مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة بجنيف يستقبل وزير العمل والوفد المرافق له    سعر الدولار الأمريكي في بداية تعاملات الجمعة 7 يونيو    كازاكس عضو مجلس محافظي المركزي الأوروبي: خفض الفائدة لابد أن يكون تدريجيا    أسعار الأسماك اليوم 7 يونيو بسوق العبور    خريطة قطع المياه في عدة محافظات للصيانة الدورية اليوم.. المواعيد والأماكن    ارتفاع حجم التجارة الخارجية للصين بواقع 6.3% في أول 5 أشهر من 2024    «القاهرة الإخبارية»: نتنياهو يجني ثمار ألاعيبه.. تظاهرات يومية في إسرائيل ضد حكومة الاحتلال    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    خطأ فادح ل«ميلر» بشأن استهداف مدرسة في غزة.. و«الخارجية الأمريكية» توضح    جدول مباريات يورو 2024.. كل ما تريد معرفته قبل بداية بطولة أمم أوروبا (تفاصيل)    سيولة في شوارع القاهرة.. اعرف تفاصيل الحالة المرورية اليوم    العثور على جثة شاب مذبوح وملقى في بحر الحجايزة بالدقهلية    دعم القضية الفلسطينية يخطف الأنظار في زفاف جميلة عوض.. بطيخة منى زكي السبب    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مرسى جميل عزيز l ملك الحروف .. و موسيقار الكلمات    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. قصة حب «فيلسوف الفن» وسيدة المسرح    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة اليوم أول ذي الحجة 1445 ه    إنطلاق اليوم الثاني من التصويت في انتخابات الاتحاد الأوروبي في إيرلندا وجمهورية التشيك    الأخضر بكامِ ؟.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    مدفيديف: أعداء الولايات المتحدة أصدقاؤنا    منتخب السودان يتصدر مجموعة تصفيات كأس العالم على حساب السنغال    عبر الموقع الرسمي.. نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024 (رابط مباشر)    هل يشترط صيام العشر من ذي الحجة أم يكفي يومان.. دار الإفتاء توضح    تفشي سلالة من إنفلونزا الطيور في مزرعة دواجن خامسة بأستراليا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    السيطرة على حريق شب في محل حلويات بحلوان    دعاء أولى ليالي العشر من ذي الحجة.. اللهم اغفر لي ولوالدي    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    سيد معوض: هناك لاعبين لعبوا المباراة بقوة وبعد نصف ساعة كانوا بعيدين تمامًا    سياسية ألمانية تعتبر السماح بضرب أهداف روسية بأسلحة بلدها ضرباً من الجنون    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    رغم الفوز.. نبيل الحلفاوي ينتقد مبارة مصر وبوركينا فاسو .. ماذا قال؟    الصيادلة: الدواء المصري حتى بعد الزيادة الأرخص في العالم    بعد جدل أفشة.. تركي آل شيخ يعلن عن مفاجأة في برنامج إبراهيم فايق    إصابة 3 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ملاكي بأسوان    موعد مباراة كوت ديفوار والجابون في تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم    بيوصلوا رسالة لمصر، خبير يكشف بالأرقام أكذوبة إنتاج الكهرباء من سد النهضة (صور)    هل يجوز محاكمة الموظف تأديبيًا بعد بلوغ سن المعاش؟.. التفاصيل    نصائح هامة للطلاب قبل الثانوية العامة "تعرف عليهم"    حالة يعفى فيها الموظف من مجازاته تأديبًا في قانون الخدمة المدنية    ما قانونية المكالمات الهاتفية لشركات التسويق العقاري؟ خبير يجيب (فيديو)    «صلاة الجمعة».. مواقيت الصلاة اليوم في محافظات مصر    تحرير 30 مخالفة في حملات لتموين الأقصر للتأكد من التزام أصحاب المخابز والتجار    ساتر لجميع جسدها.. الإفتاء توضح الزي الشرعي للمرأة أثناء الحج    أمين الفتوى: إعداد الزوجة للطعام فضل منها وليس واجبا    خالد جلال ينعي المخرج محمد لبيب مدير دار عرض مسرح الطليعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    طريقة عمل البسبوسة بالسميد، مثل الجاهزة وأحلى    حظ عاثر للأهلي.. إصابة ثنائي دولي في ساعات    إبراهيم حسن: الحكم تحامل على المنتخب واطمئنان اللاعبين سبب تراجع المستوى    في عيد تأسيسها الأول.. الأنبا مرقس يكرس إيبارشية القوصية لقلب يسوع الأقدس    سعر البطيخ والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    عضو اتحاد المنتجين: استقرار في أسعار الدواجن خلال 10 أيام    حسين حمودة بعد حصوله على جائزة الدولة في الأدب: "حاسس إن في حاجة أقدر أقدمها لبنتي"    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    بمكون سحري وفي دقيقة واحدة .. طريقة تنظيف الممبار استعدادًا ل عيد الأضحى    "طاغية".. بايدن يهاجم بوتين أثناء مشاركته في ذكرى إنزال النورماندي    نجاح أول تجربة لعلاج جيني يعمل على إعادة السمع للأطفال.. النتائج مبشرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرض اسمه‏..‏التوحد
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 04 - 2010

ليلة أمس الموافق الثاني من إبريل من كل عام ليست كأي ليلة علي من ينام الليل بعين واحدة مغمضة زارها الكري‏,‏ وأخري مبحلقة وسط الظلام لا يغمض لها جفن. توجسا من دبيب حركة هناك يجري سريانها في سلك الأمومة المرتفع الفولت الموصل إلي القلب مباشرة‏,‏ إذ ربما يكون الابن الغالي في مرقده خلف الجدار يبغي ما لا يستطيع التعبير عنه بالنداء أو الكلام أو الأنين أو بآهات الألم أو حتي بصرخة غضب‏..‏ الثاني من إبريل من كل عام يوم له وقع إنساني خاص كجرح غائر في جبين الطفولة لابد وأن ينقش موعده علي جدران الذاكرة لنمد فيه يدا وتفهما واحتضانا ومشاركة لبراعم كتب عليها أن تحيا علي الأرض داخل قوقعة من بعد قوقعة الرحم‏..‏ الثاني من إبريل اليوم العالمي الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام‏2007‏ يوما للتوحد الأوتيزم‏Autism‏ المرض الغامض الذي يسرق في طريقه التعس ضحكة الصغير وثغاءه ومناغاته والتفاتاته وإقباله وتجاوبه ومرحه ولعبه ومزاجه وحلاوة تعثر بدايات الكلمات فوق لسانه‏..‏ و‏..‏ماما زمانها جاية‏..‏ وعلي رأس قائمة سرقاته اللاإنسانية أنه يسرق عقله ليتركه في متاهة واد غير ذي زرع ولا أنيس ولا جليس ولا ارتباط ولا تفاعل ولا تواصل‏..‏ يتركه صفحة بيضاء بلا ذاكرة ولا حدس ولا شوق لبكرة أو لبعده‏..‏ الداء العضال الذي أوقع العلماء في حيرة صحراء التيه يفتشون له عن سبب أو علاج كمن يبحث عن دبوس في كوم من القش‏..‏ المرض الطعنة الذي معناه في علم النفس المنعزل أو الذاتي‏,‏ والذي يصيب أمل الأسرة في مقتل في مستقبل أعز ما لديها‏..‏ صغيرها‏..‏ الهم المستخبي الذي استشري في السنوات الأخيرة علي مستوي العالم حتي غدت نسبته في الولايات المتحدة وحدها طفل متوحد بين كل‏150‏ مولودا‏,‏ وبلغت إحصائيته الأخيرة غير الرسمية في المملكة العربية السعودية‏42500‏ حالة‏..‏ وحدث ولا حرج عن تزايد الإصابة به في مصر الخصوبة والنماء‏,‏ فالعدد في الليمون‏,‏ ويكفي لقياس حدة وطأته زيارة خاطفة لإحدي عيادات التخاطب الجادة أو الأرزقية في الأحياء المختلفة بطوابير انتظارها الطافحة علي بسطة السلم‏,‏ حيث تتخشب الأمهات من أول النهار في صالات الشقق الخانقة وخارجها ساعات في محاولات مضنية لإخماد ثورات أبناء التوحد المصاحبين حتي يأتي الدور علي اسم الطفل المصاب ليسحبه خبير التخاطب إلي حجرة العلاج المغلقة لتبقي الأم خارج بابها يحدوها أمل كالسراب في أن يخرج إليها صغيرها بعد ربع الساعة المريب من الباب بمعجزة النداء عليها ماما‏..‏ إلا أنه بمضي عشرات الجلسات ومئات الجنيهات بأبوابها المحبطة تسحب الأم قرة عينها لعنوان آخر قالوا لها عليه يمكن تجد فيه بارقة أمل حتي ولو كان فيها فقط أن طفلها التوحدي يبطل دورانه كالنحلة‏,‏ ورفرفة ذراعيه كالطائر الذبيح‏..‏
في سن الثانية اقتربت منه أناديه باسمه فلا مجيب‏..‏ أخذت وجهه ناحيتي لأنظر في عينيه فزاع مني بناظريه‏..‏ خبطت بقبضتي مرات فوق المائدة التي استند عليها بعد أن حبا علي ركبتيه فما اهتزت له خلجة‏..‏ صفقت بيداي بجوار أذنه فلم يعرني التفاتا فأيقنت أن بسمعه علة‏,‏ لكنه سرعان ما كذب ظني في لحظة عندما ذهب بكل جوارحه يصيغ السمع لصوت محرك سيارة قادما بخفوت من بعيد‏,‏ سرعان ما أصبح هادرا في الطريق أسفل البيت‏,‏ ثم عاد لانخفاضه ليأخذ معه اهتمام الصغير الذي دخل شرنقته بعدها من جديد‏..‏ وقتها كان توني بلير رئيسا جديدا لوزراء انجلترا نتابع أخباره الشبابية في بلد الضباب التي منها إنجابه لمولود جديد أصر وهو في مثل منصبه المهم تحت الأضواء العالمية علي عدم تطعيمه بمصل التطعيم الثلاثي ال‏MMR/DPT‏ حتي لا يصاب بمرض التوحد‏,‏ فتوجهت في استراحة لمؤتمر الهلال الأحمر إلي رئيسه الدكتور العالم الكبير ممدوح جبر طبيب الأطفال أستفسر منه عن علاقة ذلك المصل بمرض التوحد الذي لم نكن نسمع عنه علي أيامنا فأجابني برصده لتفشي ظاهرة التوحد لدي الأطفال المرضي في عيادته الخاصة‏,‏ وفجأة وسط الحديث تركني وزير الصحة السابق مندفعا لوزير الصحة وقتها يسأله بلوم بالغ عما تم بشأن الزئبق المضاف إلي أمصال تطعيمات الأطفال‏,‏ وأبدا لن أنسي قولته‏:‏ احنا مش قلنا بلاش من الزئبق ده‏..‏ ولم أفهم وقتها لكني أدركت بعدها أن ذلك التطعيم بزئبقه يدخل في قائمة الاتهام المسببة للمرض حتي أن بعض الدراسات في إنجلترا وأمريكا قد أثبتت أن هناك علاقة بين حدوث التوحد واللقاحات التي تدخل فيها نسبة الزئبق أعلي بكثير من النسبة المسموح بها حسب لوائح منظمة الصحة العالمية‏,‏ وتلك النسبة تعتبر سامة وضارة بصحة الطفل وقد تكون من الأسباب المؤدية إلي التوحد‏,‏ ولأنه لا يوجد عامل واحد وإنما عدة عوامل مجتمعة‏,‏ تزيد من مخاطر الإصابة بالتوحد فعوامل الوراثة والاستعداد الجيني تعد من أنشطها تأثيرا‏,‏ وفي الأسر التي يكون فيها طفل مصاب تصبح إصابة طفل آخر محتملة بنسبة من‏3%‏ إلي‏8%,‏ وفي التوائم الذين ينشأون من بويضة واحدة تصل نسبة الإصابة في أحدهم إذا أصيب الآخر إلي‏30%,‏ كما تشير الأبحاث إلي أن نسبة الإصابة في الأطفال ذوي القرابة من الدرجة الأولي أكبر منها في الأقارب لأطفال عاديين‏,‏ وتبلغ نسبة الإصابة بالتوحد في الذكور أعلي من الإناث بنسبة‏4‏ إلي واحد‏..‏ ومن بنود قائمة الاتهام إلي جانب التطعيم والتسمم بالمعادن الثقيلة الزئبق والرصاص والاستعداد الجيني هناك القصور في فيتامين أ وعدم احتمال جسم الطفل لكل من مادتي الكازين الموجودة في لبن وحليب الأبقار والماعز‏,‏ ومادة الجلوتين البروتينية الموجودة في القمح والشعير والشوفان‏,‏ وأيضا من المسببات المطروحة التلوث البيئي‏,‏ وكثرة المضادات الحيوية التي تؤدي إلي القضاء علي البكتيريا النافعة والضارة في نفس الوقت‏,‏ وقد لوحظ زيادة ونمو وتكاثر الفطريات في الأطفال الذين يعانون من المرض بسبب كثرة استعمال المضادات الحيوية‏..‏ وخلاصة القول إن أسباب التوحد شديدة التعقيد والتباين‏,‏ وأن للعوامل البيولوجية دورا أساسيا في حدوثه وبالتالي يبقي احتمال تعدد الأسباب وراء التوحد مرتفعا منها ما هو معروف وآخر لايزال قيد البحث أو في ظلام المجهول‏..‏ وفي طريق الشفاء ليس هناك علاج ناجع يشفي نهائيا من التوحد‏,‏ لكن هناك اتفاقا طبيا عالميا علي وجوب التدخل المبكر والمكثف والمنظم منذ سن الثانية من العمر‏,‏ حيث تبين أن استفادة الطفل من هذا التدخل المرفق بعلاج نفسي أمر له أهميته البالغة لتمكين الطفل من متابعة مسيرة تطوره علي نحو سليم‏.‏
ولأن لكل مرض أعراضه فقد حددت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين‏18‏ عرضا يجب أن تنطبق‏8‏ منها علي الأقل حتي يصبح هناك شك بوجود إصابة توحد لدي الطفل والأعراض هي‏:‏
عدم ملاغاة الطفل مثل غيره من الأطفال‏..‏ تفاديه التواصل البصري مع الآخرين بحيث لا ينظر في عيني من يكلمه حتي أنه في أثناء الرضاعة أو تناوله وجبة الطعام يكون شارد النظرة بعيدا عن أمه التي لا يتأثر كثيرا ببعدها عنه ولا يبدي سرورا لدي عودتها إليه‏..‏ لا يحب أن يحتضنه أو يحمله أحد ولا يتعلق بالآخرين‏..‏ يحب الروتين ويصر علي تكرار السلوك ويرفض أي تغير في البيئة من حوله ويسبب حدوث التغيير لديه إحباطا وحزنا شديدا‏..‏ يتجاهل جميع المحيطين به ولا يقلد أفعال الآخرين ويؤثر الانسحاب من المواقف‏..‏ يقوم بحركات نمطية متكررة مثل هز الجسم أو الرأس ورفرفة اليدين والدوران‏..‏ لا يشعر بالخطر ولا يخاف منه‏..‏ يتعلق بشكل مبالغ فيه بالأشياء‏,‏ وبأجزاء من الأشياء‏..‏ يظهر نوبات غضب وقلق وأحيانا بكاء دون سبب منطقي وتتكرر لديه الإصابة بعدوي الجهاز التنفسي والحمي والإمساك‏..‏ يضحك ويقهقه دون دوافع ظاهرة‏..‏ يتصرف وكأنه لا يسمع ولا يستجيب للأوامر اللفظية‏..‏ يكرر كلام الآخرين بشكل تسجيلي‏..‏ تخلو طريقة لعبه من الخيال والإبداع ويظل مع لعبه لفترات طويلة‏..‏ يصعب عليه تفهم انفعالات الآخرين وعواطفهم‏,‏ ولا يتجاوب مع ابتساماتهم ويحملق لأعلي معظم الوقت‏..‏ يصعب عليه التعبير عن احتياجاته ويستخدم الإشارة أو الإيماءات للتعبير عن الكلمات‏..‏ يفضل البقاء وحيدا ولا يهتم باللعب مع الآخرين‏..‏ يعاني فرط نشاط وحركة زائدة أو خمولا واضحا ومبالغا فيه‏..‏ ضعف استجابته الحسية للألم أو الحرارة وقد يظهر إحساسا مفرطا بالألم‏..‏ وفي علاقة عدد الشهور بمظاهر النمو فالمؤشرات تدل علي تشخيص الحالة بالتوحد في غياب الملاغاة في عمر‏12‏ شهرا‏,‏ وغياب الإشارات في عمر‏12‏ شهرا‏,‏ وغياب الكلمات في عمر‏16‏ شهرا‏,‏ وغياب جمل من كلمتين في عمر‏24‏ شهرا‏,‏ وأي غياب للغة ولأشكال التواصل الأخري يعتبر عنصرا كاشفا لوجود اضطراب يغزو النمو الطبيعي‏.‏
