الإسكندرية - شيرين طاهر: أثقلت أعباء الحياة كاهله حتى أسقطته فى فخها، وأصبح الشجار والصوت المرتفع هما سمة الحوار بينه وبين زوجته التى ملت الحياة معه بسبب ضيق ذات اليد وقلة الأموال، فلم تجد أمامها حلاً سوى تركه بمفرده وذهبت إلى حال سبيلها، ليقرر هو أن يترك الحياة بما فيها وينتحر داخل غرفته. «محمد» صاحب الثلاثين عاماً، لم يتحمل ضغوط الحياة التى زادت عليه بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، بينما حاول جاهداً مراراً وتكراراً السباحة مع تيار الحياة إلا أن الموج كان أشد من أن يتحمله شاب مثله، ليجد نفسه بكل ما يفعله عاجزاً عن تلبية أبسط متطلبات زوجته وأبنائه. وكان مصروف البيت هو القشة التى قسمت ظهر البعير وتركت الزوجة حياتها، وأخذت معها أطفالها وهربت إلى خارج دنيا زوجها. جلس الزوج داخل غرفته بعدما اسودت الحياة أمام عينيه، مر شريط حياته مع زوجته أمامه وكأنه فى عرض سينمائى، تذكر أيامهما فى بداية حياتهما، ووعدها له بتحمل رحلة كفاحه حتى يصلا إلى هدفهما فى حياة كريمة، ولكن فاق من شريط حياته ليجد أنه كلما زاغ ببصره يميناً أو يساراً يتذكر أن زوجته وأبناءه تركوه وحيداً وهربوا من ضيق الحال وقلة الحيلة فى توفير متطلباتهم، كان تارة يلوم نفسه باعتدائه على أم أبنائه، وتارة أخرى يجد أنها تستحق أن تعاقب لعدم تحملها حياتهما التى لا ذنب له فيها، لكن كلما تخيل حياته بدون أبنائه كانت تزداد حالته سوءاً.. كيف يتحمل حياته بدونهم.. إنه يحيا من أجلهم حتى لو كانت حياته سلسلة من العذابات والمعاناة، فهى بهم تحتمل وبدونهم لا تطاق. تذكر «محمد» قصة حبه وزواجه منذ أكثر من عشر سنوات بعد حب استمر سنوات وأثمر عن طفلين، أسعد لحظات حياته عندما كان يعود إلى المنزل من عمل شاق طوال اليوم ويجد أمامه زوجته وطفليه ويحتضنهم، كان يتناسى تماماً مشقة العمل وكلمات زوجته المعسولة تهون عليه المصاعب التى يواجهها فى عمله، كان يرفض أن يخبر والدته بكل مشاكله فى العمل والمصاعب والمشاق التى يجدها خوفا عليها من حمل الهموم، وكان كل ما يشغله هو أن يجد ابتسامتها، كان «محمد» يتحمل ضغوط الحياة ويحاول دائماً أن يوفر لزوجته وطفليه أقل قدر من متطلبات الحياة، ولكن ضاق به الحال وقامت الشركة التى يعمل بها بتصفية العمال وكان هو من ضمنهم، حاول محمد البحث عن عمل آخر وكان دخله ضعيفاً لم يستطع توفير احتياجات أسرته من خلاله، كان كل يوم يمر يشتد الخلاف بينه وبين زوجته، إلى أن ضاق الحال بالزوجة التى لم تستطع رؤية طفليها يشتهيان كل شىء فى أيدى أقربائهما، هددت زوجها بترك المنزل ولن تستطيع استكمال حياتها معه مع هذا الوضع، قام بالاعتداء عليها بالضرب المبرح، وعقب ذهابه للعمل قامت بأخذ طفليها والذهاب إلى والدها تاركة المنزل لزوجها، عاد «محمد» إلى المنزل ليكتشف أن زوجته هربت من رحلة العذاب التى تعيشها وأخذت طفليها معها، حاول أن يصالحها أكثر من مرة إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، لم يستطع العيش بدون أسرته، شعر بالعجز، وسوس الشيطان له بالانتحار للتخلص من حياته التى تحولت إلى جحيم لا يطاق بدون دفء أسرته الصغيرة. أعد العدة ونصب المشنقة وقام بشنق نفسه وترك لزوجته رسالة كتب فيها: «سامحينى غادرت الدنيا عشان انتى زعلتى منى. تركتنى وحيداً لم أستطيع تحمل فراقكم لذلك قررت أن أنهى حياتى بيدى». لتدخل شقيقته لإيقاظه من النوم ولم تصدق الفتاة هى تخطو تجاه غرفة شقيقها، شاهدته أمام عينيها - شقيقها - معلقاً فى سقف غرفته بحبل فى عنقه، صعقت الفتاة من هول المشهد لتطلق بعدها صرخات مدوية، حضر على أثرها كل من فى المنزل، وقاموا بإنزاله ووضعه على الأرض لمحاولة إسعافه إلا أن كل محاولاتهم انتهت بالفشل، لأنه فارق الحياة منذ ساعات، ليتشح بعدها المنزل بالسواد. مات «محمد» هرباً من الفقر وضيق الحال وقلة الحيلة وقسوة الزوجة التى لم ترأف بحاله أو تحتضن حاجته لها ولطفليهما لدعمه على تحمل الآلام، وفضلت الهروب والنأى بنفسها عن كل هذا العذاب.. حضرت الزوجة وطفلاها بعد أن أبلغتها أسرته بما حدث، كانت تبدو على وجهها آثار الصدمة وربما الندم وربما الشعور بأنها من دفعته إلى الموت دفعاً، صرخت، زلزت صرخاتها أرجاء المكان وفى يدها رسالته الأخيرة والتى طلب فيها منها السماح.. وأنه لم يستطع تحمل بعدها وطفليها عنه، وفضل الموت على تحمل فراقهم، احتضنت الأم طفليها ورسالة زوجها وخرجت من فمها صرخة أدمعت الجميع وقالت: «سامحنى يا محمد لم أكن أعلم أنك ستترك الحياة بسبب تركى لك.. كنت سأعود إليك.. كنت أرغب فى مجرد استراحة فقط حتى أعود إليك محبة أكثر ولكنك تركتنى».