تفاءلت خيراً بأن الثورة قد أتت ببعض ثمارها حتي وان جاء ذلك متأخراً عندما أعلن المجلس العسكري قبل اسابيع قليلة رفضه الافراج عن المتهمين الامريكيين في قضية التمويل الاجنبي لمنظمات المجتمع المدني. وقلت لنفسي مستبشراً ها هي بشائر التحول في الارادة الشعبية والسياسية لكسر الهيمنة الامريكية علي القرار المصري، وقد بدا واضحا أن الامر كان مفاجئا وصاعقاً للادارة الامريكية التي لم تعتد هذه اللغة أو ذلك الرفض.. من دولة كان نظامها السابق جاهزاً لتنفيذ أي اشارة بالاصبع الصغري لامريكا.. فكان ان هددت امريكا بقطع المعونة ان لم تفرج مصر عن رعاياها المتهمين في القضية.. وارسلت بكثير من المبعوثين الرسميين كان آخرهم رئيس الاركان الامريكي فعادوا جميعا خائبي الرجي في ظل تشدد مصري لم يعتادوه أو يألفوه.. وكان قرار القاهرة المعلن أن الموضوع برمته أمام القضاء المصري الذي لا سلطة لأحد عليه سوي ضميره ونصوص القانون. ودعماً للموقف الرسمي المصري.. وربما لانها كانت المرة الاولي لتتلقي امريكا صفعة علي الوجه.. لطالما نلناها منها علي القضاء لذلك انطلقت دعاوي شعبية لرفض المعونة الامريكية والاستغناء عنها وبدء حملة شعبية لجمع التبرعات التي تغنينا عن هذه المعونة. ولعل ملايين غيري راودهم وقتها شعور بالعزة الوطنية وان مصر قد نالت استقلاها اخيرا من امريكا.. ولم تعد تابعاً لها.. لأن آخر عسكري أمن مركزي يقبض راتبه ملاليم من الادارة الامريكية في نهاية العام لحفظ السلام والامن في المنطقة.. حسبما تريده اسرائيل! ولكن.. تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن.. ويبدو جلياً أن سكة الادارة الامريكية كلها مسالك.. وان طرق الاغراء وربما الترهيب لا نهاية لها عند العم سام.. وهكذا كان القرار المفاجئ بالافراج عن المتهمين الامريكيين بكفالة كبيرة، وهو قرار اصاب الملايين بالذهول والصدمة.. فحسب القانون فإن الامريكيين المتهمين لم يكونوا قيد الاحتجاز حتي يفرج عنهم بكفالة هذا أولاً.. وثانياً قيل في تبرير الافراج عن المتهمين بإن منعهم من السفر هو قرار غير قانوني أو دستوري وأن القانون لا يحتوي علي أي مادة أو نص تمنع أي متهم من السفر.. فما دام الامر كذلك فلماذا رفضت الدائرة التي تنحت ان تصدر مثل ذلك القرار بالافراج عن المتهمين.. ولماذا طلب منها واجبرت علي التنحي من القضية ما دام أمر الافراج بكفالة قانونياً؟ ودعك من المسألة القانونية.. واتساءل لماذا كان القانون قد اخذ مجراه في القضية.. دون ضغوط أو تدخل سياسي أو سيادي.. فما الذي اتي بالطائرة الامريكية الخاصة التي اقلت المتهمين خارج مصر.. خاصة وان تلك الطائرة هبطت في مطار القاهرة قبل صدور قرار الافراج عن المتهمين بساعات.. فهل قرأت امريكا الفنجان أم ضربت الودع لتعرف أن قرار الافراج عن المتهمين سيصدر بعد ساعات فأرسلت طائرتها.. وقبلها اعلنت في الاعلام الامريكي أن المسألة في طريقها للحل؟ ودعونا من هذا وذاك.. ولنعد إلي من يؤكد بقانونية قرار الافراج عن المتهمين وانه لم يخالف أي مادة في القانون.. واتساءل مادام الامر كذلك فلماذا خرج علينا شيوخ القضاء بمحاكم الاستئناف والنقض ممن يشهد لهم بالنزاهة والكفاءة ليعلنوا غضبهم من قرار الافراج عن المتهمين الامريكيين.. بل ويصل الامر إلي جمع التوقيعات لسحب اختصاصات رئيس محكمة استئناف القاهرة الذي طلب التنحي من المستشار محمد شكري عن نظر القضية واحالها لدائرة اخري.. ولماذا بدأ المجلس الاعلي للقضاء في اجراء تحقيقات عن الامر برمته؟! والمثير للأسي والحزن في كل ما جري.. ان المبعوث الامريكي ماكين الذي جاء للقاهرة وغادرها بعد أن حلت المشكلة.. انه وجه رسالة شكر للاخوان المسلمين لانهم ساهموا في الافراج عن المتهمين الامريكيين. وعلي الجانب الاخر استنكر الاخوان ما قاله ماكين ونفوا انه كانت لهم يد في هذا الأمر.. وان الاخ ماكين انما هو كاذب وزنديق وفاسق ومآله جهنم وبئس المصير!! ولعل الاخوان بنفيهم ظنوا أنهم غسلوا أيديهم من الأمر، وان الملايين التي انتخبتهم ستردد خلفهم آمين.. وهم في ذلك واهمون.. فمن سيهدر السيادة والكرامة المصرية.. ومن سيبدأ اللعب بالثلاث ورقات.. ومن سيقول شيئاً وسيفعل عكسه سيكون مصيره كمصير من سبقه في النظام السابق!! وان القضاء المصري هو الحصن الحصين.. وهو قلعة العدالة ومنبر الحق، وهذا القضاء الشامخ كان له فضل كبير في كشف عورات النظام السابق في الكثير من القضايا التي حكم فيها ضد هوي النظام وعكس ما يريد.. وهو قضاء تفخر به مصر.. وليس من مصلحة انسان أياً كان التشكيك في هذا القضاء أو تلويث ثوبه الابيض ببقعة سوداء.. ولذلك اتمني ان ينتهي التحقيق في كل ملابسات الافراج عن المتهمين الامريكيين واعلانها بكل شفافية.. حتي لا يتحجج البعض خارج مصر بأن القضاء المصري سيس.. وان احكامه تصدر وفقاً لهوي الساسة.. وهو ما يهدم قضية مثل قضية استرجاع حسين سالم وأمواله وابنائه من سويسرا.. أو ما يلقي الشكوك حول أي احكام ضد اركان النظام السابق المحبوسين في طرة.. ويتبقي سؤال.. هل هناك لاعب فاعل يتحرك من خلف ستار دون أن يظهر في الصورة.. وهل هو الطرف الثالث مرة اخري.. ان عمر موسي المرشح الرئاسي عندما سئل عمن اصدر القرار السياسي بالافراج عن الامريكيين المتهمين قال انه «العفريت» ولعله مصيب قياساً علي أن كلينتون قد علمت بقرار الافراج عن المتهمين الامريكيين بقراءة الفنجان وضرب الودع.. وحيث إن كل ما يجري في مصر لا يتهم فيه سوي اللهو الخفي.. ولذلك فأري انه ليس امامنا سوي أن ندعو الله أن يصرف عنا العفريت.. قبل 30 يونيو القادم بإذن الله.. ----- بقلم: مجدي صابر