شهدت السنوات الأخيرة تزايدا ملحوظاً فى أعداد الأطفال المصابين بمرض "التوحد" أو "الأوتيزم" حتى أن الإحصائيات تقدر عدد المتوحدين فى مصر بنحو نصف مليون شخص ، ومريض التوحد ليس بالضرورة معاقاً ذهنياً خصوصاً إذا علمنا أن مشاهير من عباقرة العالم عانوا من هذا المرض أمثال أينشتين وبيل جيتس وتوم كروز.. والتوحد هو اضطراب ناتج عن خلل عصبى ووظيفى فى الدماغ يظهر فى السنوات الثلاث الأولى من عمر الإنسان وتتراوح درجاته بين التوحد البسيط والمتوسط والحاد .. في تحقيق نشرته آخر ساعة تقول عنه د.داليا سليمان ،الأخصائية النفسية ورئيسة الجمعية المصرية للأوتيزم: إن الطفل المتوحد لديه قصور فى جمع أنواع التواصل سواء اللفظى أوغير اللفظى، أى أنه قد لايقوم بالتعبير اللفظى كاملاً أو يكتفى باستخدام كلمات فردية تعبر عن احتياجاته ككلمة (ماء.بيتزا.كوكا) وليس "أنا أريد".. حتى بعد أن يبدأ فى إطلاق جمل، يستخدم العبارات التى يحفظها وقد يعمل على قلب الضمائر على سبيل المثال يقول"انت جعان يا مصطفى" بدلاً من "أنا جوعان" فهو يحفظ الجملة كما سمعها، كما أنه لا يستطيع فهم تعبيرات وجهك إذا كنت غاضباً ولا يستطيع الإشارة إلى ما يريد. وتؤكد سليمان أن الأطفال المتوحدين يعانون من قصور فى الجانب الاجتماعي، فلا يستطيعون تكوين صداقات أويفهمون الألعاب التى يمارسها أقرانهم، فمن لديه ستة أعوام يكون ساذجاً جدا عن أقرانه بسبب عدم وجود الإدراك الاجتماعى لديه. على سبيل المثال قد لايفهم أنه لايجوز أن يقترب أكثر من اللازم من شخص أثناء التحدث معه، أو عندما نأخذهم إلى المطاعم يجرون ويتناولون الأكل بسرعة وهمجية، فليس لديهم وعى اجتماعى لما هو صحيح أو خاطىء بالإضافة إلى عدم وجود الجانب التخيلى لديهم ، فهؤلاء الأطفال عموما يريدون أن يعيشوا داخل أنفسهم ولا يستطيعون التعامل مع المجتمع. وحتى الآن أسباب التوحد غير معروفة ولكن من المؤكد أن هناك استعدادا وراثيا للإصابة به، وهناك أطفال مروا بمراحل النمو الطبيعى حتى عمر عام ونصف العام ثم بدأت تظهر لديهم أعراض فقدان المهارات الاجتماعية. إحصائيات غير متوفرة الإحصائيات الدولية تؤكد أن واحدا من كل خمسمائة طفل لديه توحد ثم واحد لكل مائة وعشرة أطفال وآخر الإحصائيات فى الولاياتالمتحدة أكدت أنه واحد من كل ثمانية وسبعين طفلا. تؤكد سليمان أنه رغم عدم وجود إحصائيات له فى مصر لأن المدارس غير مدربة على ملاحظتهم، فإن لديها أربع حالات أسبوعيا فى الجمعية وهذه الأرقام مرتفعة للغاية. وأضافت أن معظم الأطفال الذين يأتون إلى الجمعية فى الغالب جاءوا بعد استشارة طبيب الأطفال المتخصص فى التخاطب والسمع والكلام، ولكن لا يصاب الطفل بالتوحد إلا إذا كان لديه الاستعداد الوراثى ، فى السابق كان هناك نظرية "ريفريجيراتور ماذر" أو الأم الباردة وتوقع العلماء أن وجود مثل هذه الأم التى لا تتواصل معهم بالشكل الكافى هى أحد أسباب التوحد. هذا شىء لابد للأهل أن يدركوه جيدا لأن الطفل يأتى عند ثمانية عشر عاما ويفقد كل هذه القدرات ويبدأون فى لوم أنفسهم على تقصير ما فعلوه. وتؤكد سليمان أن أطفال التوحد يمتازون بأنهم سعداء ولذا هناك متعة فى العمل معهم ،ولكن نحن من نحاول إدخالهم إلى عالمنا وتعليمهم قوانينا من أجل الاعتماد على أنفسهم وأن يحيوا فى هذه الدنيا بشكل طبيعى، لكن عندما يكون التوحد بسيطا يشعر الطفل بأنه مختلف خاصة عند سن البلوغ فيحاول تكوين صداقات ولكنه يفشل مما قد يقوده إلى الوقوع فى الاكتئاب. وتتحدث سليمان عن أساليب اكتشاف المرض فتقول: عن طريق البحث وسؤالى لبعض الذين خاضوا التجربة وجدت أن السيناريو المتكرر هو أن الأم تنادى على طفلها بينما الطفل لا يجيب ولا ينظر إليها من الأساس، فى حين أنه لو سمع أغنية يتفاعل معها فتساورها الشكوك من أنه يعانى مشكلة فى السمع فتأخذه إلى طبيب سمعيات الذى يؤكد لها أنه يسمع. فتأخذه إلى طبيب تخاطب فيحوله إلى طبيب أعصاب وهو الذى يلاحظ المشكلة ويرسله إلينا فى الجمعية. كما أكدت د.