يقصد بالثقافة القيم والمعتقدات والاتجاهات السائدة في مجتمع معين ويرتبط بها أيضا مظاهر وأساليب الإبداع المختلفة في الأدب والمسرح والسينما والفنون الشعبية والشعر وغيرها من مظاهر الإبداع والتي تعطي لأي مجتمع شخصيته المتميزة أو خصوصيته والتي يمكن في سياق معين أن تؤثر على الآخرين. ويمكن القول بوجود علاقة ارتباطية وثيقة بين السياسة والثقافة في مصر، ففترات القوة السياسية والريادة المصرية لمنطقتها كانت ترتبط غالبا بفترات مد وتأثير ثقافي لمصر في محيطها نتيجة لنشاط ثقافي وإبداعي مؤثر، والعكس صحيح ففترات التراجع في التأثير السياسي المصري في المنطقة كان غالبا ما يرتبط بضعف إن لم يكن تراجعا ثقافيا وكبتا للإبداع والتنوير، ونتيجة لذلك فإن الثقافة يمكن النظر إليها باعتبارها من مظاهر القوة الناعمة لمصر في سياستها الخارجية ودبلوماسيتها، ولذلك يكون من المرغوب فيه الحفاظ دائما على الدور الثقافي الرائد لمصر في منطقتها لما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار سياسية، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية والتي توضح ارتباط الثقافة والسياسة في حالة مصر. أولا: أن تأثير الثقافة المصرية على العديد من الدول العربية يمكن أن يتضح في أكثر من مجال ويتمثل ذلك في تأثير الجامعات المصرية والسينما المصرية والآداب من شعر ونثر ورواية والفنون المختلفة مما جعل من اللهجة المصرية لهجة محببة في كثير من الدول العربية والتي يمكن أن يتحدث بها أبناء تلك الدول، وربما ساهم في هذا التأثير أيضا تواجد العمالة المصرية والجاليات المصرية ذات الأعداد الكبيرة نسبيا في الدول العربية وخصوصا في الدول الخليجية وبالذات في مجال الوظائف الهامة والمرتبطة بالمصالح الحيوية لأبناء تلك الدول مثل أساتذة الجامعات والمدرسين والأطباء والمهندسين وغيرها من المهن التي تتقنها العمالة المصرية. ثانيا: إن الديمقراطية الناجحة تحتاج إلى ثقافة الديمقراطية ويقصد بذلك أن الديمقراطية لا تقتصر على الجوانب الشكلية مثل البرلمان والمؤسسات والانتخابات والدستور، بل هي ترتبط في المقام الأول بالقيم والمعتقدات والاتجاهات التي تساعد على تدعيم ونجاح الديمقراطية مثل قيمة قبول الآخر والابتعاد عن التعصب والتصلب في الرأي والفكر وهو ما يعبر عنه بقيمة التسامح ،كما تتطلب الديمقراطية أيضا توافر قيمة التعددية ويقصد بذلك التعددية بمعناها الواسع أي تعددية الآراء والأفكار والمعتقدات وتعددية الأحزاب وتعددية الحلول المطروحة للمشكلات وتعددية وسائل التعبير عن الرأي والفكر، كما يفترض أن تنطوي الديمقراطية السليمة على قيمة أخرى هامة وأصيلة وهي قيمة تداول السلطة أي أن من يفوز في الانتخابات (رئاسية أو برلمانية) لن يظل في السلطة إلى الأبد، بل يمكن أن يتحول من السلطة والحكم إلى المعارضة وأن تصل المعارضة إلى السلطة والحكم، مما يعكس أن هذه القيم المرتبطة بثقافة الديمقراطية هي العنصر الحاسم في إنجاح الديمقراطية والتي تفوق في أهميتها الجوانب الشكلية والمؤسسية نظرا لأن تواجد ثقافة الديمقراطية يؤثر على السلوك السياسي للمواطن ويؤدي إلى أن تعمل الديمقراطية بكفاءة ونجاح وفاعلية وربما هذا ما تحتاجه مصر وهي تتحول نحو الديمقراطية. ثالثا: إن المثقفين والمبدعين يمثلون النخبة الفكرية للمجتمع، وتقع عليهم مسئولية القيادة الفكرية والثقافية للمجتمع والبحث عن حلول لمشكلاته، وهم يعتمدون في ذلك على قدرتهم على التخيل والبحث عن حلول غير تقليدية، مع ملاحظة عدم الانعزال عن عامة الشعب، فالمهارة الحقيقية للمثقف والمبدع في هذه الظروف التي تمر بها مصر هي أن يكون لديه القدرة على التواصل مع عامة الشعب وأن ينقل إليهم الآراء والأفكار الصحيحة ويسهم في عملية التنوير دون تعالي ودون ازدراء للشعب الذي خرج منه وينتمي إليه، فارتباط المثقف بجذوره وأصوله وعدم انعزاله عن المواطن،وحفاظه على الهوية المصرية الأصيلة وعدم الذوبان في ثقافات وهويات الآخرين تعتبر خط الدفاع الأول للثقافة المصرية والخصوصية المصرية تجاه الغير،وهو ما يمكن التعبير عنه بالدور السياسي والاجتماعي والتنويري للمثقف المصري. رابعا: ضرورة الاهتمام وتحسين دور المثقف في الهرم الاجتماعي والاقتصادي وفي التركيز الإعلامي، فمن الملاحظ في حالات متكررة أن المثقف يأتي في مكانة دنيا في الهرم الاقتصادي ويعاني العديد من المثقفين من ضغوط الحياة الاقتصادية وضغوط المعيشة اليومية مما يستهلك جزءا كبيرا من نشاط ووقت المثقف لتدبير أمور المعيشة اليومية ولو في حدها الأدنى وغالبا ما يكون ذلك على حساب قدراته الابتكارية والإبداعية والتنويرية، وهو ما يتطلب أن توجه الدولة اهتماما خاصا بالثقافة والمثقفين فيما تتخذه من سياسات وقرارات وكذلك في الموازنة العامة للدولة، فالمطلوب دائما أن تكون للمثقف وللثقافة مكانتها المتميزة وأن يلقى المثقف والمبدع ما يستحق من اهتمام على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والإعلامي وذلك حتى لا يحدث تناقض بين الدور الإبداعي للمثقف من جانب وبين الضغوط المعيشية من جانب آخر. خامسا: تمكين المثقف من المشاركة السياسية والتمثيل في المؤسسات السياسية الهامة وخصوصا البرلمان، فمن الملاحظ أن الانتخابات العامة وما تنطوي عليه من شد وجذب ومنافسة وصراع فضلا عما تتطلبه من نفقات مالية كبيرة وما تنطوي عليه من عنف انتخابي أو عمليات بلطجة في كثير من الأحيان تنعكس سلبا على المثقفين وتجعلهم غير راغبين في خوض الصراعات الانتخابية ولذلك قد يكون من المرغوب فيه التغلب على هذا النقص في تواجد المثقفين في المجلس التشريعي من خلال التعيين وذلك حتى يصل صوت الثقافة إلى السياسة، ويسهم المثقف من خلال المؤسسات السياسية في تدعيم السياسة والتوجهات الثقافية للوطن واستعادة أحد الأسس الهامة للقوة الناعمة المصرية وبما يحقق مصلحة الوطن.