مدير تعليم القاهرة في جولة موسعة بالمدارس: لا تهاون في الانضباط أو الصيانة    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    البيئة: نسعى لتوفير التمويل الأخضر لمشروعات تساهم فى الحد من انبعاثات الكربون    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    "محافظ أسوان يوجّه بتوصيل مياه الشرب ل 84 منزلًا بقرية وادى العرب خلال أسرع وقت"    قصف مدفعي إسرائيلي على شرق غزة    الصين: خطة أوروبا لاستخدام الأصول الروسية تنتهك القانون الدولي    الصليب والهلال الأحمر الدولي: فيضانات جنوب شرق آسيا كارثة إنسانية تتطلب دعما عاجلا    مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا وجاهزون لفلسطين    وزير الرياضة يحيل واقعة وفاة سباح نادي الزهور يوسف محمد للنيابة العامة    عاجل- رئيس الوزراء يهنئ منتخب مصر للكاراتيه على الإنجاز العالمي التاريخي    جاسم البديوي يعلن إنشاء هيئة خليجية للطيران المدني    القبض على مدير شركة دهس موظفة تسبب في وفاتها بالقاهرة    محافظ الجيزة يتفقد مشروع تطوير حديقة الحيوان ويعاين المسارات المفتوحة لسير الزوار ورؤية الحيوانات بتصميم تفاعلي    محافظة الجيزة ترفع 500 حالة إشغال خلال حملة بشارع عثمان محرم.. صور    مدينة القصير.. إرث البحر وروح الصحراء.. بالمتحف القومي للحضارة    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    في عيد الكاريكاتير المصري الخامس.. معرض دولي يحتفي بالمتحف المصري الكبير    وكيل لجنة مراجعة المصحف يتابع فعاليات مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم بالغربية    تحذير من انتشار «التسويق القذر»| أمين الفتوى يوضح مخاطره وأثره على الأخلاق والمجتمع    الكشف على 916 مواطنا ضمن قافلة طبية مجانية فى الإسماعيلية    الداخلية تضبط المتهمين بالاستعراض بتروسيكل    ضبط عامل يوزع كروت دعاية انتخابية على رواد أحد المخابز بالبحيرة قبل بدء العملية الانتخابية    هيئة البث الإسرائيلية: التصعيد العسكري ضد لبنان مسألة وقت    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    دمشق: تأييد 123 دولة لقرار الجولان يعكس الدعم الكبير لسوريا الجديدة    مراسل إكسترا نيوز: 18 مرشحا يعودون للمنافسة فى الفيوم بعد قرار الإلغاء    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. انتصار السيسي: وجودكم يضيف قيمًا وإنسانية وجمالًا لا يُقدّر بثمن    مصر السلام.. إيديكس 2025.. رسائل القوة بقلم    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    وزير قطاع الأعمال: الروابط الراسخة بين مصر والإمارات ركيزة أساسية للتنمية والاستثمار    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    وزيرا التخطيط والمالية يناقشان محاور السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    زيارة دبلوماسية يابانية إلى فلسطين لتعزيز جهود الإعمار وتحقيق حل الدولتين    «مشوفتش رجالة في حياتي».. أبرز تصريحات زينة    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    3 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    موعد صلاة الظهر.... مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    3 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    «غني بالمعادن ومضادات الأكسدة».. الفوائد الصحية للعنب    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    «ميدوزا»: كفاءة عالية رغم سوء الأحوال الجوية    مواعيد مباريات اليوم.. مهمة محلية لصلاح ومجموعة مصر في كأس العرب    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيد مرسى: عاش 100 عام.. نصفها «مكوجى رِجل».. والنصف الآخر «شاعر غنائى»!
مواهب لها العجب «5»
نشر في الوفد يوم 12 - 06 - 2019

ناجى مأمون الشناوى: عاش بجوار أمه فى حى بولاق ولم يتزوج وبيته انهار فى زلزال 92
محمود عوض: اصطدمت سيارتى وهو بجوارى.. نجوت أنا وأصيب هو إصابة بالغة
بليغ حمدى: هذا الرجل «كنز» غنائى ولكن اكتشفته متأخرًا جدًا
- وحشتونى..!
- ومهما الدنيا تبعدنا.
- هنتلاقى فى أى مكان
- ومهما العمر فرقنا
- هنرجع برضه زى زمان
سيد مرسى 1974
(القاهرة 1974)
على ناصية شارع نيل العجوزة، يقف الشاعر الغنائى سيد مرسى «1887 - 1995»، يترقب بلهفة، وصول صديقه الموسيقار «بليغ حمدى» بسيارته الحديثة، فى طريقهما إلى الإذاعة.
المارة يهرولون، ويتسابقون تحت أشعة الشمس الدافئة إلى أعمالهم اليومية. بعد دقائق توقفت أمامه السيارة، وبداخلها بليغ حمدى. بسرعة صعد «مرسى» إلى جواره، وانطلقا فى حالة مرح وسعادة بعدما تخطى دار الأوبرا وقبل كوبرى قصر النيل، لمح بليغ - بالصدفة - صديقه الكاتب الصحفى محمود عوض يقود سيارته ماركة «فيات 28» التى استلمها منذ شهور من شركة النصر للسيارات وفى طريقه إلى صحيفته أخبار اليوم.. فجأة يطلب مرسى من بليغ التوقف على الفور. طلب ذلك وهو يشير من شباك السيارة إلى محمود عوض، ليتوقف هو الآخر. فى نهاية كوبرى قصر النيل من ناحية مبنى جامعة الدول العربية توقفا سويًا، بسرعة مذهلة ترك مرسى مكانه وهرع إلى سيارة محمود عوض وجلس بجواره قائلا «واحشنى يا أستاذ»! رد: «رايح فين يا عم سيد»؟ قال: صديقك - يقصد بليغ - فى طريقه إلى موعد غرامى، ويسير بالسيارة فى سرعة جنونية «والعمر مش بعزقة»! ابتسم محمود عوض وقال: أنت هتقولى قالها وهو يضحك إذن أنا جئت فى الوقت المناسب! رد مرسي: الله ينور عليك.. هذا ما حدث بالضبط.. ثم تحركا بهدوء، بعد ما انطلق بليغ بسيارته مسرعًا حتى غاب فى الزحام.
الدقائق تمر، ومرسى يواصل كلامه مع محمود عوض المشغول إلى حد كبير بالطريق، حيث يسمع ولا يلتفت إليه كثيرًا.. بعد دقائق، يتدخل القدر - الذى هرب منه مرسى قبل قليل حيث اقتحمت سيارة طائشة الجزيرة الوسطى للشارع، لتصطدم بسيارة محمود عوض الذى نجا من الموت بأعجوبة، فيما أصيب سيد مرسى إصابة بالغة الخطورة، نتج عنها شرخ فى الحوض وكسر مزدوج فى ذراعه اليمنى، طبقا لتشخيص قسم أشعة مستشفى العجوزة، الذى نقل إليه وظل بها أربعة شهور كاملة تحت العلاج والملاحظة. زاره خلالها صديقه بليغ حمدى أكثر من مرة، ومعه العديد من النجوم: مها صبرى وهدى سلطان وماهر العطار ومحرم فؤاد. فى زيارة من زيارات محرم فؤاد له غنى «على الحلوة والمرة» التى حملت اسمه واشتهر بها فى الوسط الغنائى عندما أطلقوا عليه لقب «سيد مرة» وغناها عبدالغنى السيد فى أوائل الخمسينات بعدما اكتشفه الراحل مأمون الشناوى وقدمه للوسط الغنائى فى ذلك الزمن البعيد.
نسيت خلاص عهدنا ونسيت ليالينا
ونسيت كمان ودنا ونسيت أمانينا
كان أملى فيك غير كده.. ليه تنسى ماضينا
ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين.
(جاردن سيتى 1955 )
نحن الآن فى شارع جمال أبو المحاسن ناحية شارع قصر العينى.
على بعد خطوات يقف على باب محل مكوجى عامل اسمه سيد، يرتدى جلباباً أزرق مخططاً بالطول وعلى رأسه «طاقية» من نفس الزى. صاحب المحل يجلس بالداخل وسيد يستقبل الزبائن. بعد دقائق مثل كل مرة تظهر من بعيد فتاة ثلاثينة العمر تعمل خادمة فى بيت الشاعر الغنائى مأمون الشناوى الذى يسكنه على مقربة من المحل. سيد ينتظرها ويستقبلها بسعادة ويمشى بجوارها. يضحك لضحكها، يحزن لحزنها، ويشير لها بيده، ويغمز لها بعينه أحياناً، وهو يعدل «الطاقية» على رأسه.
داخل المحل «المكواة» مشتعلة ودرجة حرارتها 100٪ وهو بالخارج حرارة جسده أكثر ارتفاعا من نار الحب المشتعل فى قلبه. صاحب المحل ينادى عليه: يا سيد.. يا سيد يا مرسي! هو لا يسمع ولا يرى. هو فقط فى انتظار حبيبته التى - حتمًا - ستأتى بعد قليل، لتأخذ ملابس الأستاذ - مأمون الشناوى - الذى لا يعرف عنه، سوى أنه «بيه» من بهوات الحى الراقى! الخادمة ظهرت. اقتربت. هو أيضاً يقترب ليستقبلها. ثم يضحك، وهو يدخل مسرعًا إلى المحل ليأتى لها بالملابس. يطلب منها أن يسير بجوارها حتى بيت خادمها. تمشى هى بدلال واضح. وهو بحب جارف يمشى بجوارها حتى باب المنزل وما أن تصعد فى
الأسانسير أمامه، يعود إلى محل عمله مبتهجًا وسعيدًا برؤية حبيبته التى ملكت وتملكت مشاعره الجارفة.
- ماشيين والدنيا غابة
- واحنا فيها غلابة
- ننده ع الصبر يابا
- والصبر ماجاوبناشى
كله ماشى
( بولاق أبوالعلا 1897)
فى هذا الحى الشعبى المواجه لحى الزمالك الراقى ولد الطفل سيد مرسى محمود كامل. مات أبوه وهو طفل صغير، وتولت أمه تربيته. الأم لا تملك إلا شقة متواضعة داخل حارة ضيقة. جاهدت الأم حتى استطاعت أن تواصل الحياة وتطعم طفلها، بالقدر الذى جعله وصل إلى مرحلة الصبا. عندما وصل عمره إلى 10 سنوات، بدأت الأم تبحث له عن مهنة تساعدها على مواجهة قسوة الفقر. أشار عليها أحد فتوات الحى أن ترسله إلى محل مكوجى فى نفس المنطقة.
خمس سنوات قضاها فى المحل قبل أن يتمرد ويفكر فى تطوير نفسه وينتقل إلى محل «مكوجى» آخر فى منطقة راقية، فكان حى جاردن سيتى هو واجهته التى ذهب إليها، ليجمعه القدر مع الشاعر مأمون الشناوى - عن طريق الخادمة التى أحبها - بعدما عثر على كلمات «ع الحلوة والمرة.. مش كنا متعاهدين» تلك الكلمات التى حولته من «مكوجى رِجل» إلى أحد كبار شعراء الأغنية المصرية فى القرن العشرين، بعدما غنى له كبار المطربين والمطربات. وبلغ قمة توهجه الفنى عندما التقى مع بليغ حمدى يقدمان معا عشرات الأغانى الرائعة والناجحة التى ما زالت تعيش معنا كل هذه السنوات، الأمر الذى يدل على صدق موهبته.
غريبة!
غريبة ومش غريبة
دنيا وفيها العجايب
بتريح اللى ظلموا
وبتتعب الحبايب
(القاهرة 2009)
الذى يتتبع سيرة الشاعر سيد مرسى سيجد أنها بها من العجب ما يستدعى التوقف أمامها، فهو امتهن مهنة بعيدة تمامًا عن الفن والثقافة، وعاش فوق ال100 عام. ولم يكتشف كمؤلف أغانٍ إلا وعمره يقترب من الخمسين عامًا. وظل عشر سنوات لا يكتب أغانى أو يكتب شعراً حتى اكتشفه بليغ حمدى وجاء به - وقد تخطى الستين عاما - ليلحن له عشرات الأغانى الجميلة التى تغنت بها الراحلة وردة ومحرم فؤاد وماهر العطار وغيرهم من النجوم. هذه السيرة والمسيرة طرحتها على الكاتب الراحل محمود عوض عندما كنت أجلس إليه ذات يوم فى المقعد الخلفى للسيارة التى تقله فى طريقها إلى مستشفى كليوباترا بحى مصر الجديدة.
الساعة الآن الحادية عشرة صباحا. موعده مع طبيبه د. عوض تاج الدين - وزير الصحة الأسبق - فى تمام الساعة الواحدة ظهرًا فى الطريق المزدحم بالسيارات دار الحديث بسبب أغنية كانت تأتينا عبر إذاعة السيارة للمطرب الراحل محرم فؤاد. قلت: يا أستاذ. لماذا ترك سيد مرسى سيارة بليغ حمدى عام 1974 وأصر على الركوب بجوارك فى سيارتك؟ رد وهو يبتسم: من أجل قدره المحتوم والذى كتب له فيه أن يصاب فى الحادث الذى تعرضت له سيارتى. وظل يعالج عدة شهور من الكسور فى المستشفى. سكت عوض قليلا ثم قال: كان عمنا سيد شاعرًا موهوبًا، ولو استطاع استكمال تعليمه، أظن أنه كان سيصبح شاعرًا وكاتبا ومثقفا كبيرًا فى الثقافة المصرية، وليس كاتب أغانٍ فقط.
يا قمر!
ما تقوله يا قمر
ولا أنت يا قمر
اتعلمت القساوة وبقيت زى حبيبى
بتنسى يا قمر.. حبابيك يا قمر
(مستشفى العجوزة 1974)
ولأنه كان إنسانا نبيلاً وجميلاً وشاعراً مميزًا، فإننا نجد عشرات النجوم والشخصيات العامة، لا تتركه ولا تنساه فى محنته التى تعرض لها. فى قسم 9 عظام بالمستشفى يتمدد الرجل الآن على سريره، نصفه فى الجبس منذ ثلاثة شهور، نتيجة الحادث الذى تعرضت له سيارة محمود عوض. بجواره راديو صغير يستمع منه إلى الطرب الذى يحبه. وذات مساء ليلة 13 يناير من نفس العام، دخل عليه محمود لطفى مستشار جمعية المؤلفين الذى حمل إليه حقه فى الأداء العلنى وبعد دقائق يدخل الإذاعيان
وجدى الحكيم وكامل البيطار ومعهما الشاعر عبدالوهاب محمد ثم يأتى بليغ حمدى ومها صبرى وعليا التونسية والمناسبة هى الاحتفال بعيد ميلاده وهو على فراش المرض، حتى لا يتركوه وحيدا فى أزمة مرضه.
- لما بالحب ابتلينا
- ابتلينا.. واتنسينا.. وانتهينا
- بس طول ما هو جاى بكره
- ربنا يعوض علينا
(زهرة البستان 2019)
أجلس الآن على المقهى فى صباح يوم غائم من شهر أبريل فى انتظار الكاتب ناجى مأمون الشناوى، بعد دقائق جاء وبدأنا الحديث عن سيد مرسى قال: كل ما يقال عن حكاية سيد مرسى مع أبى ليس صحيحاً فى مجمله. البعض أخذ الحكاية وقام بالبناء الخيالى والقصص عليها، أما الحقيقة التى عرفتها من أبى هو أنه ذات يوم جاء إلى بيتنا المطرب عبدالغنى السيد والملحن محمود الشريف فى زيارة عادية كانت معتادة بينهم. فى الصالون جلسا فى انتظاره. أبى كان فى حجرته، بعد دقائق نهض ليرتدى ملابسه وفتح دولابه ليرتدى أحد قمصانه. أثناء ذلك سقطت من بين الملابس ورقة بيضاء إلا من سطور قليلة. نظر فيها فوجدها عدة أبيات شعرية غنائية جميلة تقول: «ع الحلوة والمرة.. مش كنا متواعدين.. ليه ننسى بالمرة عشرة بقالها سنين» وقف أبى مندهشًا بعض الشىء من جمال الكلمات، ثم استدعى الخادمة التى كانت منذ دقائق تضع الملابس فى الدولاب.
جاءت الفتاة مرتبكة وخائفة.. سألها:
- من أين جاءت هذه الورقة؟ هكذا سألها بحدة، ردت وهى ترتعد: دى يا سيدى «بتاعة الواد سيد»!
- سيد مين؟
- سيد المكوجى
كتبها لمين؟
كتبها لى.. لأنه.. لأنه.. لأنه.. بيحبنى!
ضحك أبى وقال لها: وأين هو الآن؟
ردت وما زال الخوف يسيطر عليها: فى المحل!
- اذهبى إليه، وعودى به فى الحال. وقد كان!
يكمل ناجى مأمون الشناوى قائلاً: ذهبت الخادمة تستدعى الواد سيد - حسب قولها - وخرج أبى إلى الصالون حيث يجلس عبدالغنى السيد ومحمود الشريف، الذى قدم إليه الأبيات المكتوبة. نظر فيها الشريف ثم قال: ولكن ليس هذا لونك فى الكتابة يا مأمون. رد: نعم.. هى ليست لي. إذن لمن هذه الكلمات؟ رد: بعد دقائق سيأتى الشاعر الذى كتبها. مسرعة ذهبت الفتاة إليه، بصعوبة حاولت الخادمة إقناع سيد ليأتى معها. بعد ساعة كاملة - بسبب التوتر والارتباك والخوف - جاء معها. سأله أبى: اسمك إيه؟ قال: اسمى سيد يا سعادة البيه.
- بيه إيه.. أنا اسمى مأمون يا جدع أنت (قالها وهو يبتسم).
- هل لديك باقى كلمات الأغنية؟
- نعم.. هى أغنية كاملة وبدأ يقرأ عليهم باقى الكلمات وما أن انتهى منها، حتى بدأ محمود الشريف التلحين، ليغنيها عبدالغنى السيد الذى أعجب بالكلمات ومن هنا انطلق سيد مرسى إلى عالم الغناء، بعدما اعتمد فى الإذاعة.
هذا الموقف وملابساته، يكشف لنا عن هذا العصر الجميل فى كل شىء خاصة فى نواحى الإبداع. نحن أمام مبدعين حقيقيين تخلو قلوبهم ومواهبهم من الصغائر والشللية، والأحقاد المهنية والسرقات الأدبية التى نراها فى عصرنا الحالى. فى زمن مأمون الشناوى ومحمود الشريف وعبد الغنى السيد نحن أمام موهبة أخذ صاحبها فرصته رغم أنه مكوجى رِجل.
قلت له: هل تزوج من الخادمة التى أحبها؟ رد: لم يتزوج منها أو من غيرها، وعاش مع أمه حتى رحلت فى شقتها فى حى بولاق أبوالعلا بالقرب من سينما على بابا،هذه الشقة التى عاش فيها هو أيضاً حتى جاء زلزال 1992 فهدم البيت فانتقل إلى شقة أخرى فى نفس المكان.
- آه يا حلاوة سهرتنا من غير معاد
- يا للى سرقتوا محبتنا.. فين الوداد
- مسا الجمال على حبايبنا.. يا مسا الجمال
( الجيزة 1986)
فى مساء ليلة 13 يناير من نفس العام ذهب بليغ حمدى وسيد مرسى إلى شقة المطربة الشابة وقتها لطيفة بعدما استقرت بالقاهرة وفى الجلسة وجدها تدندن - حسب قوله لصحيفة الجمهورية - بالأغنية.
وقتها لم يتحدث إليها، واعتبر أنها طلبت غناءها من بليغ. مرت ستة شهور ثم وجدها تغنى الأغنية فى أماكن متفرقة، فاتصل بها مهنئاً على أدائها. ردت: عجبتك الأغنية؟ ثم قالت: إنها من ألحان وتأليف بليغ حمدى. هنا اعترضت - حسب قوله - وذهب إلى محمود لطفى المستشار القانونى للجمعية المصرية وكشف له عن المراحل التى مرت بها هذه الأغنية. قال سيد مرسي: الأغنية كتبها للمطربة ليلى مراد ضمن برنامج كان اسمه «جديد فى جديد» وتم تصويره فى استديوهات أبوظبى ثم غنتها المطربة سميرة سعيد بصوتها لصالح شركة صوت الحياة ثم طلبتها المطربة إلهام بديع لتغنيها. والآن المطربة لطيفة. المستشار القانونى أكد له على حقوقه فى الأغنية وطلب منه توجيه إنذار للمطربة لطيفة وهذا ما حدث بالفعل. أرسل لها قائلاً: «لو وجدت شريط كاسيت ليس عليه اسمى كمؤلف للأغنية. سوف أتخذ الإجراءات القانونية ضدك وضد الشركة المنتجة» وبالفعل تراجعت لطيفة وتم وضع اسمه على الأغنية، لتكون هذه أول وآخر معاركه فى الوسط الغنائى.
وفى نهاية الرحلة التى طالت وعاش فيها الرجل 108 أعوام بحلوها ومرها ونجاحها وفشلها وغناها وفقرها.. وحبها وهجرها.. مات.. رحل الرجل بعد ما ترك لنا كلمته، ورحلته، وكفاحه، وصبره، وإصراره، ورغبته فى أن يصبح كاتبا وشاعرًا، بعدما كان «مكوجي» على باب الله، يعمل فى محل باليومية وبالفعل تحقق له ما أراد بالموهبة والصبر والعزيمة والرغبة والأمل والحب الذى أثر فى مشواره وحياته. الحب الذى كتب له ذات يوم:
أمانة تحبوا أمانة
وانسوا يا ناس الملامة
داحنا ياللا السلامة
على بعض مانتواصاشى..
كله ماشى!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.