عندما يحال الصحفي إلي المعاش بعد خدمة طويلة لصاحبة الجلالة مهنة المتاعب تصل أحيانا إلي أربعين سنة وربما أكثر فإنه من المفترض ان يتم تكريمه ويقول له المجتمع الصحفي شكرا، لكن ما يجري في الواقع غير ذلك تماما، فهو يتعرض للبهدلة، ويظهر ذلك في أمور ثلاثة تحديدا: يتم شطبه من جدول الصحفيين المشتغلين، وينتقل إلي جدول غير المشتغلين، ويترتب علي صرف معاش التقاعد من نقابة الصحفيين عدم حقه في الكتابة أو مباشرة أي عمل من أعمال الصحافة، ولا يجوز له بعدما يحصل علي معاش التقاعد أن يطلب إعادة قيده في جدول المشتغلين، وهذا الظلم ورد في القانون رقم 76 لسنة 1970 الخاص بإنشاء نقابة الصحفيين. الدواء علي حسابه بالمبلغ الضئيل الذي يتقاضاه من النقابة التي تتكفل فقط بتحمل العمليات الجراحية التي يجريها الصحفي العجوز المريض بما لا يزيد علي خمسة عشر ألف جنيه. أما الأدوية التي يحتاج إليها فلا تتحملها النقابة ويزيد الطين بلة إذا كان ما يحتاج إليه غالي الثمن مثل العلاج الكيماوي والفشل الكلوي وأدوية القلب والسكر إلخ.. يتقاضي الصحفي العجوز من نقابته مبلغ 800 جنيه فقط شهريا، ولا يتم صرفها بانتظام، فأحيانا يحصل علي معاشه في منتصف الشهر!! وفي إحدي المرات تم صرف شهرين معا لان مفيش فلوس! إخلال فادح بالمساواة! يقول الصحفي المخضرم «أحمد طوغان» وهو في التسعين من عمره المديد بإذن الله إن المادة 97 من قانون الصحفيين غير دستورية ولا يوجد لها مثيل في العالم، فهي تمنع الصحفي من الكتابة بمجرد إحالته إلي التقاعد وحصوله علي معاش نقابة الصحفيين، ولا تكتفي بذلك بل تحرمه من حق الترشيح والانتخاب لمجلس النقابة! ويضيف طوغان قائلا ان تلك الأوضاع الغريبة سببها أن النظام الحاكم في ذلك الوقت كان يريد التخلص من أصحاب الأقلام العواجيز، فوضع لهم هذا «الكمين» لان معظم المحالين إلي المعاش كانوا معروفين بمعارضتهم للأوضاع القائمة! ويضيف أحمد طوغان قائلاً: إن تلك المادة فيها إخلال فادح بالمساواة بين أبناء المهنة الواحدة، ويشرح ما يعنيه قائلاً: هناك صحفيون أصحاب شهرة ونجاح بلغوا من العمر ارذله، لكنهم لا يتقاضون معاشا من نقابة الصحفيين ويتمتعون بالتالي بكل حقوقهم، ويحق لهم الكتابة، أما أصحاب الأقلام «الغلابة» الذين يحتاجون بالفعل إلي معاش نقابتهم، فهم الذين يطبق عليهم حكم الإعدام فلا يجوز لهم النشر في الصحف وكله بالقانون!!.. إننا لا نطالب فقط بإلغاء هذه المادة بل أن يكون للصحفيين المحالين إلي المعاش ممثل لهم في مجلس النقابة مع حقهم الطبيعي في الترشيح والانتخاب. قضيتهم منسية والجدير بالذكر أن الصحفيين المحالين إلي المعاش وعددهم 1600 من أبناء مهنة المتاعب رفعوا دعوي أمام محكمة القضاء الإداري لإلغاء المادة 97 من قانون نقابة الصحفيين التي تطيح بحقوقهم وذلك منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولأن هؤلاء الصحفيين لا صوت لهم لذلك تبدو قضيتهم منسية ولا أحد يهتم بها! وقد التقيت بمحامي النقابة سيد أبوزيد وسألته عن آخر أخبار تلك القضية فأخبرني أنه لابد من تصحيح شكل الدعوي لان من قاموا برفعها ثلاثة هم أحمد طوغان وصلاح المراكبي «وعبدالوهاب عبد ربه» وقد توفي الأخير مؤخرا ومن المنتظر ان تعرض تلك الدعوي علي محكمة القضاء الإداري في الشهر القادم عندما تستأنف المحاكم أعمالها. مشكلة الدواء مستعصية ويقول أسامة داود مسئول العلاج بنقابة الصحفيين إن مشكلة الدواء بالنقابة مستعصية.. ويقصد من كلامه أن تمد النقابة يد المساعدة لهؤلاء الذين يطلبون المساعدة في تحمل جزء من ثمن الأدوية خاصة إذا كانت باهظة الثمن.. ويؤكد: أنه أمر صعب جدا تحقيقه في المستقبل المنظور علي الأقل، وعندما سألته عن السبب كانت إجابته المثل الشائع الذي يقول: «علي قد لحافك مد رجليك»! وشرح ما يعنيه قائلا: عدد المشتركين في مشروع العلاج ضخم جدا يقترب من عشرين ألفا، وهذا العدد يمثل الصحفيين وأسرهم، والمبالغ التي يدفعونها زهيدة جدا مقارنة بالنقابات الأخري، فمثلا الصحفي المحال إلي المعاش يدفع سنويا 56 جنيها بينما في نقابة الأطباء مثلا يدفع 220 جنيها، وكذلك أبناء الصحفي وزوجته فهم يدفعون مبالغ تقل كثيرا عما نجده في النقابات الأخري، وبالتالي فأيدينا مغلولة في تقديم العون لمن يريد مساعدته في شراء الدواء، ولابد من البحث عن حلول غير تقليدية تجري دراستها حاليا، ولا أستطيع الإفصاح عنها حتي تتحول إلي واقع، فلا يظل الأمر مجرد كلام في كلام! الإصرار علي تحكم الدولة ولكن لماذا يتأخر صرف المعاش للصحفيين؟ الإجابة أنها تأتي من الدولة.. من وزارة المالية تحديدا التي ترسل المبلغ المطلوب إلي المجلس الأعلي للصحافة ووزارة الإعلام، ويبلغ إجمالي ما ترسله مليونا و200 ألف جنيه، وأحيانا يتأخر المبلغ علي حساب مزاج المسئولين بالدولة! وفي الشهر الماضي أرسلت 400 ألف جنيه فقط مما أوقع النقابة في أزمة واضطرت إلي تغطية العجز من موارد أخري، ومن الواضح أن الدولة تصر علي التحكم في رقاب الصحفيين بدليل أنها لا ترسل المبلغ المطلوب إلي نقابة الصحفيين مباشرة بل إلي جهات أخري، وينطبق علي ما يجري المثل الشائع «ودنك منين يا جحا» فتلك الحكمة إنما تشير إلي الطرق الملتوية بعيدا عن الطريق المستقيم.