تشرفت في الأيام القليلة الماضية بزيارة أكاديمية الشرطة وذلك في إطار وفد من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وكان الهدف من هذه الزيارة توقيع برتوكول للتعاون العلمي بين الكلية وأكاديمية الشرطة، وقد تضمن برنامج الزيارة والذي حضره السادة اللواءات من قيادات الأكاديمية التعرف على الأنشطة المختلفة للأكاديمية، وقد أثارت هذه الزيارة الكثير من الانبهار لدى جميع الزائرين سواء كان ذلك الانبهار متعلقا بالأنشطة التعليمية أو التدريب أو التنظيم أو المباني و المرافق ووسائل الإعاشة وقاعات المحاضرات وقاعة الاجتماعات والمؤتمرات فضلا عن الاهتمام بالدراسات العليا والجوانب الثقافية والرياضية ولقد تعرفنا على هذه الجوانب المختلفة والأنشطة المتعددة من خلال الشرح أو مشاهدة الأفلام الوثائقية المتعلقة بأنشطة الأكاديمية وطلابها، ومشاهدة بعض الأنشطة والعروض مثل الفروسية والرماية وغيرهما. ولقد أثارت هذه الزيارة في نفسي عدة ملاحظات هامه تتعلق بدور الأمن وأهميته في مصر وتتمثل في الآتي: الملاحظة الأولى: أن الأمن هو أحد أضلاع مثلث لن تستطيع مصر أن تنهض أو تتحول إلى الديمقراطية أو تتخلص مما تعاني منه دون توافر أضلاع هذا المثلث وهي الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والأمن، وللأمن وزنه النسبي الهام في هذه الثلاثية، فالنمو الاقتصادي وما يتطلبه من قدره على جذب الاستثمارات وتنمية السياحة وزيادة الإنتاج وتشجيع الصادرات والأداء الجيد للبورصة وكل ذلك لن يتحقق في حالة غياب الأمن أو اختلاله، كذلك فإن الاستقرار السياسي وهو نقطة البداية لتحقيق التوافق السياسي وتحديد المتطلبات السياسية للمجتمع لن يتحقق في ظل انفلات أمني، فالمطلوب في جميع الأحوال أن تتوافر مكونات هذه الثلاثية وخصوصا الأمن. الملاحظة الثانية: يجب أن يظل الأمن دوما مؤسسة قومية وتعطي الأولوية فيها للاحتراف والمهنية ويقصد بذلك أن مهمة الأمن الرئيسية هي حماية المواطن في حياته وفي أمواله وممتلكاته ومواجهة أي محاولة للخروج على القانون أو تهديد المواطنين ودون انحياز لحزب أو فصيل سياسي معين أو اتجاه بذاته، فالأحزاب والأشخاص يتغيرون وتظل دائما مهمة الأمن فوق أي مصلحة ضيقة أو حزبية ويتماثل دور الأمن في ذلك مع دور القضاء والقوات المسلحة ووزارة الخارجية حيث يفترض أن تعمل هذه المؤسسات جميعا لخدمة الوطن ومصالحه العليا وليس لخدمة تيار أو فصيل سياسي أيا كان. الملاحظة الثالثة: أن هناك تحديات جديدة ومستحدثة تواجه الأمن مثل تنامي أشكال جديدة من الجرائم مثل الجرائم الإلكترونية، وغسيل الأموال، والإرهاب الدولي وغيرها من أشكال الجرائم الحديثة والمرتبطة بالعولمة والتي تفرض بالضرورة زيادة المهارات العلمية والتدريبية والثقافية لرجل الأمن، وأن يكون لديه أيضا معرفة كافية بحقوق المواطن وحرياته وأن تنفيذ القانون لا يعني إهدار كرامة المواطن أو انتهاك حقوقه، دون أن يمنع ذلك تنفيذ القانون بجدية وصرامة على المخالفين. الملاحظة الرابعة: ضرورة تحقيق التوازن بين الأمن السياسي أو ما كان يطلق عليه من قبل أمن الدولة وبين أمن المواطن، بمعني ألا يكون الاهتمام بالأمن السياسي على حساب تراجع الاهتمام بأمن المواطن وحمايته، فالأمن بمعناه الكلي والعام لن يتحقق إلا إذا تحقق هذا التوازن بين مجالات الأمن المختلفة، كذلك يتطلب الأمر تحقيق التوازن بين المنتمين إلى الجهاز الشرطي سواء كان هذا التوازن إقليميا أو بشريا ويتضح ذلك على سبيل المثال في سياسات القبول بكلية الشرطة، حيث يكون المجال مفتوحا لكل من تتوافر فيه الصفات والمتطلبات اللازمة للعمل الشرطي دون أي استبعاد لمناطق أو أقاليم معينة أو لأشخاص بذواتهم طالما توافرت فيهم الشروط المطلوبة وفقا للقانون. الملاحظة الخامسة: كذلك من المرغوب فيه أن تعود العلاقات إلى طبيعتها بين المواطنين ورجال الشرطة، فرجال الشرطة في النهاية هم الأبناء أو الإخوة أو الأقارب والأصدقاء الذين يدفعون من دمائهم ثمنا لأمن الوطن وأمانه ويسقط منهم الشهداء والمصابون خلال أدائهم لمهمتهم السامية، ولن يستطيع الدور الأمني أن يعود إلى طبيعته وأن يؤدي مهمته وفقا لما يرضى المواطنين إلا إذا عادت العلاقة إلى طبيعتها بين رجل الأمن والمواطن. ولذلك فإن من المرغوب فيه وفي جميع الأحوال تحقيق التقارب بين رجل الأمن وبين المواطن، وألا تتخذ العلاقة بينهما طابع العلاقة العدائية أو الانتقامية أو الثأرية، كما يجب أن تكون العلاقة بينهما علاقة تعاون في إطار مصلحة الوطن و تطبيق صحيح القانون، وتوقيع الجزاء العادل على من يخالف القانون أو يخرج عليه، و ألا تعمل أجهزة الأمن في معزل عن مؤسسات وأجهزة الدولة الأخرى، بل يتطلب الأمر التنسيق الدائم والتعاون المتبادل بين الأجهزة والمؤسسات الأمنية وبين الجامعات والمراكز البحثية والأمن القومي ووزارة الخارجية ومراكز الدراسات الإستراتيجية، حيث يعمل الجميع في منظومة متكاملة تهدف إلى مواجهة الأزمات والتغلب على التحديات. لقد كشفت هذه الزيارة لذلك الصرح الأمني الكثير من الإيجابيات عن كيفية إعداد وتدريب رجال الأمن في مصر وهو الأمر الذي يجعلنا نثق في مستقبل الأمن في مصر، وإن مظاهر الاختلال الأمني التي نشهدها في الفترة الراهنة هي ظاهرة مؤقتة نتيجة لعملية التحول والتغير التي شهدتها مصر لا تلبث أن تزول ويعود بعدها الأمن بكامل قوته وفاعليته مما يطرح آثاره الإيجابية على عملية التنمية الاقتصادية وعلى عملية التحول إلى الديمقراطية في مناخ يتسم بالأمن والاستقرار وبما يحقق مصلحة الوطن، وبما يقطع الطريق على كافة المحاولات التي تهدف إلى ضرب استقرار الوطن وأمنه أو إعاقة عملية التحول الديمقراطي وبناء مصر الجديدة التي طالما حلمنا بها وطالما تمناها شعب مصر.