وفي سكة التوحد التقيت بفرع جديد من المعرفة اسمه علم نفس الجنين الذي تدور اهتماماته حول حماية الجنين وضمان سلامته الجسمية والنفسية عن طريق محافظة الأم الحامل علي صحتها وهدوئها وتجنبها للانفعالات التي تنعكس آثارها ولابد علي ساكن رحمها كي يعبر بوابة الخروج سالما‏,‏ حيث أعتاب عالم جديد يختلف تماما عن عالم تركه في التو كان يلبي جميع احتياجاته الفسيولوجية من طعام وشراب‏,‏ فإذا لم تكن استعدادته الموروثة والمدعمة أثناء تكوينه تؤهله للتكيف مع عالمه الجديد‏,‏ وأن لا سبيل أمامه للعودة إلي النعيم الذي كان فيه‏,‏ فإنه ينسحب من عذابات الجديد إلي رحم افتراضي يهيئه لنفسه‏,‏ يعيش فيه خبراته السابقة داخل رحم أمه رافضا هذا الزخم الجديد غير المعتاد عليه من الوجوه والأصوات والألوان والعيون التي تمثل له مصدر ازعاج وتهديد‏..‏ هذا الانسحاب يترجم في التعريفات المختلفة لتصرفات الطفل المتوحد بأنه العودة داخل الذات‏,‏ أو الثبوت عند مرحلة معينة من مراحل النمو‏,‏ أو الاضطراب النمائي‏..‏ والتشابه بين الجنين والطفل المتوحد يأتي في عدة أوجه منها العزلة‏,‏ حيث الجنين محاطا بغشاء السلي من كل جهة‏,‏ والتوحدي يضع حاجزا بينه وبين العالم الخارجي ليزداد انعزالا ولا يخشي الجلوس في الظلام لفترات طويلة‏..‏ وفي بند التغذية يحتوي السائل الأمنيوسي المحيط بالجنين علي مواد سكرية وزلالية وأملاح غير عضوية يمتصها الجنين‏,‏ والطفل التوحدي بما لديه من خلل في أسلوب الطعام يكتفي بصنف أو اثنين ويتناول السوائل بكثرة‏..‏ وإحساس الجنين بالألم ضعيف للغاية لأن غشاء السلي يحيطه من كل جهة‏,‏ وتلك البيئة المعقمة المكيفة تسمح للجنين بالاحتفاظ بدرجة حرارة ثابتة‏,‏ وفي المقابل فالطفل التوحدي لا يدرك السخونة أو البرودة ولديه حساسية مبالغ فيها للأصوات‏..‏ وبالنسبة للحركة فإن كيس الجنين يسمح له بحركة دائرية حول نفسه في مكان محدود‏,‏ والتوحدي يدور حول نفسه لمدة طويلة دون الإصابة بالدوار‏..‏ وفي لحظة الميلاد يتحرك الجنين حول نفسه متخذا أوضاعا جديدة حتي يستقر في الوضع المناسب الذي تهدأ بعده تقلصات الرحم نوبات الطلق‏,‏ وطفل التوحد يأخذ أوضاعا غير مألوفة عندما يتوتر ويتحرك كثيرا يهدأ بعدها طويلا سارحا بلا حركة ثم ينتفض فجأة ليقوم بحركات عشوائية كالقفز والجري رايح جاي بلا هدف‏..‏ وفي عالم التواصل لا وجود لغيره حتي يتواصل معهم الجنين‏,‏ ويرفض المتوحد أي تواصل مع الآخرين‏..‏ في الأسبوع الثامن عندما يكتمل تكوين الأعضاء الأساسية في الجنين تظهر الأصابع أمام وجهه‏,‏ بينما يضع الطفل التوحدي يده علي رأسه أثناء المشي ويهز أصابعه‏..‏ يمنع السائل الأمنيوسي الغشاء من الالتصاق بالجنين فيدور في مغطس‏,‏ والطفل التوحدي يكره التلامس الجسماني ولا يتشوق لدفء العناق‏..