كنا نعيب على النظام السابق أنه كان يتعامل مع قضية سيناء بدم بارد وأعصاب مثلجة، بل كان يعمد إلى التعتيم على أى شىء يجرى هناك منفذاً نفس السياسة التى كان يتبعها الإنجليز عندما كانوا يحكمون مصر والتى تقوم على تجميل كل ما يحدث هناك على كل المصريين. وفى رأيى أن النظام الحالى لم يختلف أبداً عن النظام السابق.. فلا أحد فى مصر يعرف الآن حقيقة ما يجرى هناك.. بل زادت حدة التعتيم رغم أننا فى عصر بعد ثورة يناير يصعب فيه إخفاء أى شىء.. وفى هذا المجال هناك عدة أسئلة تبحث عن إجابات.. أولها ماذا تم فى حكاية العملية أو الحملة صقر التى أعلن الجيش عن القيام بها بعد مذبحة شهر رمضان التى راح فيها 16 شهيداً وهم يتناولون طعام إفطارهم.. وماذا تم فى موضوع «الأنفاق» التى قيل انها بين 1200 و1400 نفق بينما كل ما أعلن عن تدميره أو إغلاقه لا يتعدى 20 نفقاً.. وهل يتعمد النظام الحالى الابقاء على هذه الانفاق حتى يتم مد حكومة حماس بما تحتاجه من دعم غذائى ومن الطاقة، ووصلت إلى حد تهريب السيارات إلى داخل غزة.. وهل فعلاً لم تستكمل القوات المسلحة عملية تطهير المنطقة الحدودية من الإرهابيين الذين باتوا يتحركون بحرية تامة ليس فقط على الشريط الحدودى عند رفح، بل وصلت عملياتهم إلى داخل مدينة العريش نفسها التى هى عاصمة الإقليم.. وبعد أن كانت السلطة تطارد هذه الجماعات.. أخذت هذه الجماعات تطارد قوات السلطة من شرطة وغيرها، داخل المدن!! ولقد توقعنا من جيش مصر الذى هزم جيش إسرائيل عام 1973 أن ينجح فى تصفية هذه الجماعات.. وأن يعلن لنا صراحة.. عن نتائج هذه العملية العسكرية أو أن يخرج المتحدث الرسمى ليخبر كل المصريين بنتائج هذه العملية وإجراءات التحقيق التى تمت.. حتى نعرف من قتل أبناء القوات المسلحة فى شهر رمضان.. أم أن ذلك أيضاً صار من أسرار الأمن القومى المصرى.. ولكن المشكلة أن النظام كله وليس الحكومة المصرية فقط يتعامل مع الأمر وكأنه مشكلة بسيطة تحدث فى احدى قرى الصعيد.. لا منطقة حدودية تهدد أمن مصر.. والله يرحم محمد على باشا الذى كان يرسل التجريدات من قوات الهجانة وحرس الحدود لضرب كل من يحاول العبث بأمن هذه المناطق الحيوية.. بل إن الرجل وكل من جاء بعده من أسرته أعفى أبناء المناطق الحدودية من الخدمة العسكرية مقابل أن يقوموا «هم» بحماية هذه المناطق.. وبذلك كسبهم فى صف السلطة.. وكان لذلك يقدم المساعدات المالية والغذائية الأساسية بشكل دورى لكل هذه القبائل. ومع احترامنا لقواتنا المسلحة وتقديرنا لها ولدورها إلا أنها تنفذ ما يطلب منها من مهام. وأعتقد أن هذه القوات لو كان قد أطلق النظام يدها فى سيناء، لكانت قد أعادت الأمن والأمان إلى كل سيناء. ولكننى أرى أن هذه القوات باتت أيديها مغلولة ولا تنفذ ما تراه صواباً، لتطهير سيناء.. هذا إذا أراد النظام ذلك.. هنا أقول هل يريد النظام تصعيد الأمور فى سيناء حتى تنساب من بين أصابعنا وهى الأرض الغالية التى تعادل مساحتها ثلاثة أمثال مساحة كل دلتا مصر، وهى الأرض التى لكل أسرة مصرية شهيد فوق هذه الأرض من حروب 48 و56 و67 و1973.. أخشى أن أقول أن النظام «ربما» يسعى لتسليم سيناء لأعداء الوطن، وليس الأعداء بالتالى هم إسرائيل وحدها.. نقول ذلك لأن هناك من يرى ضرورة عودة نظام حكم الخلافة ويعترف فقط بكل حدود الدولة الإسلامية، التي تصبح مصر فيها مجرد ولاية إسلامية.. ولا يهم أن تظل سيناء جزءاً غالياً من أرض مصر.. أو أن تذهب إلى ولاية أخرى على حدودنا الشرقية.. فى غزة مثلاً!! وأقر وأرى أننى من أكثر المصريين اهتماماً بسيناء.. ولى صداقات طويلة وقوية مع كل قبائلها فى الشمال وفى الوسط وفى الجنوب وأعرف كثيراً، من شيوخ هذه القبائل وعواقلها.. ولكننى أقسم أننى لا أعرف حقيقة ما يدور هناك.. فهل هذا مقدمة لنقول كما قال موشى ديان : لتذهب غزة إلى الجحيم أو لتغرق فى البحر هرباً من مشاكلها فنقول ذلك عن سيناء. أرى أن النظام الحالى يريد أن يوصلنا إلى هذا الحال لنقول لتذهب سيناء إلى حال سبيلها.. دون أن يدرى هذا النظام أن سيناء أرض مصرية منذ آلاف السنين، أى من أيام الفراعنة الأوائل.. وأننا أنفقنا عليها دم مصر من أموال وشباب وجهد.. ولكننا للأسف نفرط الآن فى هذه الأرض التى يتمسك أبناؤها السيناوية بمصريتهم وعودوا إلى التاريخ الحديث أيام مؤتمر الحسنة ودور الشيخ سالم الهرش الذى تحدى مخطط ديان لتدويل سيناء وأعلن أن كل السيناوية لا يعترفون إلا بحاكم مصر حاكماً عليهم.. واسألوا المخابرات العسكرية المصرية التى تعرف كل شىء عن سيناء.. حتى ولو كره الكارهون.. قولوا الحقيقة للشعب كله، وتعاملوا مع قضية سيناء بالشفافية المطلوبة.. وأجلسوا مع أبنائها واستمعوا لشيوخها وايضاً الى شبابها واعملوا بجد لحل مشاكلها واستجيبوا لأحلام سكانها.. فهذا هو الطريق السليم للمحافظة على مصرية سيناء.. ولا طريق غير ذلك.