يبدو الدكتور محمد مرسي الرئيس الجديد لمصر ما بعد 25 يناير مختلفا تمام الاختلاف عن سابقيه، فهو من خلفية مدنية وعضو جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة منذ سنوات قليلة، إلا أن القدر وتقلباته كان له الرأي الفصل في توجيه حياة محمد محمد مرسي عيسي، فالقدر غير من مسار ومسيرة أستاذ الهندسة بجامعة الزقازيق.. من القصر إلي السجن، ومن السجن إلي القصر، تبدو متلازمة تعكس تاريخ مصر في العامين الأخيرين، وتربط بين الرئيس السابق حسني مبارك والرئيس الحالي محمد مرسي، فإذا عدنا بالذاكرة لبداية عام 2011م نجد مبارك يتصدر المشهد ويجمده، عندما كانت ضحكته تجلجل احتفالا بتزوير الحزب الوطني للانتخابات البرلمانية، وقال جملته الشهيرة "خليهم يتسلوا"، في حين كان القيادي الإخواني محمد مرسي في معتقلات النظام، لا لأنه مدان بجرائم قتل أو سرقة ولكن لأنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة وقتها، الآن تبدو الأوضاع معكوسة فسيد القصر أصبح رهين السجن، ونزيل البرش انتقل إلي القصر. فمرسي قد جرب الاعتقال أكثر من مرة أولها كانت في مايو 2006 عندما خرج ليؤيد تيار استقلال القضاة فألقت قوات الأمن القبض عليه من أمام محكمة شمال القاهرة ومجمع محاكم الجلاء بوسط القاهرة، وتم الإفراج عنه في ديسمبر من نفس العام. المرة الثانية التي دخل فيها مرسي المعتقل، كانت الأخيرة التي زار فيها "البرش" صبيحة جمعة الغضب في 28 يناير 2011 عندما ألقت قوات أمن الدولة القبض عليه بالإضافة إلي 34 من قيادات الجماعة، لمنعهم من المشاركة في الثورة المصرية، وعندما فتحت السجون وهرب المساجين، رفض مرسي الخروج وباب السجن مخلوع، والأمن غائب والطريق سالك، واتصل بالفضائيات وطالب الجهات القضائية بالانتقال لمقر السجن والتحقق من موقفه القانوني وأسباب اعتقاله، قبل الإفراج عنه، إلا أنه اضطر للخروج من السجن عندما لم تصل أي جهة قضائية للتحقيق في يوم 30 يناير. لم يدخل مرسي السجن في جرائم مخلة، فهو لم يسرق ولم يرتش، تختلف مع مواقفه ربما لكنك تحترم دخوله السجن لرأي رآه واعتقادا ظل راسخا عليه في زمن صعب كان اللصوص هم السادة ومن تفتح لهم أبواب البلاد، علي العكس من مبارك الذي يدخل السجن مكللا بالعار والخزي، ملحوقا باللعنات وحكم الإدانة تاريخا وقضاء قد دمغ سنوات حكمه الثلاثين. الأقدار لعبت لعبتها مع مرسي، فهو الابن البكر لفلاح بسيط، ولد في 20 أغسطس 1951م، بقرية العدوة مركز ههيا بمحافظة الشرقية، لم يكد يبلغ العام الأول من عمره حتي قامت ثورة 23 يوليو 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي والاستعمار الإنجليزي والإقطاع جميعا، وبشرت بمجتمع بقيم جديدة وفتحت أبواب الجامعات أمام أبناء المصريين مع مشروعات الزعيم جمال عبد الناصر،لمجانية التعليم والسماح لأبناء الفقراء بآفاق أرحب، في ظل هذه الظروف وهذا العصر نشأ مرسي وتعلم، في مدارس الشرقية، قبل أن ينتقل إلي القاهرة ليدخل جامعتها الشهيرة، التي كانت محرمة علي غالبية المصريين قبل عصر عبد الناصر. في الجامعة وتحديدا كلية الهندسة، أنهي مرسي حياته الدراسية كطالب، بامتياز مع مرتبة الشرف سنة 1975 لكنه ابتدأ نشاطه السياسي علي استحياء في نفس الفترة فقد بدأ في التعرف علي فكر جماعة الإخوان المسلمين التي تعد كلية الهندسة بالإضافة إلي كلية الطب بجامعة القاهرة معاقل رئيسية لها، ربما يكون قد تعرف واستمع لطالب جامعي في كلية الطب كان معروفا بنشاطه الجم، يعرف باسم عبد المنعم أبو الفتوح، وسيكون منافسه في انتخابات الرئاسة فيما بعد، وربما يكون محمد مرسي قد دخل الجماعة بتأثير من فتاها الأول أبو الفتوح، الذي أعاد نشر فكر الإخوان في جامعة القاهرة في تلك الفترة واستقطب العديد من شباب الجامعات لفكر الإخوان، وهو ما أهله لحمل لقب المؤسس الثاني لجماعة الإخوان بعد حسن البنا. لم يعرف عن مرسي انتماؤه يوما للمؤسسة العسكرية، ولم تتجاوز علاقته بهذه المؤسسة أداء الخدمة العسكرية في منتصف السبعينيات، مجندا بسلاح الحرب الكيماوية بالفرقة الثانية مشاة، ربما يكون قد التقي بأحد قيادات المجلس العسكري أثناء خدمته، لكنه بالتأكيد لم يلتق المشير طنطاوي الذي كان وقت خدمة مرسي ملحقا عسكريا في باكستان. دخل مرسي