عزوف المربين عن تربية الماشية بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف تشهد أسعار اللحوم والماشية حالة انفلات غير مسبوقة، الأمر الذى أدى لارتفاع الأسعار بصورة جنونية دون تراجع، بالإضافة إلى تفاوتها من منطقة إلى أخرى، وترتب على ذلك ركود كبير فى حركات البيع والشراء. ويتوقع عدد من الجزارين صعوداً آخر لأسعار اللحوم فى الأسواق خلال شهر رمضان الكريم مع استمرار الزيادة مع دخول عيد الأضحى المبارك ليصل السعر إلى نحو 300 جنيه تقريباً بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف والأدوية والتحصينات وهو ما أدى أيضاً إلى ارتفاع أسعار الدواجن والأسماك فى الأسواق. وطالب عدد من مربى الماشية، بسرعة تدخل الحكومة لتوفير الدعم لقطاع الثروة الحيوانية لتقليل الفجوة ما بين الإنتاج المحلى والاستهلاك من اللحوم الحمراء، والحفاظ على استمرار عمل ملايين العاملين فى هذا القطاع الحيوى، والذى يعتبر مصدر رزقهم الوحيد. تجار سوق بلقاس: الفلاحون والتجار يعانون.. والجزارون: بنخسر فى كل كيلو لحمة وسعره سيصل إلى 300 جنيه فى رمضان الوفد زارت سوق «بلقاس» فى محافظة الدقهلية لتجارة المواشى، والتقت عددًا من التجار لبحث أسباب ارتفاع الأسعار فى اللحوم وتباينها من منطقة لأخرى، وكان حال لسانهم لا يُردد سوى: «الأسعار زادت لأكثر من الضعف، والناس ظروفها بقت وحشة». وقال عدد من التجار إن سبب الارتفاع جاء نتيجة لعوامل عدة، من أبرزها ارتفاع أسعار الأعلاف، على رأسها الذرة، بجانب أمور أخرى، مثل تكاليف النقل وارتفاع سعر الدولار، لافتين إلى أن السوق كان وما زال يمرُّ بحالة ركود فى حركة البيع والشراء. فيما أكد التجار أن الأسعار لا تخضع لأى رقابة أو تنظيم، وأن الأمر يتكرر بشكل سنوى فى المواسم، مشيرين إلى أن تحديد أسعار المواشى واللحم القائم يأتى بصورة اجتهادية وبالنظر والخبرة مع الأخذ فى الاعتبار تكاليف التربية والتسمين. وطالب التجار بضرورة توفير الأعلاف وضخها فى الأسواق بكميات مناسبة وكذلك توفير التحصينات اللازمة ذات الكفاءات والجودة العالية لمواجهة موجات الحمى القلاعية وانتشار الأمراض، خاصة القادمة مع تلك الماشية المستوردة إلى السوق لإنقاذ الثروة الحيوانية من الحال الذى آلت إليه. ويبدأ العمل بسوق بلقاس مع أذان الفجر وحتى الساعة الحادية عشرة صباحاً ويضم عدداً كبيراً من الماشية وتتنوع أسعارها حسب جودتها والتى يمكن تحديدها عن طريق العمر وأيضًا نوع الماشية من البقر أو الجاموس وغيرها. يقول البدرى الجوهرى، أحد تجار المواشى، إن سبب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء يرجع إلى الاعتماد بشكل أساسى على الأعلاف عالية التكلفة، والتى ارتفع سعرها تزامناً مع ارتفاع أسعار الدولار واندلاع الأزمات الاقتصادية العالمية كالحرب الروسية الأوكرانية وتفشى وباء كورونا الذى عانى منه الجميع. وأكد البدرى أن التجار يعانون بشكل كبير نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف وتراجع كمياتها فى الأسواق، الأمر الذى يضطر التاجر لحساب تكلفة تربيته للماشية وتحديد السعر بناءً على ذلك، وهو ما جعل الأسعار فى تباين واختلاف كبير ومستمر. وأوضح البدرى أن سعر كيلو لحم ذكر البقر فى الأسواق الآن يصل إلى 120 جنيهاً للكيلو الواحد، بمعنى إذا كان وزن ذكر البقر «السايب» يزن 500 كيلوجرام فإن سعره يصل إلى 60 ألف جنيه، أما ذكر البقر «المربوط» يتراوح ما بين 115 إلى 117 جنيهاً للكيلو الواحد، أما سعر كيلوجرام لحم ذكر الجاموس القائم السايب يصل لنحو 110 جنيهات، والمربوط يتراوح ما بين 105 إلى 107 جنيهات، هذا فى حالة إذا كانت لم تتجاوز السن. وكشف البدرى عن سعر كيلو اللحم فى العجل البقر أو الجاموس القائم – كبيرة السن- تتراوح ما بين 80 إلى 90 جنيهًا، قائلًا: أسعار المواشى فى السوق «اجتهادية» وتكون بالنظر مع احتساب تكلفة عملية التسمين والتربية وثمن الأعلاف التى باتت فى ارتفاع كبير مع حجم الإفراجات غير المناسب مع احتياجات السوق. وطالب البدرى بضرورة توفير الأعلاف والذرة اللازمة بكميات مناسبة وكذلك العمل على زيادة كميات التحصينات التى أصبحت غير متوفرة بل وليست على درجة الكفاءة والجودة المطلوبة لمواجهة الحمى القلاعية، فضلًا عن دخول المواشى المستوردة حاملة الأمراض. وقال