‏ هناك تشابه في الارتباط المبالغ فيه بشيء مثل ارتباط الجنين بالحبل السري الذي يحقق له احتياجاته من الهواء والغذاء‏,‏ ويرتبط طفل التوحد بشكل مبالغ فيه بالأشياء مثل احتفاظه بلعبة مطاطية في يده طوال الوقت‏..‏ تظل عين الجنين تنظر في اتجاهات مختلفة في ظلمة البطن حتي الولادة‏,‏ وينظر التوحدي للعالم حوله في شرود متجنبا النظر في عيون الآخرين الذين يعيدونه لأرض الواقع‏..‏ الروتين والاستقرار من سمات الجنين الذي لا يغير مكانه داخل جدران الرحم الذي تعرف خلال شهور نموه علي جميع أبعاده‏,‏ كذلك يقاوم المتوحد أي تغيير في البيئة المحيطة به‏..‏ وقد يعوق امتلاء أذن الجنين بالسائل الأمنيوسي سماعه للأصوات‏,‏ ويتصرف الطفل التوحدي وكأنه لا يسمع الأصوات من حوله‏..‏ ويوفر كيس السلي المحيط بالجنين له الحماية‏,‏ ويتسم طفلنا بعدم الخوف من الخطر الحقيقي‏..‏ ويتأثر الجنين بانفعالات الأم ويتوتر الطفل التوحدي لأتفه الأسباب حتي غير المباشرة‏.‏
وكم من حقائق ونصائح خرجت خلاصة لتجارب علي أرض الواقع لأمهات وآباء وخبراء وأطباء تعايشوا مع الأطفال المصابين بالتوحد‏,‏ وليس أجدي من المثل الذي يقول اسأل مجرب والمجرب هنا الذي نسوق بعضا من وجهات نظره قد اكتوي في عالم التوحد بسؤال لا يسمع له جوابا‏,‏ وبنظرة لا تقابلها نظرة‏,‏ وبصداقة من جانب واحد‏,‏ وبأمومة وأبوة شعارها الصبر‏:‏
‏-‏ الأطفال العاديون قد يسببون حرجا لوالديهم في وجود الآخرين‏,‏ والتوحديون يفعلون نفس الشيء بصورة متكررة ولمدة أطول مثل ترديد الكلام والتهرب من الوالدين‏,‏ وإلقاء المعروضات في المحلات‏,‏ والضحك بلا سبب وغيرها من مواقف ومشاكل محرجة مما يضطر بعض الوالدين إلي ترك طفلهم التوحدي في البيت فتزداد انعزاليته ومن هنا فعامل دمجه مع أطفال أصحاء و المتابعة مهم للغاية وأن تقال كلمة لا بصوت قوي مع تعبيرات واضحة علي الوجه ليتعلم أن لا نوع من الردع والتحريم‏,‏ أما الضرب فلا فائدة منه‏,‏ كما أنه من المهم إظهار البهجة والامتنان والمكافأة له حين يمضي المشوار بلا منغصات‏.‏
‏-‏ أفضل وسيلة لمنع تكرار المتوحد من إيذاء نفسه مثل عض الأيدي وضرب الرأس في الحائط‏,‏ أو تقشير غطاء الجرح المصحوبة جميعها بالتوتر والغضب‏,‏ معرفة سبب القلق الذي قد يكون بسيطا يمكن حله‏,‏ وعدم إعطاء الطفل أي اهتمام أو مدح وقت النوبة وإظهار ذلك بعدها‏.‏
‏-‏ نمطية طفل التوحد في سلوكه‏,‏ تنعكس أيضا في غذائه‏,‏ فيتعود علي نوع واحد يرفض تماما تغييره مما يؤدي به إلي الإمساك الدائم‏,‏ ومن هنا لابد من عرض أكثر من نوع جديد عليه من وقت لآخر مع تحفيزه وإلهائه بالمغريات خاصة الحيوانات الأليفة التي يعشق التعامل معها وتستسلم من جانبها لمداعباته الخشنة‏.‏
‏-‏ يميل الأطفال التوحديون إلي المحافظة علي أثاث الغرفة وما يحيطهم بترتيب معين ويرفض أي تغيير في أي شيء‏,‏ حتي في موعد وجبات الطعام‏,‏ ويحافظ علي طقوس معينة يوميا‏,‏ إذا حدث فيها أي تغيير يسبب له ازعاجا يصل إلي نوبات الغضب الشديدة‏.‏
