب رجال الحزب الوطني فدفعوا لحل البرلمان. مع مطلع التسعينيات بدأ مرسي يكثف من عمله التنظيمي، فاختير عضواً بلجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية، كما اختير عضواً بالقسم السياسي بجماعة الإخوان منذ تأسيسه في عام 1992. وعندما قررت جماعة الإخوان دخول انتخابات برلمان 1995 دفعت بمرسي إلا أن الحظ لم يبتسم له إلا في انتخابات 2000 وأصبح عضواً بمجلس الشعب والمتحدث الرسمي باسم كتلة الإخوان البرلمانية، وفي 2005 تدخلت أجهزة الأمن لإسقاط مرسي علي الرغم من تحقيقه فارقاً كبيراً عن أقرب منافسيه وتلاعبت أجهزة الأمن التي هالها التقدم الإخواني في الجولة الأولي بعد الحصول علي 88 مقعداً، فصدرت الأوامر بإسقاط جميع مرشحي الجماعة وكان منهم مرسي. وشارك مرسى في تأسيس الجبهة الوطنية للتغيير الأولي في سنة 2004، كما شارك في تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير في عام 2010 التي تصدرها اسم الدكتور محمد البرادعي، وبعد الثورة انتخبه مجلس شوري الجماعة رئيساً لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة بعد أن كان عضواً بمكتب الإرشاد. وقفت الأقدار دوما بجانب مرسي، فهو لم يكن قيادياً إخوانيا بحجم عبدالمنعم أبوالفتوح أو خيرت الشاطر، وهما من كان الجميع يتوقع نجاح أحدهما في الانتخابات الرئاسية عندما أعلنا ترشحهما، ووافق «مرسي» على خوض الانتخابات الرئاسية كمرشح احتياطي لخيرت الشاطر مرشح الجماعة الأصلي، وعندما أقصت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية «الشاطر» من السباق الرئاسي، أصبح مرسي مرشح الجماعة الرسمي الوحيد، في مواجهة مرشحي الثورة حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح وخالد علي، الذين تساقطوا تباعاً، ولم يبق في مواجهة مرسي إلا أحمد شفيق المحسوب علي النظام السابق وفلول الحزب الوطني، هنا أصبح مرسي للمرة الثانية مرشحاً للثورة، بعد أن رأي الثوار أن فوز شفيق يعني انتهاء ثورة 25 يناير، فقرروا دعم مرسي، ليصبح مرشح الإخوان والثورة ويقود التحالف بين مختلف القوي الوطنية ليدخل قصر العروبة كأول رئيس مدني في تاريخ مصر. جرب مرسي الاعتقال أكثر من مرة أولها كانت في مايو 2006 عندما خرج ليؤيد تيار استقلال القضاة فألقت قوات الأمن القبض عليه من أمام محكمة شمال القاهرة ومجمع محاكم الجلاء بوسط القاهرة، وتم الإفراج عنه في ديسمبر من نفس العام. المرة الثانية التي دخل فيها مرسي المعتقل، كانت الأخيرة التي زار فيها «البرش» صبيحة جمعة الغضب في 28 يناير 2011 عندما ألقت قوات أمن الدولة القبض عليه، بالإضافة إلي 34 من قيادات الجماعة، لمنعهم من المشاركة في الثورة المصرية، وعندما فتحت السجون وهرب المساجين، رفض مرسي الخروج وباب السجن مخلوع، والأمن غائب والطريق سالك، واتصل بالفضائيات وطالب الجهات القضائية بالانتقال لمقر السجن والتحقق من موقفه القانوني وأسباب اعتقاله، قبل الإفراج عنه، إلا أنه اضطر للخروج من السجن عندما لم تصل أي جهة قضائية للتحقيق في يوم 30 يناير. ومنذ اليوم الأول لتوليه السلطة، بدا واضحاً أن برنامج الرئيس مرسي للمائة يوم الأولى من حكمه لم يقم أدنى اعتبار للتطلعات نحو التحول الديمقراطي وساءت الأحوال