لم يكن العام الماضي كغيره من الأعوام سواء بالنسبة للعمال، فقد شهدت مصانع وشركات مصر صمودا غير عادي من العمال من أجل الحصول علي حقوقهم المنهوبة، فرأينا العمال والعاملات يبيتون في الشوارع لفترات طويلة في اعتصامات مفتوحة رافضين الوعود البراقة بالحل، متمسكين بالتنفيذ الفعلي للاتفاقات، رغم كل الضغوط الأمنية التي وصلت للاعتداء بالضرب في بعض الأحيان. حتي بعدما حدث التغيير الذي تطلع إليه جميع المصريين، لم يجد العمال فيه بغيتهم، صحيح أنهم عنصر هام من عناصر التغيير، وصحيح أنهم يرغبون في العيش في بلد ديمقراطي، لكن هذا لا يكفي في ظل طردهم من أعمالهم، وحرمانهم وأسرهم من أجورهم ومصادر رزقهم الوحيد، والانتقاص من حقوقهم في ظل الارتفاع الرهيب في الأسعار. وإذا كان هذا هو حال عمال المصانع والشركات، تري ماذا سيكون وضع عمال التراحيل الذين لا يملكون مصدراً ثابتاً للرزق، ولا يتمتعون بنظرة حكومة تعتبرهم أصفاراً علي اليسار؟ في كل مدينة لابد من وجود مكان يتجمع فيه العمال الذين يبحثون عن عمل ويعرضون خدماتهم علي الراغبين فيها وهم علي الغالب يمتهنون الأعمال الشاقة التي لا يستطيع أن يقدم عليها غيرهم، ورغم أن عددهم كبير والجهد الذي يبذلونه شاق إلا أنهم يعتبرون شريحة مهمشة من المجتمع لا تتمتع بأي حقوق نقابية أو فرص تضمن استمرارية عملهم. »الوفد الأسبوعي« قصدت ميدان الأردنية بمدينة العاشر من رمضان، حيث يتجمع عمال الأردنية الذين تعرفهم بجباه تقطر عرقاً وسواعد أسهمت في بناء العديد من المشروعات الكبري في العاشر وغيرها. يتجمعون حاملين عِددهم المكونة من (مرزبات وكريك ومقاطف) توقفنا أمام ثلاثة عمال بصحبتهم طفلان يجلسون تحت إحدي الأشجار التي تنتشر في الميدان ينتظرون الفرج، تحدث ناصر عبد الغفار احمد عن رحلته من المنيا إلي هنا قائلا: أعمل هنا منذ عامين وكنت أقول الحمد الله علي الرزق الحلال بس بصراحة بعد الثورة الحال انقلب كل يوم نخرج إلي هنا واغلب الأيام نعود الي السكن بدون شغل، قبل الثورة كنت باشتغل أربعة وخمسة أيام في الأسبوع أما الآن فيوم أو يومين بالعافية. سألته عن أجره وعن أحلامه، فصمت بعض الوقت ثم قال: اليومية خمسين جنيه وحلمي إني أوفر 15 ألف جنيه علشان أعمل عملية تمكنني من الإنجاب لأصبح أبا مثل غيري. قطع الحديث صديقه عبد المنعم مخيمر قائلاً: أنا والله تركت في المنيا زوجتي وبناتي لأن الزراعة هناك مش جايبة همها، وقلت هنا هيكون أحسن لكن زي ما انت شايف الكل قاعد مستني الفرج. نظرت في وجهة الطفل الذي كان بجواره ويدعي ايمن بالصف الاول الثانوي وسألته عن سبب تواجده هنا قال: من أجل مساعدة والدي، سألته عن الثورة وأحلامه فقال: الثورة حلوة وعملت حاجات كتير بس مش هضحك عليك الحال وقف أما عن أحلامي فأكيد هاخلص الدراسة وأدور علي فرصة للسفر إلي الخارج . أما محمد الطالب بالصف الثاني الإعدادي فقال: أنا كنت باشتغل في البلاد عندنا ب 7 جنيهات في اليوم كنت آخذ منهم 2 جنيه وأعطي الباقي لأمي، لكن دلوقتي بقول ياريت اكون في البلاد احسن، فجأة ظهر شخص سألني عن هويتي فشرحت له الموضوع فقال لي: يعني انت هنا علشان تشوف احوالنا ايه؟ اهو زي ما أنت شايف الكل منتظر الفرج ده لو انت وقفت من الارض ووقفنا احنا حولك سوف تجد الناس دي كلها جاية جري، سمعت بنصيحته ووقفت علي قدمي فإذا بالميدان كله يتجمع حولي بعد أن حسبوني صاحب عمل يبحث عن عمال بناء. بعد أن عرفوا الحقيقة سألتهم عن مطالبهم فقالوا: قول لوزير المالية إحنا عاوزين زي ما أعطيت الموظفين زيادة في المرتبات احنا كمان عاوزين اعانة البطالة اللي وعدت بيها.. البلد مش موظفين بس، حاولت تهدئتهم بعدما شعرت أن ميدان الأردنية سيتحول إلي ميدان تحرير جديد، وبدأت الحديث إليهم واحداً واحداً، فقال رضا عوض: أعمل هنا منذ 10 سنوات، وبصراحة مفيش تغير حصل بعد الثورة، السرقة زي ما هي والبلطجة زادت بس الفرق كان الأول فيه سرقة والحال ماشي أما الآن في سرقة والحال وقف ومش لاقي اشتغل ومش عارف أأكل أولادي الخمسة منين. وأضاف رمضان من فاقوس شرقية قائلاً: بصراحة الحال كان ماشي حتي يوم 20 فبراير وبعد كده الحال وقف علي الكل لأن مفيش أمن وزي ما أنت شايف الشرطة واقفة ومفيش حد بيسأل، هل ده علشان نحس إن مبارك كان أفضل؟ الشاب السيد عليوة طالب في كلية اللغة العربية يقول أنا كنت قبل كده باقدر من خلال الشغل أوفر ثمن الكتب ومصاريف الدراسة أما الآن في الشهرين دول مفيش أي شغل خالص، وقال خالد 28 سنة: كنت أعمل في أحد المخابز بشرم الشيخ وعندما أصبت في أصابع يدي اليمني وتم طردي وصرفت عليها تحويشة العمر في العلاج، وأنا الآن أجلس في الميدان أنتظر الفرج. وفي النهاية أثناء حديثي معهم لاحظت أنهم ينتمون لريف المحافظات وخاصة الصعيد وهو ما دفعني لسؤالهم عن سبب تركهم العمل في الأرض والتوجه إلي المدينة للعمل فيها فحدثني كثيرون عن أن الأرض لم تعد تعطي المردود الذي يمكن أن يكفي أسرهم الأمر الذي يدفعهم إلي النزول للمدينة للعمل، وهم بذلك يتحمّلون نفقات التنقل والسكن دون أن يحظوا أحياناً بعمل، وقالوا: لو كانت هناك مشاريع في الريف يمكن أن تشغل اليد العاملة لتوجهنا إليها ولم نترك أرضنا ولكن المشاريع محصورة في المدينة فقط ونحن مضطرون إلي ملاحقة لقمة العيش أينما ذهبَت.