السيد مؤمن، أحد تجار المواشى فى سوق بلقاس، إن هناك حالة ركود كبيرة فى الأسواق وتراجع الإقبال على الشراء بسبب ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى التاجر يقوم بتسمين المواشى بأسعار عالية نتيجة أسعار الأعلاف ثم يضع هامش ربح بسيط وعند تحصيل ثمن العجل الأصلى بالإضافة إلى سعر الأعلاف تكون المحصلة خسارة التاجر، مما يضطره لرفع الأسعار، ويترتب على ذلك ما تشهده أسعار اللحوم فى الجزارة واختلافها بحسب المنطقة. وأوضح مؤمن فى حديثه ل الوفد أن سعر كيلو لحم الخروف القائم وصل إلى نحو 115 جنيهًا، الأمر الذى رفع سعر الخروف إلى نحو 6 آلاف جنيه تقريبًا، مشيرًا إلى أنه لا توجد رقابة على الأسواق خلال الفترة الأخيرة والتى جعلت البعض يقوم بالبيع بأسعار مختلفة وأصبح السعر غير موحد ويزيد خلال فترة قليلة استطاعت أن تقضى على مستقبل التجارة بأكملها ومن بعدها يقوم الجزار بيع كيلو اللحم بأكثر من 260 جنيهاً. وطالب مؤمن بتدعيم الفلاح المصرى وتجار المواشى لأنه تعرض لضغط كبير فى الفترة الحالية وقال زين سيد إن ارتفاع أسعار الأعلاف التى وصلت إلى 16 ألف جنيه للطن الواحد متأثرًا بأسعار الدولار فى السوق، بالإضافة إلى النقص الشديد فى الصويا والذرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواشى فى الأسواق، مشيرًا إلى أن إنتاج مصر من اللحوم الحمراء أقل من 60% من احتياجاتها، وتعانى من عجز يزيد عن 40%، ويتم تغطيته عبر استيراده من الخارج. وأضاف سيد أن سعر بيع كيلو اللحوم أقل من تكلفته الحقيقية، وجميع الجزارين يتحملون خسائر كبيرة بسبب فرق الأسعار بين التربية والبيع، متوقعاً ارتفاع أسعار اللحوم خلال شهر رمضان الكريم. وأكد الأزمة الحقيقية فى العلف فهو بداية كل الأزمات، إذ ارتفعت أسعار الأعلاف بشكل غريب ومخيف، علاوة على بداية موسم الشراء للأضاحى، فزاد الطلب على رؤوس الماشية، علما بأن معظم الماشية الموجودة فى الأسواق ليست بلدية بل مستوردة، ولها سوق بسبب غياب البلدى وانعدام بسبب فترة ذبح الإناث بالقرى. وتابع: الخلاصة تأتى فى أن الغلاء فى أسعار المواشى واللحوم وتباينها من منطقة لمنطقة هو غلاء تراكمى، يرجع فى المقام الأول إلى تأثر الثروة الحيوانية بالتعويم فى الأسعار وأسعار الدولار والعملات الأجنبية، بالإضافة إلى أن دخول المستورد تحكم فى الأسعار بشكل كبير. ولفت سيد إلى أن هناك حالة عزوف كبيرة من مربى الماشية عن التربية بسبب هذه الموجة من ارتفاع أسعار الأعلاف، وأغلب من يبيعون اللحوم بسعر أرخص من ذلك تكون مواشى كبيرة أو غير بلدى، مطالبًا بالتدخل السريع من الدولة والمسؤولين بتوفير الأعلاف بسعر منخفض حفاظا على الثروة الحيوانية، فالحل هو توفير الأعلاف للتجار والمزارعين عن طريق الجمعية الزراعية للتحكم فى الأسعار وعدم تركها فريسة لجشع التجار والحفاظ على الثروة الحيوانية لأنها أمن قومى - بحسب قوله. من جانبه كشف ياسر صابر «جزار» عن أسباب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والتى يتراوح سعرها فى السوق الآن بين 220 و290 جنيهًا بزيادة لا تقل عن 140%، قائلًا: إن قلة وجود المراعى الطبيعية فى مصر واعتماد المزارعين والمربين على الأعلاف المزروعة أو المصنعة هى أبرز أسباب ارتفاع تلك الأسعار. وأكد صابر فى حديثه ل الوفد أن ارتفاع تكاليف تلك الأعلاف فضلًا عن أن ما يتم الإفراج عنه من الجمارك لا يكفى احتياجات السوق وكذلك أيضًا وجود فصل الشتاء وارتفاع أغلب المنتجات الغذائية عالميًا ومحليًا والتأثر بالعوامل الخارجية من أزمات عالمية بداية من ظهور وباء كورونا ومرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية والتى ألقت جميعًا بظلالها على ارتفاع سعر الدولار الذى أدى إلى ارتفاع أسعار كل شىء ومن بينها الأعلاف كان أبرز ما أثر على أسعار اللحوم وحدوث حالة الاضطراب التى تشهدها الأسواق. وعن أسباب تفاوت الأسعار من منطقة إلى أخرى، أكد أن من بين التكاليف التى تُضاف إلى تلك الأسعار وتدخل فى إطار تكاليف الإنتاج أسعار إيجارات المحلات التى تختلف من منطقة لأخرى وكذلك خروج صغار المزارعين والمربين من منظومة إنتاج اللحوم فى مصر، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن تشهد الأسواق ارتفاعًا جديدًا فى أسعار اللحوم الحمراء خلال الفترة المقبلة.