بدخول البلاد في عدد من الأزمات الكبرى، بدا فيها واضحاً الاستخفاف باستقلال السلطة القضائية والتربص بوسائط الإعلام والسعي المحموم لتطويق أعمال الاحتجاج السلمي والحراك الاجتماعي، وتواصل الهجوم الإعلامي والتشريعي والملاحقات القضائية بحق نشطاء حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني. وارتكبت جماعة الإخوان أخطاء قاتلة خلال حكم مرسي أحدثت صدعاً كبيراً بينها وبين قوى مدنية وليبرالية وتسببت بتنامي غضب شعبي أنهى حكم مرسي وقاد الجماعة إلى مصير مجهول. وخلال عام من حكم مرسي توالت خلاله أخطاء استراتيجية لجماعة الإخوان نسفت بحكم الجماعة وقادت النظام المصري بقيادة مرسي إلى الهاوية، أخطاء لم تقتصر بحسب اتهامات المعارضة على عدم قدرة جماعة الإخوان على احتواء القوى المدنية والليبرالية، بل تخطتها إلى سوء الإدارة ومحاولات الجماعة أخونة مؤسسات الدولة. وأبرز أخطاء الجماعة كان تمريرها الدستور الجديد رغم رفض المسيحيين وجميع القوى المدنية له، وكان ذلك كفيلاً بإحداث صدع كبير بين جماعة الإخوان وباقي القوى المدنية والسياسية. صدع بدأ بالتنامي بعد سلسلة تغييرات أحدثها مرسي في حكومة هشام قنديل، بتعيينه محافظين جدداً ورفضه لمبدأ حكومة توافق وطني، الأمر الذي أفقده عدداً من حلفائه المستقلين ومن حزب الوسط. كذلك تسببت حادثة إقالة مستشار الرئيس خالد علم الدين، عضو الهيئة القيادية العليا في حزب النور السلفي، في إحداث أزمة ثقة بين الطرفين دفعت بالأخير بعدها الى إصدار بيانات تدعم مطالب المتظاهرين في الميادين المصرية. أزمة ثقة أخرى ارتسمت بين مرسي والمؤسسة الأمنية بدأت بحالة سخط في المؤسسة العسكرية أعقبت سرعة إقالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس هيئة الأركان الفريق سامي عنان، وانتهت بخروج عشرات من ضباط وعناصر الشرطة في مسيرات لمساندة حركة تمرد، بعد اتهام مرسي المؤسسة الأمنية بعجزها عن حماية مقرات الجماعة. واتهم مرسي كذلك بسوء إدارة الأمور مع المؤسسات الصحفية، بل وصف الإعلاميين ب «منتهكي القانون والمتهربين من الضرائب». ولم يبخل مرسي كذلك بتوجيه خطابات تنفيرية لاذعة للمعارضة، وصف فيها من انتشروا في ميادين مصر بفلول النظام السابق وممن ينفذون مخططاً تخريبياً بدعم من الخارج. وإلى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية وتراجع معدلات العمل والاستثمار خلال حكم الجماعة اتهمت الأخيرة بتهميش الفئات المجتمعية بما فيها تلك التي صنعت الثورة، الأمر الذي أسهم في انضمام فئات جديدة إلى حركة تمرد، ارتفع معها سقف التوقيعات المليونية التي أغرقت حكم مرسي وجماعته، حيث خرج الملايين من أبناء الشعب الغاضب فى مظاهرات 30 يونية الماضى في محافظات عدة، نظمتها أحزاب وحركات معارضة للرئيس الإخوانى، وطالب المتظاهرون برحيل الرئيس محمد مرسي، الذي أمضى عامًا واحدًا في الحكم، وفي يوم 3 يوليو أعلن وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي إنهاء حكم محمد مرسي، وتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار عدلي منصور، وأعلن عن خارطة طريق للفترة الانتقالية ليعود الرئيس المعزول محمد مرسى إلى السجن مرة أخرى ليدفع ثمن أخطاء جماعته فى حق مصر.