‏-‏ قد تتضمن الأشياء التي تثير غضب طفل التوحد في ملابسه كثرة الأزرار والابزيمات والسوست والياقات‏,‏ وبطاقات المقاسات خلف الياقات‏,‏ وكل ما يوضع علي الثياب بغرض الزينة‏,‏ ودائما يفضل الملابس ذات الألوان الموحدة بلا زخارف ولابد أن تعرض عليه بعض الخيارات وعلينا احترام اختياره‏,‏ مع العلم بأن الملابس والجوارب المحكمة المقاس تمنحه الكثير من الراحة والأمان بشرط أن تكون مصنوعة من ألياف طبيعية مثل القطن‏,‏ وعند النوم توفر البيجامة ذات السيقان الطويلة ضغطا رقيقا علي الجسم بأكمله يكون مريحا له عكس ثياب النوم الفضفضاضة كالجلباب الذي يرتفع لأعلي الجسم‏,‏ ومن منغصات طفل التوحد الأستيك الذي يدور حول الكاحل‏,‏ وأنواع الشامبو ذات الروائح النفاذة‏,‏ واختفاء أدوات مائدته التي تعود عليها‏,‏ وارتفاع صوت المكنسة الكهربائية أو الخلاط‏.‏
‏-‏ عند اصطحاب الطفل المتوحد لمكان جديد دعه يأخذ وقته للتكيف معه‏,‏ فالمكان ليس مختلفا بالنسبة له من حيث الشكل فقط‏,‏ بل إن رائحته أيضا مختلفة‏,‏ والأصوات مختلفة‏,‏ ويتطلب مهارات حركة مختلفة‏,‏ وقد يلازم الطفل غرفته أو مربع سريره الجديد لبضعة أيام أو حتي أسابيع‏,‏ وقد يفيد في إخراجه من صدفته تكليفه بعمل معين يتطلب الخروج من سجنه الاختياري مثل إطعام القط أو فتح التليفزيون في الصالة أو الغرفة الأخري أو وضع ملابسه في الحمام‏.‏
‏-‏ الحرص علي وجوب تناول الطفل وجبة الإفطار يوميا‏,‏ فالأطفال الجائعون أو المتعبون أو الذين يعانون من أي ضغط عصبي يكونون أكثر عرضة للقلق‏,‏ والنصيحة أن أي شيء مغذ يعتبر طعاما للإفطار حتي ولو كان مكرونة أو لانشون أو عيش حاف يتناوله الطفل المتوحد في السابعة صباحا أو السابعة مساء‏,‏ فمعدته لا تعرف فروق التوقيت‏.‏
‏-‏ إذا كان لدي الطفل طعام مفضل أو مألوف لديه‏,‏ والأم هي الوحيدة التي تعرف كيفية إعداده بنكهته المألوفة لديه‏,‏ فعليها إعداده مسبقا والاحتفاظ به مجمدا حتي يظل بإمكان الطفل تناوله في أثناء غيابها‏.‏
‏-‏ هناك خطوات علي الأم والأب استيعابها‏,‏ فمن خلالها يستطيعان التكيف مع طفلهما المتوحد خاصة أنهما يبقيان فترة طويلة لا يريدان فيها مواجهة الحقيقة أو الاعتراف بمرض الصغير وتقبل الوضع الجديد‏..‏ في سكة التكيف لابد أن يحددا مشاعرهما تجاه الموقف بمنتهي الصراحة حتي ولو كانت الكلمات ممتزجة بالألم‏,‏ فالمواجهة هي الخطوة الأولي للتعايش مع صغير في أشد الحاجة إلي شجاعتهما‏..‏ بعدها لابد من التقاط الأنفاس وترتيب الأفكار استعدادا للخطوة التالية التي تجمع فيها المعلومات من مصادر موثوق بها منها الجمعية الوطنية للمصابين بالتوحد في انجلترا ومقرها‏ECivingcityRoad,London393‏ ت‏:2997833020‏ بريد الكتروني‏[email protected]‏ والموقع علي شبكة الإنترنت‏www.autism.org.uk‏ والجمعية الوطنية للمصابين بالتوحد فرع اسكتلندا‏(NASscoliand)Centralchambershopestreet109glasgowG62LL‏ ت‏:80902210141‏ بريد إلكتروني‏[email protected].‏
‏-‏ لا توجد معايير محددة لعلاج التوحد‏,‏ وكثير من المحترفين لهم فلسفات وممارسات مختلفة في العلاج‏,‏ وبعض المراجع الطبية تنصح المعالجة بالأكسجين المضغوط‏Therapyhyperbaricoxygen‏ والبعض بتناول الطفل حليب الإبل بالتدريج حيث له خواص مسهلة حتي تتعود المعدة عليه‏.‏
‏-‏ أشارت الدكتورة كريس فريث أخصائية الأعصاب في جامعة لندن إلي أن نظام الأعصاب الخاص بأطفال التوحد يجعلهم ذي حساسية بالغة للاستثارة فيشعرون وكأنهم في زلزال طوال اليوم‏.‏
