أن نتخذ قراراً ولو متأخراً بعض الشيء، أفضل الف مرة من الا نتخذ هذا القرار بالمرة.. تلك كلمة لا نعرفها الا قليلاً.. نقول ذلك بمناسبة ما اتخذه جهاز حماية المستهلك من إحالة 10 قنوات فضائية و10 شركات تسوق عبر التليفون إلي النيابة العامة بتهمة الاعلان المضلل.. وحدد عاطف يعقوب رئيس الجهاز هذه القنوات بالاسم كما حدد اسماء شركات الاعلانات، بعد تماديها في الاعلان عن منشطات جنسية وأدوية تخسيس وعلاج للعقم وغيرها.. وهي التي ثبت للجهاز ان هذه المواد غير مصرح بتداولها.. بل غير مصرح بانتاجها، وهو ما ادعته هذه الشركات في هذه الاعلانات.. بل وعدم حصولها علي تراخيص من وزارة الصحة بتداولها.. وتصل البجاحة بهذه الشركات ان تدعي ان المنتجات المقصودة مصرح بعرضها، علي غير الحقيقة.. ولكن غياب السلطة في الشهور الاخيرة وراء تمادي هذه الشركات في الاعلان عن هذه السلع، حتي ان بعضها لا يصدقه عقل أو منطق. ولكن هذه الاعلانات تدغدغ حواس المحتاجين وتداعب احلام الحالمين الباحثين عن السعادة الجنسية أو الراغبين في الحصول علي جسم رشيق يعيد ما كان للاجسام التي ترهلت.. أو الذي يتساقط شعرهم، والشعر تاج الكل، رجلاً أو امرأة.. وهذه الاعلانات تستخدم اساليب الضغط وتكرار الاعلان، وفي اكثر من قناة لتحقيق الهدف المطلوب.. وهو اقناع المشاهد والمستهلك بسلامة هذه السلعة او تلك.. وما يثير الجدل، والقلق، أن هذه الاعلانات يتم انتاجها وتقديمها من خلال استغلال بعض النجوم أو الشخصيات المعروفة لاقناع المشاهدين.. وبالذات في اعلانات التخسيس والاعلانات الجنسية وهما من اكبر مشاكل المصريين.. اذ المشهور ان المصريين رجالاً ونساء هم من اصحاب الكروش بسبب طبيعة ما يأكله المصريون: محاشي وبطاطس ومكرونة وخبز.. وتسالي ومشروبات غازية وكميات كبيرة من السكر لتحلية الشاي، وعن أطباق الكشري فحدث ولا حرج. المهم ان هذه الشركات تمادت بشكل كبير في الشهور الاخيرة لسببين مهمين الاول هو عدم وجود سلطة رقابية عقابية تردع هذه الشركات عديمة الضمير.. والثاني هو صراع القنوات التليفزيونية علي الاموال ولهذا فهي تقبل اي اعلانات تقدم اليها مهما كانت مادتها وبعيداً عن التدقيق في مدي سلامتها أو سلامة المعلومات الواردة فيها.. ومنطقها هنا هو ان هذه القنوات ليست جهات بحث وتفتيش.. بل هي لا تطلب حتي اي شهادة عن سلامة المنتج الذي تعلن عنه هذه الشركة أو تلك.. وأشهد أنه كان لي دور كبير عندما كنت عضوا بالمجلس الاعلي للصحافة - واسألوا الزملاء الاعزاء اعضاء المجلس أيامها - حتي نجحنا في تشكيل لجنة من الاعضاء لمناقشة قضايا الاعلانات وبالذات تلك التي تدغدغ حواس المشاهدين.. وتشهد محاضر جلسات هذه اللجنة التي حضرها معنا معظم ممثلي شركات الاعلانات وبعض رجال القانون واعضاء من المسئولين عن ادارات الاعلانات بالمؤسسات الصحفية.. حتي وصلنا - أيامها - إلي وضع ميثاق شرف يواجه هذه الظاهرة الخطيرة.. وكان من اهم الضوابط عدم نشر اي اعلان الا اذا كان معه موافقة وزارة الصحة وايضا الوزارة المعنية مثل وزارة الصناعة.. وايضا موافقة جهاز حماية المستهلك.. ورغم انه كان عبارة عن ميثاق للشرف «الاعلامي» فإن ما توصلنا إليه فرض عقوبات رادعة للمخالفين.. رغم اعتراض ممثلي بعض القنوات التليفزيونية، وبعض الصحف الخاصة التي كانت تتصارع علي حصيلة هذه الاعلانات.. ويمكن لمن يريد أن يعود إلي محاضر جلسات هذه اللجنة التي عقدنا لها جلسات عديدة في مقر المجلس الاعلي للصحافة والتي حضرها أيضاً بعض أساتذة الاعلان والاعلام في الجامعات المصرية.. وللأسف اشتعلت ثورة يناير، ونسينا كل ذلك حتي صدمتنا في الفترة الاخيرة هذه الاعلانات شديدة الخطورة علي المجتمع المصري الذي يجري بعضه نحو كل ما يعيد الشباب أو يعيد الرجولة الجنسية للرجال وللنساء علي حد سواء.. ولا ندري ما حدث للتوصيات التي كنا قد توصلنا إليها بعد ذلك في مناقشات اشهد انها كانت ايجابية للغاية.. وكان هدفها حماية المجتمع المصري، وبالذات متوسطو الثقافة الذين تجذبهم مثل هذه الاعلانات.. واذا كنت لا أحمل ثورة يناير عبء هذه المخاطر شأنها شأن الامن والمرور والقمامة.. والاخلاق.. الا انني اعتبر تحرك جهاز حماية المستهلك أخيراً خطوة ايجابية بل صحوة يجب أن ندعمها سلوكياً. مثلاً علينا الا نقبل كمسئولين عن ادارات الاعلانات أي اعلان دون ان يكون معه ما يؤكد سلامته، خصوصاً ان بعض هذه المنتجات لها نصيب وافر من الخداع والنصب والا نجري وراء العائد المادي مهما كان الاغراء المالي الذي يصل إلي حد الدفع مقدماً وتقديم خصومات للقنوات أو الاعلان عنها بأجور مضاعفة.. وعلينا ان نتمسك بوجود موافقة الوزارات المعنية علي هذه المنتجات، بل وعلي الاعلان عنها.. وإذا كان الأمن قد أخذ يعود.. فإننا نطالب بعودة «الأمن الاعلاني» فيما تقدمه هذه القنوات التي يجب ان تصل عقوبتها إلي اغلاق القناة نفسها، وليس فقط فرض اي غرامة مالية عليها.. إن حماية المجتمع.. أمن قومي يجب ألا نتنازل عنه.