تقول د. داليا سليمان الإخصائية النفسية ورئيسة الجمعية المصرية للأوتيزم: إن الطفل المتوحد لديه قصور في جميع أنواع التواصل سواء اللفظي أو غير اللفظي أي أنه قد لا يقوم بالتعبير اللفظي كاملا أو يكتفي باستخدام كلمات فردية تعبر عن احتياجاته ككلمة (ماء بيتزا كوكا) وليس "أنا أريد . . . " حتي بعد أن يبدأ في إطلاق جمل، يستخدم العبارات التي يحفظها وقد يعمل علي قلب الضمائر. علي سبيل المثال يقول "أنت جعان يا مصطفي" بدلا من "أنا جوعان" , فهو يحفظ الجملة كما سمعها. كما أنه لا يستطيع فهم تعبيرات وجهك إذا كنت غاضبا ولا يستطيع الإشارة إلي ما يريد. وتؤكد سليمان أن الأطفال المتوحدين يعانون من قصور في الجانب الاجتماعي، فلا يستطيعون تكوين صداقات أو يفهمون الألعاب التي يمارسها أقرانهم. فمن لديه ستة أعوام يكون ساذجا جدا عن أقرانه بسبب عدم وجود الإدراك الاجتماعي لديه. علي سبيل المثال قد لا يفهم أنه لا يجوز أن تقترب أكثر من اللازم من شخص أثناء التحدث معه أو عندما نأخذهم إلي المطاعم يجرون ويتناولون الأكل بسرعة وهمجية، فليس لديهم وعي اجتماعي لما هو صحيح أو خاطئ. بالإضافة إلي عدم وجود الجانب التخيلي لديهم، هؤلاء الأطفال عموما يريدون أن يعيشوا داخل أنفسهم ولا يستطيعون التعامل مع المجتمع. وحتي الآن أسباب التوحد غير معروفة، ولكن المؤكد أن هناك استعدادا وراثيا للإصابة به، وهناك أطفال مروا بمراحل النمو الطبيعي حتي عمر عام ونصف العام ثم بدأت تظهر لديهم أعراض فقدان المهارات الاجتماعية. إحصائيات غير متوفرة الإحصائيات الدولية تؤكد أن واحدا من كل خمسمائة طفل لديه توحد ثم واحد لكل مائة و عشرة أطفال وآخر الإحصائيات في الولاياتالمتحدة أكدت أنه واحد من كل ثمانية و سبعين طفلا. تؤكد سليمان أنه رغم عدم وجود إحصائيات له في مصر لأن المدارس غير مدربة علي ملاحظتهم، فإن لديها أربع حالات أسبوعيا في الجمعية، وهذه الأرقام مرتفعة للغاية. وأضافت أن معظم الأطفال الذين يأتون إلي الجمعية في الغالب جاءوا بعد استشارة طبيب الأطفال المتخصص في التخاطب والسمع والكلام ولكن لا يصاب طفل بالتوحد إلا إذا كان لديه الاستعداد الوراثي، في السابق كان هناك نظرية "ريفريجيراتور ماذر" أو الأم الباردة وتوقع العلماء أن وجود مثل هذه الأم التي لا تتواصل معهم بالشكل الكافي هي أحد أسباب التوحد. هذا شيء لابد للأهل أن يدركوه جيدا لأن الطفل يأتي عند سن ثمانية عشر عاما و يفقد كل هذه القدرات ويبدأون في لوم أنفسهم علي تقصير ما فعلوه. وتؤكد سليمان أن أطفال التوحد يمتازون بأنهم سعداء ولذا هناك متعة في العمل معهم، ولكن نحن من نحاول إدخالهم إلي عالمنا وتعليمهم قوانيننا من أجل الاعتماد علي أنفسهم وأن يحيوا في هذه الدنيا بشكل طبيعي لكن عندما يكون التوحد بسيطا يشعر الطفل بأنه مختلف خاصة عند سن البلوغ، فيحاول تكوين صداقات ولكنه يفشل مما قد يقوده إلي الوقوع في الاكتئاب. وتتحدث سليمان عن أساليب اكتشاف المرض فتقول: عن طريق البحث وسؤالي لبعض الذين خاضوا التجربة، وجدت أن السيناريو المتكرر هو أن الأم تنادي علي طفلها بينما الطفل لا يجيب أو لا ينظر إليها من الأساس في حين أنه لو سمع أغنية يتفاعل معها، فتساورها الشكوك من أنه يعاني مشكلة في