ما يقوم به المجلس العسكري والمحكمة الدستورية ونادي القضاء اليوم في مصر وتدارؤ كل منهم بالآخر لتمرير ما يريد ضد الرئيس والبرلمان المنتخبين وضد الثورة ؛ إنما هو في الحقيقة تعبير مادي ودليل صريح مرصود ومشهود على المعركة - أو عن بقية المعركة - المستعرة بين الثوار الحالمين بمصر الحديثة بعيدا عن الاستبداد والفساد وعسكرة الدولة وبين فريق النظام السابق وهيئاته ومؤسساته ومتعينيه الذين تولوا الحكم من بعد الساقط ولا يريدون التخلي عنه.. أما الأدلة على ذلك فهي أمام كل صاحب نظر وأكثر من أن تحصر.. وإلا فلماذا يصدر " المجلس العسكري " قبيل ساعات من تنصيب الرئيس ما أسماه " الإعلان الدستوري المكمل " ويسحب به أهم صلاحيات الرئيس؟ وما الذي يعنيه وصول قرار المحكمة الدستورية إلى المطابع الأميرية قبل ثلاث ساعات من صدوره وفي الوقت الذي تجري فيه المرافعات والمداولات بخصوصه؟ ولماذا تجتمع الهيئة العامة للمحكمة الدستورية وتصدر قرارا ضد الرئيس في غير اختصاصها وخارج ولايتها بل وخارج ولاية القضاء كله؟ وبأي منطق يصرح رئيس نادي القضاة – الزند – بأن القضاة لن يلتزموا بقرارات مجلس الشعب.. وأقول: هذا الذي يجري اليوم في مصر يجب أن يتوقف، ويجب على كل طرف أن يقف على مسؤولياته في ذلك.. ولمن يريد أن يتبين موضع الصواب لموقفه ولرأيه فيه ثمة حقائق لا يجوز أن تغيب عن البال ولا يجوز الاختلاف عليها.. 1- المشكلة لا تنحصر في قرار ولن تنتهي بالتراجع عنه أيا كان القرار وأيا كان المقرر وأيا كان المبرر.. ولكنها في توابع وعناصر النظام الساقط المتشبثين بالحكم والمعتقدين أنهم يستطيعون الاحتفاظ بمميزات جوهرية مكتسبة منه، وما تذرعهم وتدارؤهم بالقضاء إلا بأكثر من تكئة لتمرير انقلابهم على الثورة.. المشكلة لن تنتهي إلا بتطهير المؤسسات التنفيذية والإعلامية والقضائية من هؤلاء وإرجاعهم لما يجب أن يكونوه من مهنية وحيادية. 2- كان على الثورة منذ البداية ألا تنجر إلى منصات القضاء ومكملات وملحقات دساتير أعدها ويعدها أعداؤها الذين تربوا في أحضان النظام السابق ورضعوا من لبنه.. الأعجب أن تصير نصوص هؤلاء وشخوصهم محصنة من النقد والنقض أكثر من رئيس الجمهورية وقراراته والبرلمان وعشرات الملايين الذين انتخبوهم. 3- المجلس العسكري يفترض أنه ليست له سلطة على الرئيس ولا على البرلمان ولا على الحكومة، ويفترض أن رئيسه وزير الدفاع فوقه رئيسه رئيس الوزراء الذي فوقه رئيس البلاد.. فأي قلب لهذا الترتيب هو في الواقع انقلاب على منطق الدولة بكل معنى الكلمة وعلى الدستور وعلى القانون وليس تصويبه هو الانقلاب. 4- القضاة ما داموا في حمى القضاء بصفتهم وموقعهم يجب أن ينأوا بأنفسهم عن المحاور السياسية والتجاذبات الحزبية، وعلى شخوص القضاة أن يقطعوا علاقتهم بالأحكام بعد إصدارها. 3- الصراع الذي يخوضه المجلس العسكري وجهاز القضاء ضد الرئيس وضد الثورة هو في المعطى النهائي يصب في تقليل شأنهم وشأن الرئيس وإضعاف أداء وصورة الدولة كلها وتقليل هيبتها داخليا وخارجيا وهو أرضية خصبة لتبديد منجزات مصر كمصر وليس الثورة فقط لذا يجب أن تتجه كل الطاقات والعبارات والمواقف لمنعه أصلا وتطويقه فرعا. 4- يجب أن ينظر للرئيس كحاكم فوق السلطات وكأب لها ولكل المصريين من يوافقونه الرأي ومن يعارضونه، ولا ينظر إليه كطرف خصومة أو كممثل لجهة أيا كانت.. وغير صحيح أنه مجرد سلطة تنفيذية كما يردد معارضوه.. هذا إذا كنا نتحدث عن رئيس منتخب وجاء محملا بسيرة نزيهة ووعود ممكنة وخطط طموحة " وهذا ينطبق تماما على السيد " مرسي " فكان الأولى أن يحترم لذاته قبل الفوز ولمكانته وهمته ووعوده بعده. 5- المجلس العسكري وجهاز القضاء ليسوا في مواجهة " الإخوان المسلمين " وحدهم ؛ ولكنهم في مواجهة الشعب المصري والثورة المصرية لذلك ليس مصادفة أنهم يستهدفون محصلتي الثورة حتى الآن " البرلمان الرئيس " ولأنهم في مواجهة الشعب والثورة فهذا هو الذي أضعفهم وأقصر أيديهم عن البطش بالناس، هذا المفهوم يجب التنويه إليه في كل آن وتقريره في كل وجدان وهو ذاته الضمانة لانتصار الثورة. 6- على الثوار المصريين - اليوم - وعلى كل فصيل أو اتجاه يعززهم أن يعتصموا بعد الله تعالى بثورتهم وبشعبهم وأن تظل بوصلتهم وبوصلة أنصارهم ومؤيديهم فقط في مواجهة الثورة المضادة وأن يحافظوا على نزع ذرائع أي صدام عنيف ليحافظوا على السلمية والشعبية التي أنجتهم من معضلات كبيرة ومعيقات كثيرة حتى الآن. 7- لا يجوز أن يخدعنا ما يجري في مصر - اليوم – مع ما فيه من العنت والتخويف والحشد الإعلامي عن حقيقة أن فلول النظام الساقط يتراجعون ويحرقون المزيد من أوراقهم كل يوم. 8- ما يجري في مصر ليس شرا كله.. وإنما هو عملية فرز وتمحيص تجري الآن على أشدها؛ تمحيص يتمحص فيه المؤمنون وتجتمع كلمتهم بعد أن باعدتهم الانتخابات وغرور النصر المستعجل الهين.. وينكشف فيه المنافقون من نواب وأحزاب ورموز إعلامية تأكد أنهم مهما قالوا ومهما ادعوا التوبة والأوبة ليسوا إلا شعرات في ذيل الحزب المنحل والنظام الساقط. 9- كل ما حققته الثورة المصرية حتى الآن من إطاحة برأس النظام وانتخاب البرلمان والشورى وقطع الطريق على مرشح الفلول ثم الإتيان أخيرا بالرئيس المنتخب وقدرتها المتواصلة على حشد الملايين في الميادين في مقابل عجز الآخرين رغم كل مالا يزال بأيديهم من مراكز الثقل.. كل ذلك يؤكد حقيقة أن الثورة تواصل تحقيق الإنجازات وأنها ستنتصر – بإذن الله – وأن البلبلات –" والفرفطات " التي ترى على الآخرين ما هي بقية معركة الثورة أو هو رعشة المذبوح الذي ما يلبث أن يسلم الروح ويفارق الحياة. آخر القول: ليس صحيحا أن ما يقوم به العسكر والمحكمة الدستورية العليا في مصر هو لحماية القانون أو لحماية الدولة أو اعتصام بالدستور.. فهذه كلها صارت أدوات صغيرة يستخدمونها في معركتهم؛ ولكنها في الحقيقة حرب على هيبة الدولة وعلى مكانة الرئاسة وعلى قداسة القضاء وعلى ضمانة الجيش وحصانة البرلمان.. وقد بات واضحا أن منطقهم «تخرب بيدي ولا تعمر بيد غيري نقلا عن صحيفة الشرق القطرية