‏-‏ الأطفال المصابون بالتوحد لديهم ذكاء طبيعي يعجزون عن توصيله للآخرين لصعوبة التواصل الاجتماعي لديهم‏,‏ وقد أوضح البحث الذي أجراه البروفيسور جاك بانكسيب في جامعة أوهايو أن مادة بيتا اندرفين‏betaendorphins‏ وهي مادة في باطن الدماغ تشبه الأفيون نسبتها عالية لدي المتوحدين مما يجعلهم في غير حاجة إلي التفاعل والاختلاط الاجتماعي من أجل المتعة فلديهم الاكتفاء الذاتي مع توحدهم‏,‏ ومن هنا فإن الأبحاث التي أجريت علي دواء‏naltrexone‏ نالتريكسون الذي يوقف عمل مادة البيتا اندروفين قد أدي إلي مزيد من السلوك الاجتماعي ورغبة المتوحد في الاختلاط مع الآخرين‏.‏
وحتي لا يلقي يوم التوحد العالمي الذي وافق أمس الثاني من إبريل بظلال رمادية علي مسيرة الأمل في الشفاء يكفي معرفة أن مخ الإنسان الطبيعي يقرب من‏1330‏ دورة في الثانية من موجات طاقة المخ‏,‏ بينما يعمل مخ التوحدي ما يقرب من‏250‏ ألف دورة في الثانية من موجات الطاقة‏,‏ ومن هنا أتت فلتات العباقرة الذين قاربت سماتهم الشخصية وتصرفاتهم المنغلقة علي الذات كما جاء في قراءة تحليلية للمتوحدين قامت بها ثلاث دراسات في مؤسسة كيندي كريجر في بالتيمور أظهرت أن بيل جيتس أغني رجالات العالم صاحب شركة ميكروسوفت الذي اخترع نظام الويندوز عاني من مرض التوحد‏,‏ وعلي اساس تلك الدراسة فان البرت أينشتاين صاحب نظرية النسبية الذي غير مجري تاريخ الفيزياء في الأرض‏..‏ كان متوحدا‏,‏ وتوماس جيفرسون الرئيس الأمريكي الثالث الذي صنع أمجاد الولايات المتحدة وكان عالم آثار ومهندسا معماريا ومؤسسا لجامعة فيرجينيا‏..‏ كان متوحدا‏,‏ والكاتب الروائي الأمريكي الساخر الشهير مارك توين‏..‏ كان متوحدا‏..‏ والموسيقار العالمي بيتهوفن صاحب أروع سيمفونيات التاريخ الذي قدم أول موسيقي له في الثامنة وبدأ يفقد سمعه في الثلاثينيات من عمره ورغم ذلك لم يتوقف عن التأليف الموسيقي‏..‏ كان متوحدا‏..‏ وتوماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي الذي طرده مدير مدرسته لظنه أنه متخلف عقليا قد سجل باسمه أكثر من ألف اختراع‏..‏ كان متوحدا‏..‏ وموزارت الموسيقار الخالد الذي منح البشرية‏626‏ عملا موسيقيا نادرا كان متوحدا‏..‏ وفان جوخ الرسام الهولندي الشهير الذي أعطي أذنه هدية لحبيبته ورسم أكثر من‏800‏ لوحة‏..‏ كان متوحدا‏..‏ واسحق نيوتن مكتشف الجاذبية الأرضية كان متوحدا‏..‏ وهنري فورد مؤسس شركة فورد لصناعة السيارات‏..‏ كان متوحدا‏..‏ والنجم الأمريكي الشهير سلفيستر ستالوني الذي قام بسلسلة أفلام روكي للملاكمة عاني من التوحد في طفولته لتظل آثاره الطفيفة عليه في تصرفاته حتي الآن‏..‏ ومن المؤكد أن فورة التوحد لدي هؤلاء العباقرة لم يخمدها التطعيم الثلاثي ولا زيادة نسبة الزئبق به التي جعلتنا نهمس بحرج‏:‏ ابنك عامل إيه دلوقت؟‏...‏ سايباه يا روح أمه من صباحية ربنا مرزوع قدام التليفزيون ورايحة أدور له علي علاج بعدما قالوا عنده خلل في حاجة اسمها الأساس الكروموسومي‏!!..‏
ويظل الأوتيزم مرضا لا تعامل معه لغير القادرين‏,‏ أما غيرهم من غير القادرين‏,‏ فأمرهم متروك لقدرة الخالق‏,‏ حيث يتغير الاسم العلمي للأبناء من المتوحدين إلي الاسم الحركي بأنهم في البيت بركة‏!!‏
[email protected]

المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.