"صباحك فل يا أستاذة..حضرتك رايحة تنتخبي ولا ايه ؟..نصيحة من أخ يعني لفي وارجعي" قالها سائق السيارة التي أقلتني من منزلي لبداية الشارع.. لم يكتف السائق الثلاثيني بموقفه وحده من مقاطعة الانتخابات البرلمانية الدائرة حالياً، ولكنه قرر القيام بدور الناصح الأمين لركابه كي يحذرهم من المعاملة السيئة التي حتماً سيعانون منها لو توجهوا لأقرب صندوق انتخابي للإدلاء بصوتهم. مؤكداً أن الصوت الوحيد الذي سيستمعون إليه هو "صويت مراته" بعد أن تشاهده وهو سايح في دمه، مستشهداً بما حدث في انتخابات 2005 التي راح ضحيتها كثير من المصابين بل وقتلى أيضا. قلة قيمة لم تكن المقاطعة نصيحة سائق السيارة نصف النقل وحده بل وأيضاً راكبي سيارات الأجرة. ففي سيارة الاجرة المتجه لميدان لبنان من مدينة 6 أكتوبر، جلس بجواري شاب لم ينقطع هاتفه عن الرنين وبعد أن قام بجمع الأجرة من جميع الركاب بناءً على رغبة السائق في الحصول عليها قبل أن يتحرك، رد جاري على الهاتف وحكي الحكاية ذاتها، سيذهب الآن إلى عمله في الهيئة الحكومية الكائنة بوسط البلد، ليعمل نصف يوم فقط فاليوم هو الانتخابات، يتناول إفطاره يتبعه بكوب شاي ثقيل وكلمة في حدوتة ينتظر الأتوبيس الذي سيقله وزملائه لمقر اللجان التي تنتظرهم ليدلي بصوته لصالح الحزب الوطني زي كل سنة.. لعن الموظف الشاب الانتخابات ويومها، وتمنى أن يكون اليوم نصف يوم عمل بلا مقابل"يعني كان الواحد نام في البيت وريح النهارده مادام مفيش شغل، على الأقل نبقى استفدنا".. قالها الموظف وهو ينهي مكالمته الرابعة وربما الخامسة سارداً نفس الجمل.. كعادة المصريين يشعرون برغبة ملحة في المشاركة الوجدانية لبعضهم البعض، تناول جاره طرف الحديث من نهاية مكاملته وقال": والله عندك حق يا أستاذ، يعني التمثيلية اللي عاملينها دي احنا مالنا بيها، كانوا سابونا في بيوتنا نترحم من زحمة المواصلات وقلة القيمة في اللجان".. تغيير الحكومة لا الملابس اشترك راكب آخر في الحوار مشيراً إلى الدور المهم للانتخابات في الحياة السياسية، كان يبدو على ملامحه أنه يعرف قدر لابأس به من أخبار المرشحين وعدد نواب مجلس الشعب وخسائر المواطن المتلاحقة من جراء أغلبية الحزب الوطني في المجلس الموقر. مضيفاً جمل ربما لم يسمعها الركاب من قبل حول فكرة التغيير الاجتماعي التي تعتمد كلياً على الفرد قبل أي شيء آخر.. أنهى كلامه الذي بدا وكأنه خطبة عصماء، منتظراً التعليق، الذي جاء من السائق هذه المرة قائلا:"هو حضرتك مش من مصر ولا ايه، ياباشا هنا كل حاجة بالفلوس ادفع تاخد اللي انت عايزه بلا تغيير بلا كلام فاضي هو احنا عارفين نغير هدومنا علشان نغير الحكومة". المال أم الخدمات يبدو أن المواصلات المصرية صباح يوم الانتخابات هي خير دليل على حال هذا اليوم، فمن كلمات سائق الميكروباص إلى فرحة سائق التاكسي الأبيض أبو عداد إلكتروني باليوم الفاضي، الخال من الزحام. عزا سائق التاكسي الذي ارتدى ملابس بيضاء نظيفة ومكوية تشبه لون التاكسي الذي يركبه صفاء اليوم وهدوء الشوارع إلى إجازة المدارس لأنها تتخذ مقرات لللجان الانتخابية كل عام.. لم أعلق على كلامه ولكنه استمر محدثاً نفسه:" قال انتخابات قال، كله بيضحك على كله انتخابات ايه اللي شاغلين نفسهم بيها، ما كلنا عارفين أنهم هيجيبوا اللي هم عايزينه، البلد دي بتاعتهم هم مش بتاعتنا احنا حيا الله عايشين فيها بنسترزق".. إستفزتني كلماته فقررت المشاركة في الحوار للمرة الأولى، لأسال عن رأيه في مرشحي مجلس الشعب هذا العام، فرد بكل حماس وثقة:" احنا عايزين واحد عادل، يخاف على الناس ويسهل حياتهم مش واحد كل اللي بيفكر فيه الفلوس". واستدرك:" يعني واحد دفع 4 مليون جنيه في الدعاية الانتخابية، هيدور على الغلابة اللي زي حالاتي ويقابلني علشان يشغل ابني العاطل من 5 سنين برغم إني دفعت دم قلبي علشان أعلمه واخرجه من الكليات العالية ولا هيفكر في فلوسه اللي دفعها ويحاول يرجعها". بيع صوتك..شوف الشاري مين بدا كلامه منطقياً وحقيقياً، ولكنه أضاف أنه لايورط نفسه في موضوع الانتخابات ولا التصويت، ليس فقط لأنه يعرف أن صوته لن يقدم أو يؤخر في اختيار الفائز، ولكن لأنه لا يريد أن يورط نفسه في عداوات سواء مع البلطجية المسيطرين على الشوارع أو أنصار المرشحين المدربين جيداً على سلبك كرامتك وربما كل ما في جيوبك قبل أن تأخذ قرارك لمن ستؤشر.. أخبرني سائق التاكسي أن هناك مغريات للمواطنين للمشاركة في الانتخابات، خاصة الناس الفقراء فهو موسم فكما يسترزق الخطاط من الافتات والبلطجي من حماية المرشحين اللمواطن أيضاص أصبح لصوته ثمن ربما لمرة واحدة في العام .." الصوت عندنا في عابدين وصل 1000 جنيه، وفي حتت تانية ب500 او 300 حسب جيب المرشح ومستوى الناس اللي عايشين في المنطقة".. وبرر عدم تحمسه برغم ارتفاع الملبغ قائلاً أنه يعرف جيداً أنه لو ذهب سيدفع مقابل هذا الملبغ من كرامته واحترامه وربما لن يعود لاهو ولا الفلوس ولا التاكسي أيضاً..! ""شوفي حضرتك الناس ماشية كل واحد في حاله، يعني لو حسينا إن صوتنا له قيمة ومهم كنا رحنا ولو بضرب النار، لكن المصريين أذكياء على فكرة مش سلبيين زي مالجماعة المثقفين بيقولوا"..قالها ونظر إلى العداد قائلا "العداد عامل 8 جنيه حضرتك شوفي بقى عايزة تدفعي كام انتخابات بقى كل سنة وأنت طيبة.." أخبار صباحية جدا راحت الأفكار تدور في رأسي، أعيد ما سمعت من آراء في الصباح، ومع بداية يوم العمل ورحلة عبر مواقع مراقبة الانتخابات والصحف وجدت مجموعة من الأخبار ربما تكون هي الرد الأمثل على كل ما سمعت: - إغلاق لجان التصويت أمام الناخبين بدائرة عابدين بالقاهرة ( موقع رصد الانتهاكات في الانتخابات البرلمانية). -أكد مراقبو تيار التجديد الاشتراكي عن وقوع اشتباكات في دائرة صفط اللبن بين سيدات الحزب الوطني وسيدات الإخوان أسفر عن كسر ذراع سيدة من أنصار الأخوان(جريدة البديل) - تلقي عمرو السيد محمد أبوعمرو،المرشح المستقل على مقعد العمال بدائرة المطرية، عدة طعنات بسلاح أبيض بسبب خلاف على تعليق لافتة لوالده.(جريدة المصري اليوم). - في لجان عزب وكفور دائرة ميت غمر تم تقفيل الدوائر لصالح مرشحي الحزب الوطني عن دائرة ميت العز "عبده عايشه" و"عبد الفتاح البحراوي".(موقع حريتنا). - وثقت غرفة متابعة انتهاكات الانتخابات بمركز النديم ومؤسسة الكرامة في تقريرها الأول الصادر منذ قليل وقوع 150 حالة اعتقال واختطاف و10 حالات اعتداء واشتباكات وحالة قتل(جريدة البديل الاليكترونية). - لجنة بالمنتزه للناخبين: إنتم فلاحين مش فاهمين انتخبوا اللى هنقوللكم عليه (وحدة الرصد الميداني).