فوجئت بردود فعل «غريبة» حول ما كتبته في المقالين السابقين عن أهمية ما يحدث في «سيناء».. ردود فعل «باردة، تطمينية، مهدئة، مستصغرة».. قل عنها ما تشاء لكن خلاصتها: «لا تعط للأمر أكثر من حجمه، وكلها ايام ويستتب الأمن، ويعود كل شيء الى ما كان عليه»!! بصراحة أخافتني هذه الاجواء أكثر.. وأكثر.. ودفعتني للكتابة اليوم وللمرة الثالثة على التوالي – اضافة لما سبق وكتبت عن سيناء – الأمر ليس هيناً، والوضع ليس بسيطا ابدا، وما يحدث في سيناء لن ينتهي بين عشية وضحاها،.. بل وللأسف سترتوي رمال أرض الفيروز بدماء مصرية جديدة.. ندعو الله قانتين أن يحقنها. بداية يجب أن نعترف بأن ما يحدث في سيناء الآن هو نتاج سياسة الاهمال المتعمدة التي انتهجها نظام مبارك طوال 30 عاما، ورفضه لكل ما عرض عليه من خطط للتنمية، حتى انه رفض اقامة الجسر الحلم مع السعودية، حتى لا يفقد منتجع «شرم الشيخ» - الذي أصر المخلوع أن يختزل فيه سيناء كلها – هدوءه وخصوصيته!! واليوم يقول المحللون العسكريون إن العملية العسكرية في سيناء سوف تستمر سنوات عديدة قد تصل إلى 7 سنوات حتى تستعيد الدولة كامل هيبتها وسيطرتها على سيناء. (العميد صفوت الزيات الخبير الاستراتيجي، واللواء د.محمد قدري السعيد) فكيف ستنتهي العمليات العسكرية؟ وكم من الدماء الطاهرة ستسفك فيها.. سواء من جنودنا الأطهار، أو من الشباب الأغرار، أو من السائحين الذين لا نستبعد أن تنتقل العمليات الإرهابية إلى منتجعاتهم؟ وما هي ردة فعل جماعة «أنصار بيت المقدس.. وغيرها من الجماعات «الجهادية» إذا ما تم تنفيذ حكم الإعدام في ال14 عضواً الذين أصدرت محكمة جنايات الإسماعيلية أحكاماً بإعدامهم بعد ثبوت تورطهم في الهجوم على قسم شرطة العريش وحرقه، والهجوم على بنك الاسكندرية في العام الماضي، وتحديداً في يونيو 2011، وهو الهجوم الذي «استشهد» فيه النقيبان محمد ابراهيم الخولي ويوسف محمد الشافعي، والمجندان محمد حسن ابراهيم، وصافي رجب والمواطن مسلم محمد حسن؟ أعتقد أن المخطط الصهيوني لسيناء يتلخص في التقرير الذي أعده «جيورا آيلاند» مستشار الأمن القومي الصهيوني السابق لمعهد بيجن - السادات، والذي كشفت عنه الدراسة التي اعدها مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة بأكاديمية النصر للعلوم العسكرية، يقول التقرير: «أمام ضيق مساحة اسرائيل وزيادة السكان يعني استحالة اقامة دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وفقاً لنظرية الأمن الاسرائيلي والدولة اليهودية، ولذلك أرى ان تتنازل مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، بحيث تكون هذه الأراضي عبارة عن مستطيل، ضلعه الأول 24 كيلومتراً، يمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غرباً، وحتى حدود مدينة العريش، أما الضلع الثاني فيصل طوله الى 30 كيلومتراً من غرب كرم أبوسالم، ويمتد جنوبا بموازاة الحدود، وهذه المساحة من أرض سيناء (والتي يفترض قبول مصر التنازل عنها) توازي %12 من مساحة الضفة الغربية المزمع ضمها الى الأراضي الاسرائيلية، لتستوعب المستوطنات الحالية، في المقابل تحصل مصر على مساحة أقل قليلا من 720 كيلومتراً مربعاً في صحراء النقب ومنطقة وادي فيران تحديداً». وافترض التقرير الاسرائيلي، وفق ما ورد بالدراسة، ان يحقق هذا التقسيم مكاسب كبيرة لجميع الأطراف، حيث يحقق للدولة الفلسطينية اقتصاداً مستقراً، وتنمية مستدامة من خلال الحصول على 24 كيلومتراً على شاطئ البحر المتوسط، تواجهه مياه اقليمية تمتد حوالي 9 أميال داخل البحر، يتوقع ان يستكشف فيها الغاز الطبيعي وتسمح بانشاء ميناء ومطار دوليين كبيرين على بعد 25 كيلومتراً من الحدود مع اسرائيل، الى جانب اقامة مدينة فلسطينية جديدة على أرض سيناء تستوعب مليون شخص يمثلون الزيادة المحتملة لسكان قطاع غزة في السنوات القليلة المقبلة. ويقول التقرير: «هذا الامتداد في ارض سيناء سوف يخلق واقعا اقتصاديا جديدا على المنطقة كلها، حيث يوجد تواصل في حركة التجارة البرية والبحرية بين دول الخليج ودول أوروبا والبحر المتوسط، لأن تنفيذ المخطط سيؤدي في النهاية الى فتح آفاق التعاون بين غزة واسرائيل وبقية الدول العربية، حيث سيكون هناك منفذ لدول الخليج على البحر المتوسط لأول مرة من خلال ميناء غزة، وشبكة واسعة من المواصلات، كما ستسمح اسرائيل - وفق الدراسة - بإقامة نفق يعبر من الاراضي الاسرائيلية ويصل بين مصر والاردن بطول 10 كيلو مترات خلال الارض الممنوحة لمصر في قلب صحراء النقب مما يفتح الطريق امام تواصل بري بين مصر والاردن والعراق والسعودية ودول الخليج». ورصدت الدراسة مجموعة مما وصفتها ب«المكاسب الاخرى» التي وردت في التقرير الاسرائيلي، مثل اقامة محطة نووية للكهرباء واخرى لتحلية مياه البحر والتكنولوجيا المتقدمة لمواجهة نقص المياه المحتملة، وذكرت «ان هذا التغيير سوف يسمح لمصر بإجراء تعديلات على حجم القوات المصرية في سيناء، بحيث تتحقق السيطرة المصرية الكاملة على سيناء، وبهذا ينتهي الصراع العربي - الاسرائيلي تماما». .. هل وضحت الرؤية للمشككين والمتشككين الآن؟ وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء