الإسكندرية - شيرين طاهر: قلب من حجر، هذا أقل ما يوصف به قلب الأم العشرينية التى تعاملت بكل قسوة مع طفلها منذ أن كان جنيناً فى أحشائها، لم تكن تتحمل حركاته بداخلها، كانت كلما نظرت إلى زوجها تذكرت أن طفلها يوماً ما سيكبر ويشبهه فيزداد كرهها له، منذ اللحظة الأولى وهى ترفض وجوده فى الحياة وتتمنى الخلاص منه حتى تنقطع صلتها بزوجها لأنها تدرك بأن أيامهما فى حياتهما الزوجية باتت معدودة ولابد لها من الانتهاء، وحاولت عدة مرات إجهاض نفسها لكنها فشلت فى ذلك. لم تكن تتوقع الأم أنها ستنجب طفلها وسيكون حاجزاً أمامها فى الوصول إلى السعادة التى تبحث عنها منذ أن كانت فتاة فى منزل والدها، التى تعتبر أنه باعها لأول مشترٍ تقدم لخطبتها للخلاص منها، والتخلص من نفقاتها، لكن كرهها لزوجها انتقل إلى طفلها وكان سبباً فى كتابة نهايته وهو رضيع لا يعلم أى ذنب اقترفه ليكون ذلك مصيره. بعد القبض على الأم التى لا تستحق ذلك اللقب التى يتمنى الكثير من النساء الحصول عليه، وقفت تسرد مأساتها ورواية حكايتها منذ أن كانت فتاة فى منزل والدها: «عشت حياة صعبة مع والدى بسبب الفقر فأجبرنى على الزواج للخلاص من مصاريفى.. كنت أتمنى حياة زوجية سعيدة تعوضنى عما عانيته فى منزل أسرتى لكن الحال لم يختلف كثيراً فعلى مدار عام كامل بعد زواجى شعرت أنه مزدوج الشخصية فقد احترف الاعتداء علىّ بالضرب المبرح على أتفه الأسباب حتى أصبح لا يوجد فى جسدى مكان دون ألم، وكنت أرى أصابعه على وجهى كلما نظرت للمرآة ولم يكن أمامى خيار سوى الخلاص من تلك الزيجة التى لا أرى فيها سوى العذاب والتنكيل وكأن وصية أبى لزوجى كانت هى الضرب والإهانة». «كنت بلا سند».. قالتها المتهمة بعيون يملأها الحزن عندما تتذكر أنها كانت تشكو لأسرتها من كثرة الاعتداء عليها من قبل زوجها لكن لا أحد كان يتصدى لزوجها مما زاده طغياناً عليها، وكانت هى فى وجه ذلك الشيطان تتصدى لكل أفعاله، هربت من المنزل وأرسلت له رسولاً تطلب من خلاله تطليقها، ولكن الزوج رفض وبكل إصرار ظناً منه أنها ليس هناك من يحميها منه وأنها حتماً ستعود لأن أسرتها لا ترغب فى بقائها معها. وأمام جبروته وإصراره على إذلالها لجأت إلى محام ليقيم دعوى خلع ووعدته بأن تدفع له نفقات القضية عندما تحصل عليه، وبالفعل نالت حريتها. سعادة غامرة ملأت قلب الزوجة بتخلصها من ذلك الزوج اللعين، لكن ثمة شيء كان يقتل فرحتها، وهى كلما نظرت إلى وجه طفله الذى ما زال فى أشهره الأولى تتذكر تلك المأساة التى عاشتها مع والده، فكانت تمتنع عن إرضاعه للخلاص منه لكن قلبها كان يحنو عليه فى اللحظات الأخيرة وتعيده إلى الحياة بإطعامه. وبعد فترة وجيزة من حصولها على الخلع تعرفت الزوجة على أحد الشباب وارتبطا بعلاقة غير شرعية وجدت فيها أنها الوجه الآخر للسعادة التى تبحث عنها وحرمت منها منذ نعومة أظافرها ونجح فى توفير متطلباتها، مسكن آدمى تقيم فيه، وظل الشاب يتودد إليها للخلاص من الطفل الذى ينغص عليهما لحظات أنسهما، وأقنعها بقتل الطفل بالموت البطيء، ووضعا خطة الخلاص من ذلك الطفل. وقفت الأم تبكى فعلتها بقلب لم يشعر بغلطته إلا بعد فوات الأوان وأكدت أنها حرمته من الطعام عدة أيام مع عدم شعورها بتأنيب ضمير أثناء ذلك، وعندما وجدته ما زال على قيد الحياة هشمت رأسه وطلبت من عشيقها التخلص من الجثة، وبعد ذلك شعرت بأنها تحررت من زوجها الذى كانت دائما تراه فى طفلها. «نعم سيدى كنت أرى زوجى ومعذبى فى عيون طفلى كلما نظرت إليه، قسوت عليه كثيراً، وكان عشيقى يدفعنى دفعاً لقتله والخلاص منه بطريقة لا تبدو فيها شبهة جنائية، كان يتلوى أمامى من الجوع والعطش وأصيب بحالة من الجفاف، لا أعرف ما أصاب قلبى وتحول إلى حجر وليس قلب أم، كما أسمع وأرى تصرفات الأمهات، بكى طفلى.. جاع.. تعذب.. عطش أمام عينى.. كنت أمارس الرذيلة وهو يعوى من الجوع والعطش والألم.. وكما كان يصرخ كنت أزداد كرهاً له، وكلما حاولت إرضاعه أو إطعامه كانت نظرات عشيقى تقتلنى فقد اتفقنا على قتل الطفل بهذه الطريقة، ولكن أيام ابنى طالت فى الحياة وكأنه كان يرغب فى تعذيبى أكثر». «لم يسلم روحه لخالقه حتى يجلعنى أعيش لحظات الذل والمهانة، أبى أن يموت جوعاً وعطشاً وتعذيباً، كانت نظراته رغم صغر سنه تشعل النيران فى جسدى ينام ويصحو ويصرخ، وأنا وعشيقى لم يتحرك لنا ساكناً، نمارس كل ما حرمه الله أمام عيونه، ونظرته تقول ربى شاهد على أفعالها الشيطانية.. بلغ الجوع والألم بالطفل مبلغه ولم يعد يستطيع الاحتمال، تحول إلى مومياء، مجرد كمية من العظام مكسوة أمامى وقلبى لا يلين وعشيقى يواصل إصراره، بدأنا فى ممارسة الحرام وزادت صرخات الطفل، حاولت إسكاته ولكنه أصر على استكمال مناجاته لربه.. صرخ بقوة ولم أعلم أن تلك هى آخر صرخاته فى الحياة.. أمرنى عشيقى أن أسكته بأى شكل.. اندفعت إليه ضربت رأسه الصغير فى الحائط وضربته وضربته حتى تدفقت الدماء منه. بهت الصراخ.. اختفى.. سكن جسد الطفل الهزيل.. أسلم روحه وسط دمائه، عندها تنفست الصعداء وشعرت وكأنى قتلت زوجى وأبى وقتلت كل من عذبنى فى الحياة، ولكن بعد لحظات وأنا أنظر إلى جثة الطفل، تذكرت أنه ابنى طفلى فلذة كبدى، تذكرت أننى أم، ولكن ماذا أفعل؟.. طلبت من عشيقى التخلص من الجثة.. أخذها وألقى بها فى مكان بعيد، ولكن عثر عليها وانكشف أمرى، وها أنا أمامك سيدى المحقق، لك أن تفعل بى ما تشاء، أنا لا أستحق الرحمة ولا الشفقة، أنا قاتلة، أرجوك عجل بإجراءاتك حتى أحصل على الراحة ولكن أين أهرب من الأشباح التى تطاردنى، شبح صغيرى وتعذيب زوجى وبيع أبى لى».. أمرت النيابة بحبسها ولم تعبأ بشىء وكأنها فقدت الحياة!