أسعار طبق البيض اليوم الاثنين 19-5-2025 في قنا    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاثنين 19-5-2025 في محافظة قنا    إرتفاع أسعار الذهب بفعل تراجع الدولار وتجدد التوترات التجارية    تراجع مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الإثنين    شركة الحفر المصرية تحقق 406 ملايين دولار إيرادات خلال 2024    الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال البريطاني في طهران    5 شهداء في قصف الاحتلال سوق الفالوجا شمال غزة    انتخاب الدكتور خالد عبدالغفار رئيسًا للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة الأهلي والزمالك في دوري سوبر السلة    رئيس رابطة الأندية: الأندية تمسكت بإلغاء الهبوط.. وتصريحات طه عزت غير موفقة    حالة الطقس اليوم.. انخفاض درجات الحرارة شمالًا وحرارة شديدة على جنوب الصعيد    بينهم 3 أطفال.. إصابة 5 أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بالمنيا (تفاصيل)    استمرار امتحانات المواد غير المضافة للمجموع لصفوف النقل    حريق هائل ب حقل قمح في المنيا.. و4 سيارات إطفاء لإخماده    عبد الصادق:المسرح الجامعي أداة تربوية فعّالة تسهم في صقل شخصية الطلاب    المتحف المصري الكبير يستقبل كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشئون العربية والشرق الأوسط    نائب وزير الصحة يتابع ميكنة خدمات الغسيل الكلوي ومشروع الرعايات والحضّانات    إطلاق مبادرة "دمتم سند" لتعزيز خدمات كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    «بالاسكوا» : الاقتصاد المصري صلب في استيعاب اهتزازات الاقتصاد العالمي    "ادعوا لبلدكم وريسنا".. محافظ بورسعيد يودع حجاج الجمعيات الأهلية -صور    استمرار إتاحة تسجيل الرغبات للمتقدمين لوظائف معلم مساعد رياضيات حتى 21 يونيو    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفالية مرور 17 قرنا على مجمع نيقية بالكاتدرائية المرقسية    القاهرة الإخبارية: أكثر من 20 شهيدا جراء غارات الاحتلال على غزة منذ فجر اليوم    حسام هيبة: أجندة تعاون استثماري مزدحمة بين مصر والصين    7 رسائل مهمة من الرئيس اللبناني قبل لقاء السيسي بالقاهرة    تركي آل الشيخ يشارك متابعيه كواليس «الأسد» ل محمد رمضان |فيديو    مصطفى الفقي.. 40 كتابا بين السياسة والثقافة والدبلوماسية    الحكم على المتهم بدهس مهندس بلودر بالتجمع الخامس    البث العبرية: ساعر طلب إدخال مساعدات لغزة بعد ضغط أوروبي وأمريكي    سرطان البروستاتا الشرس..ماذا نعرف عن حالة بايدن الصحية بعد تشخيص إصابته؟    استمرار إغلاق «الغردقة البحري» لليوم الثاني بسبب سوء الأحوال الجوية    رئيسة المفوضية الأوروبية: أسبوع حاسم لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية    تحريات لكشف ملابسات اتهام شركة سياحة بالنصب على أشخاص فى الجيزة    مسح سوق العمل يكشف: مندوب المبيعات أكثر وظائف مطلوبة بالقطاعين العام والخاص    بولندا تتجه إلى جولة إعادة للانتخابات الرئاسية    «العمل» تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي الترم الثاني 2025 بالمنيا.. تعرف على المواعيد الرسمية لجميع المواد    إسرائيل تواصل تصعيدها.. استشهاد 171 فلسطينيا في قطاع غزة    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    عمرو دياب وحماقي والعسيلي.. نجوم الغناء من العرض الخاص ل المشروع x    هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر .. دار الإفتاء توضح    من بين 138 دولة.. العراق تحتل المرتبة ال3 عالميًا في مكافحة المخدرات    خلل فني.. ما سبب تأخر فتح بوابات مفيض سد النهضة؟    شيرينجهام: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    شيكابالا يتقدم ببلاغ رسمي ضد مرتضى منصور: اتهامات بالسب والقذف عبر الإنترنت (تفاصيل)    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    البابا لاوون الرابع عشر: العقيدة ليست عائقًا أمام الحوار بل أساس له    مجمع السويس الطبي.. أول منشأة صحية معتمدة دوليًا بالمحافظة    بتول عرفة تدعم كارول سماحة بعد وفاة زوجها: «علمتيني يعنى ايه إنسان مسؤول»    دراما في بارما.. نابولي يصطدم بالقائم والفار ويؤجل الحسم للجولة الأخيرة    وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية للشباب    الأهلي ضد الزمالك.. مباراة فاصلة أم التأهل لنهائي دوري السلة    مشروب طبيعي دافئ سهل التحضير يساعد أبناءك على المذاكرة    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تقتلوهم مرتين
نشر في الوفد يوم 17 - 03 - 2012

أغلب الظن أن كثيرين لا يعرفون راندا سامي. وأستحي أن أقول إنني واحد من هؤلاء. ولولا فقرة وقعت عليها مصادفة على موقع «فيس بوك» لما توصلت إلى الاسم، ولما عرفت شيئا عن قصتها الباهرة وبطولتها النادرة ومأساتها العظيمة.
لا أعرف من الذي لَّخص قصتها في الأسطر العشرة التي ظهرت على الإنترنت، لكنني أزعم أنه لولاها لظلت قصة راندا سامي طي الكتمان. ولبقيت صفحة مجهولة في سجل نضال المصريين تفخر بها نساء مصر خاصة وتتناقلها حكايات الأجيال بفخر واعتزاز. لذلك فإن راوي القصة يستحق منا شكرا، بقدر ما إن بطلة القصة تستحق منا اعتذارا مقترنا بإجلال وتقدير أرجو أن يوفيها بعض حقها.
ليست لدينا معلومات كثيرة عن الشخصية. وإنما غاية ما نعرفه أن راندا سامي تعمل ممرضة، وأنها انضمت إلى ثوار 25 يناير. في الميدان كانت تتنقل طول الوقت بينهم. تضمد جراح مصاب وتخيط جروحا لآخرين وتقيس الضغط لمن هو بحاجة إليه. وحين تفرغ من كل ذلك كانت تسهم في توزيع الطعام على المتظاهرين والمعتصمين، حتى وصفها البعض بأنها «دينامو» الميدان، لأنها ظلت طول الوقت تتحرك دون توقف أو ملل.
ما جرى يوم 2 فبراير الذي حدثت فيه موقعة الجمل كان بداية التحول في حياتها. كانت تقوم بعملها المعتاد، إذ انحنت فوق رأس أحد المصابين تحاول أن تخيط له جرحا في رأسه. وبينما هي كذلك فوجئت بأحد رجال الأمن وقد انقض عليها محاولا جذب الجريح وإلقاء القبض عليه. إلا أنها منعته واشتبكت معه. وحين عجزت عن مقاومته ارتمت بجسدها فوق الشاب الجريح في محاولة منها لحمايته وإنقاذه من يدي رجل الأمن. فاستشاط غضبا وظل يضربها على ظهرها بعصاه الغليظة، إلى أن تدخل آخرون فأبعدوا الجندي وخلّصوا راندا والشاب الجريح من ضرباته.
احتملت الضرب بالعصا الغليظة على ظهرها، وقاومت ما شعرت به من وجع واستمرت في تحركها بالميدان، حيث ظلت تتنقل من مصاب إلى آخر ومن تجمع إلى آخر، إلا أن الوجع بدأ يؤلمها ويغالب طاقتها على الاحتمال لكنها لم تكترث به، وواصلت عملها حتى يوم التنحي، أي أنها ظلت تعمل وتقاوم الألم لمدة عشرة أيام متواصلة، وحينما فاق الألم قدرتها على الاحتمال لجأت إلى أحد الأطباء لفحصها.
بعد الفحص تبين أنها تعاني تجمعا دمويا على الحبل الشوكي، وقيل لها إنها بحاجة إلى عملية جراحية، لكن نتيجة العملية كانت صدمة لها. إذ أصيبت بشلل أعجزها عن الحركة، وتم تحويلها إلى المركز التأهيلي للقوات المسلحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى منها.
لقد قامت الفتاة بعملية بطولية واستشهادية، حقيقية وليست مجازية. إذ ألقت بنفسها فوق الجريح الذي لا تعرفه وتلقت الضربات بالعصا الغليظة على ظهرها. ثم ظلت تواصل عملها النبيل بمداواة الجرحى وتوزيع الطعام على المرابطين في الميدان، وانتهت جثة فاقدة القدرة على الحركة. وملتمسة العلاج في مركز التأهيل المهني.
في حدود علمي فإن 12 شخصا أصيبوا بالشلل جراء أحداث الثورة. ولا أعرف كيف نعبر عن تقديرنا لهؤلاء الأبطال ولا كيف نرد الجميل لهم فيما تبقى لهم من عمر وهم على تلك الشاكلة، خصوصا أن الذي قدموه فوق أي تقدير، وما فقدوه لا يمكن أن يعوّض لكنني أستهول ولا أريد أن أصدق أنهم يعانون من الإهمال وسوء المعاملة في مركز التأهيل. وينتابني شعور شديد بالمرارة والخزي حين أقرر أنني سمعت هذه الشكوى من آخرين، الأمر الذي يجعلني مستعدا لتصديقها متمنيا أن يسارع أي طرف إلى تكذيبها أو على الأقل إلى تدارك الوضع بحيث توجه الرعاية الواجبة لأمثال أولئك الأبطال، الذين كانت كل جريمتهم أنهم كانوا بين الأعمدة التي حملت الثورة وأسقطت فرعون من على عرشه.
لقد تصورت أن يكون السؤال الذي يتعين طرحه هو كيف تقدم إلى راندا وأمثالها أفضل رعاية استثنائية، ولم يخطر على بالي أن يكون المطلب الملح الآن هو أن تقدم إليهم الرعاية الإنسانية الواجبة التي ينبغي أن يلقاها أي مريض عادي.
لا تقف المفارقات عند ذلك الحد، لأن شعور المرء بالدهشة والحزن لا يكاد يوصف حين يقارن بين حظوظ الأبطال الذين ضحوا بحياتهم لأجل الثورة، وحظوظ غيرهم من الذين استثمروا حناجرهم فقط في الهتاف للثورة. وكيف دفن الأولون في التراب أو في الظلام في حين استأثر الآخرون بالأضواء والوجاهات وأصبحوا يقدمون في مختلف المحافل بأنهم «مفجرو الثورة» وصناع الربيع العربي.
إن مصير راندا وأمثالها في أعناقنا جميعا. ومن حقهم علينا ألا نقتلهم مرتين: مرة بالإصابة الجسيمة التي حلّت بهم، ومرة بالإهمال الجسيم الذي يعانون منه.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.