أكد المستشار حسن ياسين الرئيس بمحكمة استئناف المنصورة أن القضاء المصري لا ينافق ثورة الخامس والعشرين من يناير ولن يصدر أحكامًا لمجرد إرضاء المتواجدين في ميدان التحرير لافتًا إلي أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم علي شخص ما من منظور أنه فاسد إلا بدليل. وقال المستشار ياسين في حواره مع «روزاليوسف» إن المطالبة بإذاعة جلسات محاكمة رموز النظام السابق وعلانيتها هي ذريعة يتكئ عليها المتواجدون في ميدان التحرير ضمن مجموعة مطالب أخري يستميتون في سبيل تحقيقها.. وإلي نص الحوار هناك أصوات قضائية تنادي بتطهير الفاسدين وآخرين مرتبطين بنظام مبارك؟ - هذه الأصوات غير صحيحة - وهي تعلم ذلك جيدًا ولا أدري ما الذي دعاهم إلي هذا القول.. وهم يعلمون تمام العلم أن أي قاض تحوم حوله شبهة فساد يتم التحقيق معه وإبعاده عن المؤسسة القضائية.. وبالتالي إذا كانت لديهم أي معلومات أو دلائل علي أن هناك قضاة فاسدين فليتقدموا بها إلي مجلس القضاء الأعلي.. وإن لم يفعلوا فهم مقصرون في حق القضاء الذي ينتمون إليه إن كانوا من رجال القضاء. هل يمكن معاقبة الأصوات التي تنادي من داخل القضاء بمحاسبة الفاسدين من زملائهم.. إذا لم يكن لديهم أدلة علي قولهم هذا؟ - هناك مشكلة.. إن الذين يتحدثون لا يذكرون أسماءً وعليهم بالتالي أن يذكروا الأسماء التي يتحدثون عنها.. وفي هذه الحالة يصبحون أمام أمرين.. إما أن يكون معهم دليل.. أو يقدمون للمساءلة أمام مجلس القضاء الأعلي.. لأن مثل هذه الأمور خطر يهدد المؤسسة القضائية.. لأن معني أن هناك فاسدين في القضاء ولم تذكر أسماؤهم فذلك يضر بكامل المؤسسة القضائية العريقة التي يشهد العالم بنزاهتها.. كما تشهد لها جميع القوي السياسية.. وأقول إنه من العجيب أننا لم نسمع بهذا الأمر قبل الثورة رغم أن القضاء كان من الممكن توجيه مثل هذه السهام له في ظل الأحداث التي جرت.. وفي ظل النظام السابق والأحداث التي جرت.. بينه وبين القضاة من مشاحنات عقب انتخابات برلمان 2005. بماذا تقصد بالمشاحنات التي جرت بين القضاة والنظام السابق عقب إجراء انتخابات برلمان 2005؟ - أقصد هنا.. أنه لم يجرؤ أحد خلال هذه الفترة التي شهدت مشاحنات بين القضاة والنظام علي طبيعة إجراء الانتخابات خلال هذه الفترة أن يقول ذلك علي المؤسسة القضائية.. وللأسف وجدنا أن توجيه السهام للقضاء لم تكن عقب الثورة مباشرة.. ولكن عقب تناول بعض ممن ينتسبون للقضاء لهذا الأمر.. لأن الجميع يعرف أن المؤسسة القضائية تطهر نفسها أولاً بأول وليست بحاجة إلي الأصوات التي تنادي بتطهير القضاء.. لأنه بعد نجاح الثورة قد انتقلت المحاكمات إلي القضاء.. وهو ما لا يصح معه بأي حال من الأحوال التعليق أيضًا علي القرارات أو الأحكام الصادرة عن المؤسسة القضائية سواء تلك المتعلقة بإخلاء السبيل، أو تلك المتعلقة بأحكام البراءة.. لأن التعرض لهذه المسألة يجعل صاحبها عرضة للمساءلة الجنائية.. وعليه يجب أن يفهم المواطن المصري أن القضاء المصري أفضل المؤسسات القضائية علي مستوي العالم.. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقوم بتشويه صورته لأننا أمام مرحلة تأريخ للثورة.. ولا يصح أن يسند للقضاء المصري بعد أن يؤرخ لهذه الثورة أنه أصدر أحكامًا ظالمة نفاقًا لثورة الخامس والعشرين من يناير. ألا تري أن لفظ تطهير القضاء به مبالغة بعض الشيء.. خاصة أنه أعقب ذلك احتجاجات داخل ميدان التحرير؟ - المؤسسة القضائية لا تحتاج إلي ثورة أو مظاهرات ضدها من أجل تطهيرها.. لأنها تقوم بتطهير نفسها بنفسها باستمرار.. وبالتالي إذا كان هناك شخص يملك دليلاً أو لديه معلومة عن فساد، أو شبهة فساد بحق قاض فعليه أن يتقدم بها إلي الجهات القضائية المختصة.. والممثلة في مجلس القضاء الأعلي.. وأقول لك إن القضاة يؤخذون بالشبهات بعكس الأشخاص العاديين الذين يفسر الشك لصالحهم وخلال السنوات الثلاث الأخيرة تم استبعاد ما يقرب من «خمسمائة قاض» ما بين الاستقالة والإحالة إلي وظائف إدارية من خلال مجلس الصلاحية ومجلس تأديب القضاة التابع لمجلس القضاء الأعلي والبعض من هؤلاء القضاة قدم استقالته لمجرد أنه طلب للتحقيق معه.. وهو ما يعني أنه لا يطيق قاض أن يحقق معه لمجرد الشبهة.. إذا أخذ بالشبهة فسوف يستقيل من العمل بالقضاء. هل هناك مؤامرة علي القضاء لهدم الدولة المصرية باعتباره الميزان الفاصل بين الجميع؟ - أعتقد أن المؤامرة الخارجية هنا علي شكل المجتمع من أجل إبعاد مصر عن تحقيق هدفها الأصلي وهو بناء الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية، لأنه لو تمكنت مصر من ذلك وأخذت قرارها بنفسها دون الرجوع لأحد أعتقد أنها سوف تغير خريطة المنطقة لأن قدرها أن تقود العالمين «العربي والإسلامي». لذلك أدعو جميع ائتلافات الثورة أن يضعوا أمام اعينهم هدفًا واحدًا وهو بناء مصر الديمقراطية المدنية.. وأن يتركوا كل ملف من الملفات في يد الجهة المنوطة به . ما هو رأيكم حول قرار مجلس القضاء العلي باذاعة جلسات المحاكمات علانية.. وهل هذا يطمئن الثوار بميدان التحرير ويجعلهم يهدأون؟ - كرجل لي رؤية سياسية.. أري أن مسألة المطالبة بإذاعة الجلسات وعلانيتها هي ذريعة يتكئ عليها بعض المتواجدين حاليا في ميدان التحرير ضمن مجموعة مطالب أخري يستميتون في سبيل تحقيقها وهي مسألة الدستور أولا ويسعون من خلال هذه الفكرة إلي محاكمة التجربة الإيرانية التي تقوم علي تشكيل هيئة يتم السعي من خلالها إلي إقصاء فصائل وقوي سياسية بعينها من المشهد السياسي.. سعيًا للقفز إلي السلطة وسرقة الثورة من أصحابها الحقيقيين وهم الشعب المصري بأكمله. وهؤلاء يعلمون أنهم قلة ولن يستطيعوا أن يصلوا إلي السلطة إلا من خلال هذه الطريقة وأتمني أن تصل هذه الرؤية للمسئولين ليضعونها في اعتبارهم. وأقول إن الثورة حققت كثيرً من أهدافها بإسقاط رأس النظام وكثيرا من حوارييه و وضعت المجتمع علي الطريق الصحيح الذي يؤدي إلي الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ويسمح فيها بتداول السلطة.. بحيث تكون وبحق دولة مؤسسات تحقق سيادة القانون واستقلال القضاء والعدالة الاجتماعية بين جميع أفراد الوطن دون النظر إلي الدين أو اللون أو الجنس. وأضيف أيضا أن الطريق مازال طويلا ولكن ملامحه قد ظهرت ولذلك يحاول هؤلاء إثارة مثل هذه المسائل الفرعية حتي نعود للوراء. أفهم من ذلك.. أنكم تؤيدون فكرة إجراء الانتخابات أولا قبل الدستور؟ - لاشك أن إجراء انتخابات نزيهة وتشكيل مجلسي شعب وشوري وإعداد دستور جديد وأن يكون رئيس مصر منتخبا وكذلك حكومة منتخبة بارادة الشعب المصري سوف يؤدي إلي أن تقوم مؤسستا الرئاسة والحكومة بتطهير ما تبقي من حواري النظام القديم والعقل والمنطق يدعونا إلي أن نتكاتف حول هذا الهدف.. وألا نثير المواطن العادي حول مسائل فرعية تؤدي إلي إحداث فوضي وتأخير الهدف الذي نسعي إليه من خلال اقامه دولة مدنية وديمقراطية حديثة وأؤكد أيضا علي أن الجمعية التأسيسية التي ستتولي اعداد دستور دائم للبلاد صاحب الحق الأصيل في تشكيلها واختيار أعضائها هو الشعب المصري باعتباره مصدر السلطات لأن الدستور الذي سيتم اعداده سيكون بمثابة عقد اجتماعي يحكم العلاقة بين الشعب وحاكمه.. وهو ما يعني أنه إذا طالب البعض بفكرة الدستور أولاً فمن الذي سيتختار هذه الجمعية.. هل هي القوي السياسية التي تمثل نفسها .. والذين ينادون بفكرة الدستور أولا يسعون بكل قوة علي أن يحصلوا علي موافقة باقي القوي السياسية علي هذه الفكرة. وماذا في حال إذا نجح انصار هذه الفكرة في الحصول علي تأييد باقي القوي السياسية بالرغم من إعلان المجلس العسكري إجراء الانتخابات في موعدها؟ - سوف نقع في مأزق وهو كيفية اختيار الجمعية التأسيسية لذلك نحن نؤيد المجلس العسكري في اعلانه الداعي إلي إجراء الانتخابات أولاً.. لان غالبية الشعب المصري قال في الاستفتاء الدستوري نعم وبنسبة 74% . هل يمكن أن تقبل فكرة تولي حكم البلاد حاكم متدين وفق جنسيته المصرية وليس ديانته؟ - لا مانع أن يتولي الحكم في مصر متدينون سواء كانوا مسلمين أو أقباطًا.. ولكن لابد أن يؤمن هذا الحاكم بحق الآخرين وحريتهم في كل شيء.. مع مراعاة الحرية المنظمة التي تحترم حرية الآخرين.. وعليه «ألا يلبس الدين بالسياسة أو السياسة بالدين».. لأنه يحكم في مجتمع كل فرد فيه له الحق في أن يؤمن ويعيش في وطنه أيا ما كانت انتماءاته الطائفية أو الدينية أو الاجتماعية.. ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتم التفرقة بين المصريين استنادًا إلي أي مما ذكرته هنا. اسمح لي أن أنقل لكم اعتراضاً من جانب بعض التيارات الدينية علي فكرة تولي أي مصري موقع الحكم بحجة أن هذا يندرج تحت بند الولاية العامة؟ - إيماني.. أن كل أفراد المجتمع المصري هم أصحاب هذا البلد.. ومن حق أي فرد أن يحكم هذا الوطن ويسعي تجاه أي منصب طالما أنه اجتاز الاجراءات التي يتطلبها الدستور دون النظر إلي الدين أو الجنس أو الطائفة لأن هذا الوطن ملك للجميع ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يستأثر به فصيل دون غيره. من وجهة نظركم أيهما أقرب للتطبيق علي سبيل المثال لا استيرادا للتجربة.. ويمكن تطبيقه كنموذج حكم في مصر خلال الفترة المقبلة؟ - أري أن النموذج التركي هو الأقرب.. باعتبار أن تركيا هي دولة مدنية ديمقراطية.. ولكن من يتولي الحكم فيها هم أناس متدينون ولا أمانع أن تكون مصر كذلك.. وعلينا هنا أن ننتبه أيضا إلي أن تركيا ليست دولة إسلامية بالشعار المتداول إعلاميا. إعلاميا.. هل تري أن الإعلام من أجل أن يجذب أكبر نسبة قراء ومشاهدين ساهم في خلق حالة من التوتر المجتمعي عندما يستضيف أو يعلق أو ينشر أخبارا غير مؤكدة عن بعض المحاكمات؟ - إن بث أخبار أو شائعات كاذبة في وسائل الإعلام بأنواعها المقروءة، والمسموعة والمرئية تؤدي للإضرار بالمصالح العامة أو إحداث فتنة في المجتمع وهي جريمة يعاقب عليها بنص قانون العقوبات وفق نص المادة 189. أيضا التعرض لأحكام القضاء بالتجريح عن طريق وسائل الإعلام يشكل جريمة يعاقب عليها بنص المادة 186 من قانون العقوبات. هناك بعض الآراء تري أنه يجب أن تصدر قوانين تحاكم رموز النظام السابق علي أفعال غير منصوص علي تجريمها في القوانين الحالية بأثر رجعي؟ - شوف.. القواعد الموضوعة التي تجرم الأفعال وتعاقب عليها لا يجوز أن تطبق بأي حال من الأحوال بأثر رجعي.. لأننا كما ذكرنا التاريخ يحاكم الثورات وقضاؤها.. وبالتالي لا يجوز محاكمة رموز النظام السابق أمام القضاء العادي عن أفعال لم تكن مجرمة في ظل القوانين الحالية.. لأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وأصل هذه القاعدة أن المولي عز وجل لا يحاسب عباده إلا إذا أرسل لهم رسولا يبين لهم الحلال من الحرام.. وبالتالي فإن إصدار قوانين تجرم أفعالاً في الوقت الراهن لم تكن مجرمة في السابق ومحاكمة أصحابها أمام القضاء العادي عن تلك الأفعال حاليا أمر غير جائز قانونا وكل المشتغلين بالقانون ودارسية يعلمون ذلك.. ومن ينادي بذلك أعتقد أنه جاهل بالقانون. هل يمس استقلال القضاء حين يطالب أهالي الشهداء بسرعة المحاكمات في إطار الضغط؟ - المطالبة بسرعة الفصل في القضايا لا يمس استقلال القضاء.. ولا يمكن للقاضي أن يغفل بعض الإجراءات في إطار المحاكمات التي لابد أن تستغرق الوقت الكافي لتحقيق العدالة. أيضا المطالبة شيء والاستجابة من جانب القضاء لهذه المطالب شيء آخر.. لأن القاضي لا يمكنه أن يخل بحق متهم في الدفاع أو لا يفحص قضية ويصدر حكمه هكذا.. لأنه سوف يحاسب علي هذا يوم القيامة.. وجميع القضاة المسند إليهم الفصل في القضايا الخاصة برموز النظام السابق مشهود لهم بالكفاءة والحيدة والنزاهة كغيرهم من القضاة وهم يطبقون قانون الاجراءات الجنائية دون النظر إلي مطالبات أو أي ضغوط أخري وأود هنا للتذكرة أن ألفت انتباه المواطنين إلي أن أمريكا بعد أن ألقت القبض علي ابن الشيبة وهو أحد عناصر القاعدة كان جميع الأمريكان يودون رؤيته وهو معلق علي المشنقة في ميدان عام.. واستغرقت محاكمته سنوات ولم ينتقد أحد من الأمريكان الإدارة الأمريكية أو القضاة الأمريكان في بطء المحاكمة.. لأنهم يعلمون أنه طالما انتقل الملف إلي يد القضاء فلا يجوز الحديث بشأنه. وطبيعة قانون الإجراءات الجنائية في مصر والعالم تلزم القاضي بأن يقوم بتخصيص وفحص القضية المتداولة أمامه، وتمكين المتهم من الدفاع عن نفسه.. وتقديم ما لديه من أدلة نفي.. وللمحكمة أن تفحصها قبل أن تصدر حكمها، ولابد أن يحرص المجتمع أن يظل القضاء في مصر مطبقا لتلك المبادئ ومتمسكا بها، ولا يغفل أيا منها.. لأن الذين يطالبون بسرعة المحاكمات والتغاضي عن بعض الإجراءات قد يمثلون غدا أمام نفس القضاء ويحاكمون بتلك القوانين!! أيضا لا يجوز للقاضي أن يحاكم علي شخص ما من منظور أنه فاسد إلا بدليل.. والنبي صلي الله عليه وسلم» قال: «ربما يكون أحدكم الحن بحجته فأقضي له بما ليس له.. فكأنما اقتطعت له جزء من النار»، وهذا الحديث يوجهنا به النبي - صلي الله عليه وسلم- كقضاة بأنه لا يجوز لقاض أن يعمل فراسته ولابد أن يقضي بدليل. إذن بما تدعو في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ قضائنا العريق؟ - أدعو جميع المواطنين المصريين أن يضعوا القضاء المصري في المكان الصحيح وألا يتعرضوا للتعليق علي ما يصدر منه من أحكام أو قرارات.. أيا ما كان مضمون هذه القرارات أو الأحكام.. لأنه لابد وأنها قد صدرت بعد فحص وتمحيص دقيق ووفقا لصحيح القانون.. ولا يمكن للقاضي بأي حال من الأحوال أن يصدر قرارا أو حكما إرضاء لميدان التحرير أيا ما كانت تبعات ذلك القرار أو الحكم الصادر.. وهو ما يؤكد وبحق أن جميع من ينتسبون لهذه المؤسسة العريقة هم قضاة صالحون لا تشوبهم شائبة.