سليمان أنه كلما تم الكشف مبكرا كان الوضع أفضل.. وأن الأطفال الذين جاءوا إلى الجمعية منذ كان عمرهم عاما ونصف العام استطعت إدخالهم مدرسة وتعلموا القراءة والكتابة والحساب والعربى والانجليزى، بينما الحالات المتأخرة التى جاءت فى سن اثنى عشر وأربعة عشر عاما مازالت ترتدى حفاضات ولا يتكلمون! فى البداية يجد الأهل صعوبة فى التعامل مع طفلهم المتوحد ثم يأتون بعد ذلك للتدريب على التعامل معهم، فنبدأ فى تعليم الأهل تجاهل السلوكيات السلبية وتفهيمه أنه إذا أراد شيئا معينا فيجب أن يفعل الشىء الفلانى وغيرها. الأمر الآخر أن الكثير من مرضى التوحد يبدون أطفالا طبيعيين وهذا يكون لصالحهم أو ضدهم فى أحيان كثيرة، فمن يبدون طبيعيين لا يكون متوقعا منهم مثل هذه التصرفات الغريبة. وتتضح أهمية إلحاق الطفل مبكرا بجمعيات متخصصة فى علاج الطفل المتوحد وإعادة دمجه فى المجتمع وخصوصا أنه يشكل عبئا اجتماعيا على أسرته نظرا لتصرفاته الغريبة، مما يضع الأهل فى حرج شديد فى حالة وجود ضيوف بالمنزل، ومن الصعب اصطحابه إلى السوبر ماركت لأن هذا النوع من الأطفال ليس لديه وعى اجتماعى فيجرى إلى الأرفف ويقوم بإنزال كل شىء من عليها وفتحها وربما تناولها كما يعانى طفل المتوحد من اضطراب عاطفى كالضحك أثناء وجوده فى عزاء أو البكاء الشديد بدون سبب. اكتشاف مبكر رصدنا بعض حالات لأطفال يعانون من المرض ومن بينهم ياسين الذى كان طفلا طبيعيا جدا حتى عمر عامين إلا أنه فجأة توقف عن الكلام والتهريج أو حتى الاستجابة لمن يناديه باسمه والتواصل مع الآخرين بشكل كامل. إلا أنه يتفاعل مع الاعلان فى التليفزيون كما أكدت والدته التى استشارت طبيب أطفال ثم سمعيات ليؤكدوا أن حاسه السمع لديه طبيعية جدا .إلا أن ابنها كان محظوظا حيث كانت لديها فكرة بسيطة عن مرض التوحد واستطاعت الوصول للجمعية المصرية للتوحد وهو فقط يبلغ عامين ونصف ، مما أتاح له فرصة التقديم فى مدرسة لغات بمساعدة الجمعية .فالمادة العلمية يجب أن تكون مصورة حت يفهمها فمثلا يجب أن يرى تجربة التفاحة التى تسقط على الأرض حتى يفهم الجاذبية الأرضية. وأوضحت والدته بأنه يتمتع بذكاء شديد فى المواد الحسابية إلا أنه يحتاج إلى أساليب خاصة ليفهم بهدوء ما يجب عليه فعله .كما أنه فى السنة الأخيرة بدأ فى تكوين صداقات وأصبح سباحا ماهرا رغم خوفه قبل ذلك من الماء ومع الوقت تعلمت كيفية التواصل معه بالطريقة التى يفهمها. أم أخرى أكدت أنها لم تكن تعرف أن ابنها الوحيد (نديم) يعانى من التوحد إلا حينما ألحقته بالحضانة لتعرف أنه لا يمكن أن يستمر بدون مرافق وبعدها بثلاثة أسابيع فقط تعرفت على المركز وقد شعرت بالذنب لعدم ملاحظتها هذا الأمر على طفلها مبكرا. وطالبت الأم الإعلام بضرورة التركيز على أطفال التوحد وسن قوانين لهم تعمل على عدم إدراجهم تحت مظلة ذوى الاحتياجات الخاصة لأن هناك فارقا كبيرا بين الطفل المعاق ذهنيا والطفل المتوحد والأهم هو إعفاءهم من التجنيد نظرا لأن مريض التوحد من الصعب عليه التكيف مع المجتمع المحيط به.