السمع فتأخذه إلي طبيب سمعيات الذي يؤكد لها أنه يسمع. فتأخذه إلي طبيب تخاطب فيحوله إلي طبيب أعصاب وهو الذي يلاحظ المشكلة ويرسله إلينا في الجمعية. كما أكدت د. سليمان أنه كلما تم الكشف مبكرا كان الوضع أفضل فالأطفال الذين جاءوا إلي الجمعية منذ كان عمرهم عاما ونصف العام استطعت إدخالهم مدرسة وتعلموا القراءة والكتابة، والحساب والعربي والإنجليزي، بينما الحالات المتأخرة التي جاءت في سن اثني عشر وأربعة عشر عاما مازالت ترتدي حفاضات ولا يتكلمون ! في البداية يجد الأهل صعوبة في التعامل مع طفلهم المتوحد ثم يأتون بعد ذلك للتدريب علي التعامل معهم، فنبدأ في تعليم الأهل تجاهل السلوكيات السلبية وتفهيمه أنه إذا أراد شيئا معينا فيجب أن يفعل الشيء الفلاني و غيرها. الأمر الآخر أن الكثير من مرضي التوحد يبدون أطفالا طبيعيين، وهذا يكون لصالحهم أو ضدهم في أحيان كثيرة، فمن يبدون طبيعيين لا يكون متوقعا منهم مثل هذه التصرفات الغريبة. وتتضح أهمية إلحاق الطفل مبكرا بجمعيات متخصصة في علاج الطفل المتوحد وإعادة دمجه في المجتمع وخصوصا أنه يشكل عبئا اجتماعيا علي أسرته نظرا لتصرفاته الغريبة مما يضع الأهل في حرج شديد في حالة وجود ضيوف بالمنزل ومن الصعب اصطحابه إلي السوبر ماركت لأن هذا النوع من الأطفال ليس لديه وعي اجتماعي فيجري إلي الأرفف ويقوم بإنزال كل شيء من عليها وفتحها وربما تناولها كما يعاني الطفل المتوحد من اضطراب عاطفي كالضحك أثناء وجوده في عزاء أو البكاء الشديد بدون سبب. ومن ناحية أخري رصدنا بعض الحالات لأطفال يعانون من المرض ومن بينهم ياسين الذي كان طفلا طبيعيا جدا حتي عمر عامين إلا أنه فجأة توقف عن الكلام والتهريج أو حتي الاستجابة لمن يناديه باسمه و التواصل مع الآخرين بشكل كامل. إلا أنه يتفاعل مع الإعلان في التليفزيون كما أكدت والدته التي استشارت طبيب أطفال ثم سمعيات ليؤكدوا أن حاسة السمع لديه طبيعية جدا. إلا أن ابنها كان محظوظا حيث كانت لديها فكرة بسيطة عن مرض التوحد واستطاعت الوصول للجمعية المصرية للتوحد وهو فقط يبلغ عامين ونصف، مما أتاح له فرصة التقديم في مدرسة لغات بمساعدة الجمعية. فالمادة العلمية يجب أن تكون مصورة حتي يفهمها، فمثلا يجب أن يري تجربة التفاحة التي تسقط علي الأرض حتي يفهم الجاذبية الأرضية. وأوضحت والدته بأنه يتمتع بذكاء شديد في المواد الحسابية إلا أنه يحتاج إلي أساليب خاصة ليفهم بهدوء ما يجب عليه فعله. كما أنه في السنة الأخيرة بدأ في تكوين صداقات وأصبح سباحا ماهرا رغم خوفه قبل ذلك من الماء. ومع الوقت تعلمت كيفية التواصل معه بالطريقة التي يفهمها. أم أخري أكدت أنها لم تكن تعرف أن ابنها الوحيد (نديم) يعاني من التوحد إلا حينما ألحقته بالحضانة لتعرف أنه لا يمكن أن يستمر بدون موظف مرافق وبعدها بثلاثة أسابيع فقط تعرفت علي المركز. وقد شعرت بالذنب لعدم ملاحظتها هذا الأمر علي طفلها مبكرا. وطالبت الأم الإعلام بضرورة التركيز علي أطفال التوحد وسن قوانين لهم تعمل علي عدم إدراجهم تحت مظلة ذوي الاحتياجات الخاصة لأن هناك فارقا كبيرا بين الطفل المعاق ذهنيا والطفل المتوحد والأهم هو إعفاؤهم من التجنيذ نظرا لأن مريض التوحد من الصعب عليه التكيف مع المجتمع المحيط به.