إيمان مجدي وعبدالله محمود تصوير دينا الباسوسي: "يوجد سكن واستراحة يومية مجانًا وبدون أي تبرعات لأطفال مستشفى 57357"، كانت تلك الكلمات المكتوبة على لافتة كبيرة ومعلقة بأحد منازل حي المدبح بمنطقة السيدة زينب والمقابل لمستشفى 57357. لم تكن تلك اللافتة مجرد إعلان عن وجود سكن مجاني فقط، إنما كانت تحمل بين سطورها رسالة إنسانية ورحمة يتثنى لها الجميع، فذلك المنزل قديم الهيئة والمكون من طابقين خصص به صاحبه شقة كاملة لاستقبال الأطفال المرضى المغتربين وأمهاتهم. صيام عبده والشهير ب"عم ظاظا" في العقد الخامس من عمره، يعمل جزارًا بالمنطقة، لم يتحمل أن يرى أحباب الله ممن يعانون المرض اللعين، يفترشون جوانب المستشفى بالخارج انتظارًا للحصول على جرعة العلاج أو المتابعة مما يؤثر سلبًا على حالتهم الصحية لضعف مناعتهم. جهز الرجل الخمسيني شقة تحت مسمى دار ضيافة بالدور "الأرضي" بكامل الإمكانيات ووفر بها سبع سراير، ومطبخ وحمام، وبمجرد دخولك الشقة يتسلسل شعور الراحة لديك، وتجد طفل يرتمي بجسده المنهك أثر جرعة الكيماوي على أحد الكراسي بأحد جوانب الشقة، وآخر يلهو مع طفلة وغيره ممن يأن ويريد أن يسافر لأبيه سريعًا بعد أن أنهى جرعته ويتشبث بيده 3 بالونات ملونة لتخفف عنه آلامه، ويلفت انتباهك نظافة المكان ونظامه وروح الصحبة والمحبة بين المستضافين فيه. ويتكفل عم ظاظا بكل المصاريف الخاصة بالشقة دون أن يحمل عبء على أهالي المرضى المترددين على الشقة بأي تكاليف مادية، ولم يكتف بتوفير مكان للمبيت فقط، فالساحة الموجودة أمام الشقة يصطف عدد من الكراسي المتحركة التي اشتراها لمساعدة الأطفال وقت عجزهم عن الحركة للخروج للمستشفى سريعًا، وبعض الألعاب الترفيهية لتسليتهم، وحتى لا يشعرون بالضيق داخل الشقة. خرجت فكرة دار الضيافة للنور منذ عامين وذلك بعد المعاناة الشديدة التي لفتت انتباه عم ظاظا، الفترة الأخيرة قائلًا: "مش كفاية أن ابنهم تعبان، ومتغربين من مختلف المحافظات كمان بنحملهم مصاريف كتير، أصحاب الشقق بمحيط المستشفى بترفع أسعار الشقق لكثرة إقبال الناس عليها، ليصل سعر السرير في الليلة الواحدة 50 جنيهًا، و3000 جنيه في الشهر، مما يعتبر عبء مادي كبير على الأهالي، وإن شاء الله عندي شقة تانية هجهزها بردو علشان تستقبل أعداد أكبر وربنا كريم". عُرض على "صيام" الكثير من المساعدات من قبل جمعيات خيرية ورجال أعمال والكثير من الناس المقتدرين ماديًا، ولكن دائمًا تأتي إجابته بالرفض. "دي تجارة بيني وبين ربنا، ولما تتاجر مع ربنا أنت الكسبان في كل حياتك وبعد مماتك، واللي بصرفه بيرجعلي أضعاف أضعافه بدون مبالغة، ولما حد بيعرض عليا مساعدات بخصوص السكن، بقوله إنه يقدر يوفر أماكن أخرى للمرضى وأسرهم، ولما بتجيلي تبرعات برفضها وبقولهم اتبرعوا في المستشفى، أو ساعدوا المرضى، أنا عملت الشقة من سنتين والإعلام عرف بيها اليومين دول لما صحفي صور اليافطة ونزلها على الفيس اللي هو بينشر الخبر في ثانية" هكذا قال ظاظا وهب ظاظا دار الضيافة صدقة جارية لوالدته وحماته، وأكد أنه يستقبل الأم وطفلها المريض المدة التي سوف تقضيها بالقاهرة حتى تنتهى متابعة الطفل والجرعة المطلوبة له. أرسلت المستشفى لعم ظاظا عدة رسائل شكر لتعاونه ولحسن ضيافته للمرضى، بجانب أنها طلبت منه أن تكون الدار تابعة للمشفى، عن طريق تواصله مع مكتب الشئون الاجتماعية، وبعد موافقته بدأ بالفعل بالإجراءات التي لم تكتمل بسبب الروتين وإرساله من مكتب لآخر باختلاف الأماكن وبُعدها مما جعله يقلع عن الفكرة ويكتفي أنه يصل للهدف المرجو وهو مساعدة المرضى فقط. وأخيرًا تمنى أن يكون رجال الأعمال وأصحاب الشقق عونًا للمرضى وأهاليهم وتوفير لهم أماكن قريبة وميسرة عليهم. بطاقة شخصية وبطاقة متابعة المستشفى الخاصة بالطفل، تلك هي فقط الضمانات التي عليك توفيرها للإقامة بدار ضيافة "عم ظاظا"، وهذا ما أكدته الأمهات النزلاء مع أطفالهم بالدار. وأجمع الأمهات في تصريح خاص ل"بوابة الوفد" أن عم صيام يعاملهم بصورة راقية وطيبة متناهية ويقوم بخدمتهم وتوفير كل ما يحتاجونه لهم ولأطفالهم، مؤكدين أنه يتعامل مع الأطفال بحنية كبيرة، ويستطيع أن يتعامل بعقليتهم مما يجعل الأطفال تحبه وتطمئن معه. وأكد النزلاء من الأمهات أنهم بعد أن ينهوا فترة علاج أطفالهم بالمشفى يحتاجون متابعة لمدة من أسبوع لعشر أيام يتلقى فيها الطفل جرعة الكيماوي أو العلاج المطلوب وفي تلك الفترة يحتاجون مكان قريب من المستشفى يقيمون فيه حتى يستطيعوا الذهاب للمشفى سريعًا في حالات الطوارئ التي يتعرض لها الطفل ليلة الجرعة أو بعدها، وكانت دار عم ظاظا هي الأنسب لهم. فيما قالت "أم معتصم" من الإسكندرية، والمصاب ابنها معتصم ب"لو كيميا" سرطان الدم، بأحد دور الضيافة التابعة لمستشفى 57357 في المقطم، موضحة أن الدار كانت نظيفة ومريحة ولكنها كانت تعاني من بعد المسافة خاصة مع تعب طفلها فجأة ليلًا وتضطر تحمله مسرعة للمستشفى وكثيرًا ما لم تجد وسيلة انتقال سريعة لتنقذ ابنها. وقالت "أم معتصم":" بقالي سنة بتردد على دار عم ظاظا، عرفته من الأمهات بالمستشفى، وشكروا فيه وبقيت كل جرعة يحتاج فيها المكوث بالقاهرة فترة أكلمه قبل ما أجي علشان يشوفلي في مكان ولا إيه وأغلب الأوقات إحنا هنا بنساع بعض، وكلنا سيدات يعني بنقعد براحتنا في الشقة بدون أي قيود كأننا بمنزلنا". وأعربت عن سعادتها بذلك الرجل الخمسيني الذي يقوم بكل ما بوسعه لإسعاد الأطفال، مشيرة أنها جاءت منذ أسبوع لتستعد خلال الأيام القادمة لعملية طفلها. "عم ظاظا بيجبلي كل حاجة عايزها وبيلعب معانا" هكذا قال معتصم الذي يريد أن يصبح ممثلًا مشهورًا والذي تستهويه المسلسلات التاريخية. وأضافت أم محمد من البحيرة، والتي تجلس بجوار ابنها النائم، أنها عرفت بالدار منذ سنتين، وأنها انتقلت إليها لتميزها بالقرب من المستشفى قائلة: "دلوني على الدار وقالولي إنها مجانية وبصراحة ميزتها أنها قريبة علشان كنت في دار تانية تبع المشفى وبعيدة صحيح كان في باص خاص بينقلنا لكن له مواعيد وابني بيتعب بليل، والخروج بليل والتاكسي مش آمن". وجهت "أم محمد" الشكر لعم ظاظا، مشيرة أنه يلبي لهم كل احتياجتهم بالإضافة إلى لعبه مع الأطفال مما يجعل الطفل في راحة نفسية تجاه الدار، معربة عن امتنانها لتوفير مكان خاص بالأمهات لحفظ حقائبهم ومتعلقاتهم الشخصية في وقت السفر ليكون سهلًا على الأم أن تنتقل بطفلها دون حقائب كل مرة. وأشارت إلى أن الإعلام بدأ يسلط الضوء هذه الأيام على الدار بعد انتشارها على السوشيال ميديا، مؤكدة أنه تم تصويرهم من أكثر من قناة وجريدة في ذات اليوم، مؤكدة أنه أمر غير مرتب له نهائيًا.