جماعة الإخوان وانضم للتنظيم في عام 1979 وكان انضمام مرسي للإخوان في وقت تشهد الجماعة ازدهارا علي مستوي العمل في الشارع، فالرئيس السابق محمد أنور السادات سمح للتيارات الإسلامية بالعمل بكل حرية في صراعه مع أنصار الفكر الناصري واليسار المصري عموما، لكن مرسي لم يهتم بهذا الصراع ولا التحالفات التي تقام هنا وهناك، لأنه في نهاية السبعينيات كان يخطو خطوات ثابتة في حياته الأكاديمية فقد حصل علي ماجستير في هندسة الفلزات سنة 1978م. فيما عقد قرانه علي شريكة سنوات العمر القادمة، في 30 نوفمبر 1978 أنجب منها أولاده الخمسة أحمد وشيماء وأسامة وعمر وعبد الله، أبناء مرسي تفتحت أعينهم علي الحياة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعيدا عن دولة مبارك، فقد سافر مرسي لاستكمال تعليمه الأكاديمي في الولاياتالمتحدة نظرا لتفوقه، ولم يعرف عنه نشاط داخل تنظيم الجماعة طوال الثمانينيات. هنا يظهر جانب من الجوانب التنظيمية المدهشة لجماعة الإخوان المسلمين، فأعضاء الجماعة عندما كانوا يجدون أحد الاعضاء قد برز في مجال ما، يتركونه ولا يطالبونه بأي أعمال داخل الجماعة حتي لا تعترض طريقه الأجهزة الأمنية، وتقف حجر عثرة أمام قرار تعيينه، وبعد أن يدخل السلم الجامعي، يعود إلي نشاطه التنظيمي من جديد، ربما يفسر لنا هذا العدد الكبير لحاملي درجة الدكتوراه داخل جماعة الإخوان الذين يمارسون التدريس في الجامعات المصرية المختلفة علي الرغم من التضييق الأمني علي الجماعة وأفرادها أغلب فترات عصر مبارك. بعد عودته من الولاياتالمتحدة عين في جامعة الزقازيق كأستاذ ثم رئيس قسم هندسة المواد بكلية الهندسة،في هذه الفترة كانت جماعة الإخوان المسلمين تعقد اتفاقات مع أحزاب الوفد والعمل من أجل الدفع بأعضاء الجماعة علي قوائم تلك الأحزاب تحايلا علي التعنت الأمني ضد جماعة الإخوان، وهي تحالفات أدت إلي غضب رجال الحزب الوطني فدفعوا لحل البرلمان. مع مطلع التسعينيات بدأ مرسي يكثف من عمله التنظيمي، فاختير عضوا بلجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية، كما اختير عضوا بالقسم السياسي بجماعة الإخوان منذ تأسيسه في عام 1992. وعندما قررت جماعة الإخوان دخول انتخابات برلمان 1995 دفعت بمرسي إلا أن الحظ لم يبتسم له إلا في انتخابات 2000 وأصبح عضوا بمجلس الشعب والمتحدث الرسمي باسم كتلة الإخوان البرلمانية، وفي 2005 تدخلت أجهزة الأمن لإسقاط مرسي علي الرغم من تحقيقه فارقاً كبيراً عن أقرب منافسيه، إلي أن تلاعبت أجهزة الأمن التي هالها التقدم الإخواني في الجولة الأولي بعد الحصول علي 88 مقعدا، فصدرت الأوامر بإسقاط جميع مرشحي الجماعة وكان منهم مرسي. بعيدا عن المجلس الذي لن يدخله مرسي بعد ذلك إلا رئيسا، شارك في تأسيس الجبهة الوطنية للتغيير الأولي في سنة 2004 .كما شارك في تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير في عام 2010 التي تصدرها اسم الدكتور محمد البرادعي.وبعد الثورة انتخبه مجلس شوري الجماعة رئيسا لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة بعد ان كان عضوا بمكتب الإرشاد. كانت الأقدار محبة دوما لمرسي، فهو لم يكن قيادياً إخوانيا بحجم عبد المنعم أبو الفتوح أو خيرت الشاطر، وهما من كان الجميع يتوقع نجاح أحدهما في الانتخابات الرئاسية عندما أعلنا ترشحهما علي التوالي، ولم يرفض مرسي أن ينزل الانتخابات الرئاسية كمرشح احتياطي لخيرت الشاطر مرشح الجماعة الأصلي، وعندما أقصت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، الشاطر من السباق الرئاسي، أصبح مرسي مرشح الجماعة الرسمي الوحيد، في مواجهة مرشحي الثورة حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح وخالد علي، الذين تساقطوا تباعا، ولم يبق في مواجهة مرسي إلا أحمد شفيق المحسوب علي النظام السابق وفلول الحزب الوطني، هنا أصبح مرسي للمرة الثانية مرشحاً للثورة، بعد أن رأي الثوار أن فوز شفيق يعني انتهاء ثورة 25 يناير، فقرروا دعم مرسي، ليصبح مرشح الإخوان والثورة ويقود التحالف بين مختلف القوي الوطنية ليدخل قصر العروبة كأول رئيس مدني في تاريخ مصر. لينطبق عليه قول المتنبي: وإذا العناية لا حظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان