لسنا بدعاً من الأمم والشعوب إذا أكدنا الحقيقة التي أشرنا إليها مرراً وتكراراً في جميع المناسبات وعلى كل المستويات.. بأن رأسمالنا الثابت الذي نحرص عليه ونذود عنه ونكافح وننافح، هو إنسان هذا الوطن، لا الثروة المادية ولا البنى التحتية ولا المنجزات والمكتسبات، وإن كانت جميع هذه الأمور لها من الأهمية بقدرها الذي لا نقبل التهاون فيه، إلا أنها تهون وتذوب أمام قيمة المكون الأساسي للمجتمع، وهو المخزون البشري. نقول هذه المقدمة، لأننا، وإن كنا نراهن دوماً على صفاء البناء الإنساني والفكري لدى أبناء الإمارات، وأصالة المنطلقات وعمق الهوية الوطنية والروابط الاجتماعية، إلا أننا لا بد أن نقف على تحليل تتابع بعض موجات التغيير الجديدة القادمة من هنا وهناك بدوافع عدة، لتصول وتجول بين أبناء الوطن، لا سيما الشباب، بهدف تحطيم بنية المجتمع، إذا لم يتم أخذ الحذر منها والتنبه لها. قبل كل شيء، نحن نقر بأننا لا نخشى الجديد من الأفكار ما دامت تحمل الخير في باطنها، ودلالاتها قبل شعاراتها، وما دامت تسير في الضوء والنور وأمام أنظار المجتمع، لا أن يتم تسويقها في الظلام والدهاليز المظلمة، وبالأسماء المستعارة، والإيحاءات المبالغ فيها، لتترك بين من يتداولونها آثاراً سلبية قد لا يشعرون بها إلا حين تستفحل وتصعب معالجتها. نعم؛ لا نهاب تصادم الأفكار مهما عارضت أفكارنا، لأننا نثق بصفاء منطلقاتنا ومبادئنا، وهي في صميم ثقافتنا مغروسة ومتجذرة على أساس ثابت يعلم أهمية الإنسان ويؤمن بوقوفه على هرم الأولويات، ويدرك يقيناً أن القيادة الرشيدة حريصة على كل ما من شأنه خدمة المواطن وحمايته، وتقدم أعلى درجات الرعاية له، وقبل ذلك حماية نضجه الفكري في بيئة صحية إبداعية تقبل الرأي والرأي الآخر، ما دام في حقل تبادل الأفكار بوعي ومسؤولية، ولم يصل إلى مرحلة إقصاء الآخر وحرمانه من حقه في التفكير وإبداء الرأي. واليوم، في ظل هبوب رياح التغيير عبر «الربيع العربي»، تتطاير الأفكار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتداعيها المتسارع باستمرار، لدرجة تسابق فيها الأفكار القدرة على قراءتها وتحليلها، وتملأ الفضاء الإلكتروني الفتاوى المبتورة، أو الآراء المقطوعة المبتوتة، المنزوعة من سياقاتها الفكرية والاجتماعية والتاريخية، لتسقط على عقول لا تزال غضة، فتتلقفها أحياناً من دون القدرة على تمحيصها، وتبدأ في نخر البناء الذاتي للشباب، ثم البناء الاجتماعي الأكبر. لا يرتاب أحد في درجة الرخاء والاستقرار والأمان الاجتماعي والتواصل بين القادة والشعب الذي نعيشه في دولتنا من دون مبالغة، فنظرة سريعة على إعلامنا وصحفنا تظهر مدى القرب وذوبان الحواجز بين المسؤولين والناس، بما يضمن تلمس مشكلاتهم اليومية، والعمل على حلها بالشكل الذي يعيد الحقوق لأهلها، ويحفظ للجميع حقوق المواطنة، لأن هذا الحرص منشؤه قيادة تحترم المواطن، وتعلم مكانة الإنسان في هرم النهضة، وأنه حجر الأساس فيها. لا ينبغي بأي شكل من الأشكال الاستهانة بأفكار الشباب وتركها دون اكتراث ومتابعة، فالحرية التي تربينا عليها في ربوع هذا الوطن، هي ممارسة عملية حقيقية، راقية وإنسانية، تحفظ عقول الجميع وكرامة الجميع، كشركاء في بناء الوطن، مخلصين في البحث عن أفضل صورة تظهر نهضته ورقيه. وعلى الدوام كنا نؤكد دور الإعلام عموماً، والأمني خصوصاً، لأنه القريب من نبض الشارع، المدرك لهواجسه، المراقب لكل انحراف في خطه البياني عن جادة الاعتدال والصواب، لا سيما بين صفوف الشباب، وهو دور جاد حقيقي لا ينبغي أن ينصرف إلى الرصد السطحي فحسب، بل يجب أن يتعدى ذلك إلى خوض تفاصيل الأحداث مهما كانت بسيطة، والنظر إليها برويّة ودقة، وتحليل المعطيات ووضع النقاط على الحروف أمام المتلقي من أبناء الوطن، حتى لا يكون نهباً للأفكار المغلوطة. فربما أحدثت فكرة عابرة غير مشبعة التنقيح، خللاً اجتماعياً يصعب تلافي تداعياته المؤلمة، وأي خلل سينعكس حتماً على مسيرة العمل المجتمعي، ويخدش معالم النهضة التي تسير الدولة حثيثة في ركبها. فالأمن والإعلام وشتى المنابر التربوية والاجتماعية، مطالبة اليوم بأن تمارس دورها التنويري الريادي بشكل مكثف، مركزة على الأهداف التوعوية، وملاحقة الأفكار المخربة للمجتمعات عبر مختلف الوسائل، والعمل على تسليط أضواء المعرفة والتحليل الدقيق من خلال متخصصين عقلانيين، وتقديمها للمجتمع مشفوعة بما يضعها في نصابها وحجمها الحقيقي، وينقيها من لوثات دعاوى التجديد والتحديث والتطوير، وهي في حقيقتها دواعٍ لنزع الاستقرار الأمني والاجتماعي. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية