تؤكد التصريحات التي تخرج من قيادات جماعة الإخوان المسلمين أو بعض الشخصيات المحسوبة علي النظام الحاكم أن مؤسسة الرئاسة تتعامل مع الشعب وكأنه يعيش في كوكب آخر وليس شعباً ناضل وقدم التضحيات بدماء أبنائه في ثورة 25 يناير رافعاً شعار «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية». ولا تزال السلطة الحاكمة تتجاهل المطالب الشعبية في معرفة كيف تدار الأمور في مصر ليس فقط من أجل الاطمئنان علي مستقبلها خلال الفترة القادمة وإنما تنفيذاً لوعود الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية الذي فتح «جاكيت» بدلته في ميدان التحرير ليقول للشعب «يا شعب مصر أنتم أهل السلطة». والواقع الذي نعيشه الآن يؤكد أن الرئيس مرسي تناسي وعوده في حق الشعب في المعرفة وإطلاعه علي مجريات الأمور في مصر بعد أن أصبح المصير لا يعرفه سوي المقربين منه والمتواجدين في أروقة النظام الحاكم. وجاءت تصريحات الدكتور جمال جبريل عضو اللجنة القانونية لرئيس الجمهورية والتي أعلن فيها عن إجراء انتخابات مجلس النواب القادم في عام 2014 وليس العام الجاري ليضع الكثير من علامات الاستفهام حول مصير هذا المجلس. ومن المفترض أن مجلس الشوري هو الذي سيحدد موعد هذه الانتخابات فور انتهائه من قانون الانتخابات الخاص به في صيغته النهائية بعد إقراره من المحكمة الدستورية العليا للتأكد من مطابقته للدستور. ومنذ يومين رفضت المحكمة الدستورية العليا صيغة مشروع قانون مجلس النواب الذي أعده مجلس الشوري بعد أن رأت المحكمة أكثر من 13 مادة في القانون تتعارض مع نصوص الدستور، وهو ما يعني عودة القانون للمجلس مرة أخري لإجراء بعد التعديلات عليه وإرساله مرة أخري لمجلس الشوري. وبمقارنة تصريحات الدكتور جمال جبريل التي تزامنت مع رفض المحكمة للقانون تتضح خطة النظام الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين ومجلس الشوري ذي الأغلبية الإخوانية في اللعب بعنصر الوقت، بل ربما القصد بصياغة مواد تتعارض مع الدستور لإرجاعه مرات أخري إلي مجلس الشوري حتي انتهاء العام الحالي أو لحين انتهاء الفترة التي تحتاجها الجماعة لتحقيق هدفها من مجلس الشوري. وجماعة الإخوان المسلمين تخشي من الانتهاء السريع للقانون والذي يعني إجراء الانتخابات فوراً وهو ما لم ترده الجماعة لعدم ضمانها في تشكيل مجلس نواب تحصل فيه علي الأغلبية لتتمكن من فرض القوانين والتشريعات التي تريدها. وبقاء سلطة التشريع في مجلس الشوري يعد بمثابة كنز لجماعة الإخوان حيث تستحوذ علي الأغلبية داخله، ومن ثم تمرير القوانين دون ضجيج أو معارضة باستثناء بعض الأصوات من القوي المدنية والأحزاب المعارضة والتي لا تملك تصويت قد يعرقل مرور أي قانون. ويأتي الغضب الذي يحتاج الشارع المصري من نظام حكم جماعة الإخوان والتحرك الشعبي ضدها، ليثير التخوف لدي الجماعة من عدم نجاحها في الحصول علي أغلبية مجلس النواب في ظل انتخابات حرة نزيهة، بل تأكد لديهم بأن المعركة الانتخابية القادمة لن تكون سهلة بعد كشف كذب وخداع الجماعة للرأي العام واللعب علي عواطفه الدينية والإنسانية سواء في الانتخابات التشريعية الماضية أو في الجولتين الأولي والثانية للانتخابات الرئاسية. والذي يجب أن نسأل عنه هو مدي قوة ونفوذ الدكتور جمال جبريل ليخرج بمثل هذه التصريحات، وإذا كانت الأغلبية الإخوانية داخل مجلس الشوري أو مؤسسة الرئاسة تريد أن تؤجل إجراء الانتخابات فلماذا لم يخرج مسئول رسمي ليعلن ذلك للشعب المصري صاحب الحق في معرفة ذلك بدلاً من معرفته من مجرد أشخاص يريدون إثبات تقربهم للرئاسة والنظام من خلال معلومات مسبقة؟!. وأضاف جمال جبريل في تصريحاته الأخيرة أنه لا يمكن أن يكون هناك تعارض بينه وبين الرئاسة خلال الفترة القادمة معللاً ذلك بأنه لا يتدخل في السياسة وإنما يعطي الرأي الفني فيما يتعلق بالمسائل القانونية فقط، وكأنه يريد أن يقول إنه صاحب الكلمة العليا في تنفيذ سياسة النظام الحاكم خاصة من الناحية القانونية. وتصريحات جبريل وإصراره عليها، تعيد للأذهان الصورة التي شكلها غالبية أبناء الشعب عن الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق والذي كانت المعارضة المصرية توصفه بأنه «ترزي القوانين» لمهارته في صياغة بل وتمرير أي قانون يريده النظام داخل المجلس التشريعي. والواضح أن جماعة الإخوان المسلمين والدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية لا يريدون أن يختلفوا عن النظام البائد الذي أسقطته الثورة في شيء، حيث لا جديد عندهم بل ساروا علي خطي مبارك حتي في «ترزية القوانين» واختيارهم لهم. ولا تزال جماعة الإخوان تتعامل مع الشعب المصري علي أنه ترك الساحة لهم، واعتقدوا من وجهة نظرهم أن الشعب قد منحهم توكيلاً علي بياض في إدارة أمور البلاد متناسين أن حملة مثل «تمرد» التي تدعو لسحب الثقة من الرئيس مرسي قد نجحت في جمع ملايين الاستمارات المطالبة بسقوط النظام الحاكم.