برحيلك.. رحل بعض من صباح ونبض من حياة، وتفجرت شمس للجراح، وهج للحب راح، فارحل هنيئا.. ضاحكا مستبشرا، واذهب سعيدا، ولتدع لقلوبنا نحن النواح، وداعا أيها الانسان.. الفنان، ها هى روحك الطاهرة تفك اسراها من قيد الحديد.. من الجسد العليل، لتحلق فى الفضاء الرحب الذى طالما تقت اليه، ها هى روحك تحلق بين الغمام بين أغصان الزيتون وأسراب الحمام، وقد كنت دوما دعوة للحب والسلام، ودعتنا فى يوم عيد لتكتسى فرحتنا بالسواد، وتتبدل فرحتنا بطعم المر، وكانت فرشاتك تهدينا بالألوان فى الأيام السود ألف عيد، فى الأيام العجاف سنابل للقمح، وفى أيام القحط أمطاراً وزيتوناً ورماناً، كانت ترسم من بين الدمع شمعة تنير الكون، ومن بين الحزن ابتسامة أمل فى الحياة، وها أنت ترحل، تترك الفرشاة والألوان ليجف فيها نبض الحياة. سلامة ضحا أيها الفنان، ليست مصادفة أن تسقط عليلا وثورة 25 يناير كانت تسرق، وتضيع فى الطرقات، ويتفرق دمها بين الفصائل والجماعات، ليس مصادفة أن يعفيك الله من شعور الآلام على وطنك الحبيب الذى عشقته لحد الثمالة وجرى فى دمائك مجرى العروق، وقد كانت مصر مدادا لقلمك وزهوة لفرشاتك، وقد عافاك الله من الشعور بأعظم ألم وأعظم حزن على ثورة مصر فى حينها، وعفاك من رؤية البلاد وهى تتقسم شيعا وجماعات، وعافاك من رؤية دماء المصريين وهى تستباح، ومن دين الاسلام وهو يكفر، ومن رؤية مصريين يتحولون إلى ارهابيين وأعداء للوطن.. يضربون فى جحود قلب الأم من أجل حفنة من مال أو كرسى سلطان إلى زوال، وكان فى غيبوبتك رحمة إلهية بك، حتى وإن عذبت تلك الغيبوبة أهلك ومحبيك، وكل من تتلمذوا على يديك. كان فى رحلة مرضك الطويلة التى امتدت لعامين ألف عبرة وعظة، كشفت رحلة مرضك قلوب المحبين لك، معدن الناس الطيبين، كانت أكف الزملاء فى الوفد لا تتوقف عن التضرع للسماء.. لأن يشفيك الله فتعود إلينا وإلى ألوانك، تلك أيدى المحبين تمتد لك بكل ما تستطيع لتساند الأسرة وهى تبذل كل ما لديها من غال ونفيس للوفاء بنفقات المستشفيات الاستثمارية، والتى تحولت الى مسالخ ومذابح للانسان ولجيوب المرضى، تتقاضى ثمن كل نفس للمريض وكل ابتسامة، عشرات الآلاف أنفقتها الأسرة بين المستشفيات والأطباء طلبا للشفاء، هربا من المستشفيات العامة، التى تفتقد لأبسط قواعد الآدمية، والتى تخلو من الطب والدواء وحتى من القطن والشاش ومن كل الرعاية الانسانية، وتتفنن فى إيذاء المرضى حتى يدركوا أن الموت أرحم لهم من البقاء تحت رعاية قلوب بلا رحمة، ولا أعرف أين هذه وتلك من رقابة وزارة الصحة، أم صارت صحة الانسان آخر ما يفكر فيها المسئولون بمصر. كان مرضك رحلة عذاب لزوجتك وأولادك، ولكل من أحبوك وكنت انت ساكنا مستسلما لقدرك، على وجهك ابتسامة رضا لا تفارقك، عيناك تجول حولك فى صمت وكأنك تتأمل الكون لترسمه فى ذهنك كلوحة أخيرة لن نراها، تتأمل من يتصارعون على السلطة والنفوذ والمال، من يمزقون أوصال مصر لمآرب فى أنفسهم، من ينفذون مخططات أعداء الوطن لمصالحهم الذاتية، من يتاجرون بالدين، ويقتلون ويعيثون فى الأرض فسادا باسم الدين، وهم لا يدركون، أنهم لن يخرقوا الأرض بأقدامهم، ولن تصل قامتهم للجبال طولا، ولن يعيشوا أبدا، ولن يخلدوا مهما بلغوا من مراكز، وأن كل شىء إلى زوال، وحين يوسد الانسان الثرى، لن يحتاج جسده إلا مترين من فجوة ظلماء تحت الأرض، ولن يأخذ معه قصر ومال ولا سلطة أو ولد، ولن يبقى منه إلا عمل صالح يشفع له، وولد صالح يدعو له، وأن من ظلمهم سيكونون شهداء ضده يوم العرض على الله، فالظلم ظلمات فى القبر ويوم الدين. سلامه ضحا، أحبك الله فطهرك فى الأرض أيما تطهيرا، ليقبضك إليه نقيا طاهرا مغسولا من كل ذنب بالماء والبرد والثلج، رحلت وتركت لنا بعضا من عذاب، وكثيراً من لوحات وذكريات، رحمك الله فقد كنت انسانا محبا للخير ولكل الناس، أحببت حتى من آذوك ولم يقدروا فنك حق تقديره، سلاما.. سلامة ضحا وقد رحلت مع لوحتك الذهنية الأخيرة حول مصر ثورة وشعبا، لوحة كنت أتمنى وغيري أن نراها بألوانك، ولكن برحيلك لن نراها ابدا، وداعا وإلى الملتقى تحت رحمة الله وشكرا لكل من وقفوا بجانبك فى الوفد حزبا وجريدة ولن أذكرهم بالاسم لأنهم كثر. هامش: تحية للأزهر الشريف ولدوره الاسلامى والوطنى العظيم، فلتعلم انك قبلتنا ومنارتنا، وأننا نعلق الان عليك آمالاً عظاماً وعليك مهام جساما، عليك أن تعيد المصريين الى صحيح الدين، عليك ان تنشر شيوخك الوسطيين المعتدلين بكل قوة بين جموع الشعب فى الداخل، وبين المسلمين فى الخارج، لتبصرهم بحقيقة الدين الاسلامى الوسطى المعتدل، ولتحميه من كل غلو وتشدد وتطرف، تحية لك لقرارك بمنع اعتلاء منابر المساجد إلا لشيوخ الأزهر، وذلك حماية لبيوت الله من تحويلها إلى مراكز ومنابر للصراعات السياسية أو لتشويه الدين بالتطرف، فكفانا ما شهدناه مؤخرا من أكاذيب وتدليس ومتاجرة باسم الدين، كنا نحتاج الى هذا القرار منذ أعوام طويلة، ولكن الوقت لم يفت بعد لاصلاح الخطأ وفقكم الله إلى ما فيه خير الدين وخير هذا الشعب والوطن العظيم.