تصوير: هاني شمشون منزل بسيط مكون من طابقين بمنطقة المدبح في حي السيدة زينب، قرر جزار شهير تخصيص الطابق الأول لاستضافة مرضى السرطان وذويهم الذين يقصدون مستشفى 57357، بل وتوفير وجبات الطعام لهم بالمجان. "منظر الأهالي وهما نايمين قدام باب المستشفى بولادهم كان بيقطع قلبي، خصوصا إن الأطفال بعد جرعات الكيماوي والإشعاع بتكون مناعتهم ضعيفة جدا"، يقول صيام عبده، أو كما لقبه الأهالي ب"عم ظاظا"، إنه أقدم على تلك الخطوة بسبب معاناة أهالي المرضى، خاصة أولئك الذين يقطعون مسافات طويلة من محافظات بعيدة لعلاج أبنائهم، ولا يملكون تكلفة الإقامة بالقاهرة لحين انتهاء جلسات العلاج. ورغم اتجاه عدد كبير من أصحاب العقارات الواقعة بمحيط المستشفى إلى تأجير الوحدات السكنية لأسر المرضى بواقع 50 جنيها للسرير في الليلة الواحدة، و3 آلاف في الشهر لغرفة ملحق بها حمام، فإن "عم ظاظا" بحث عن مساعدة أهالي المرضى، والتخفيف من معاناتهم قائلا: "فيه ناس كانت بتنام على الرصيف جنب المستشفى"، مشيرا إلى أن ذلك قد يتسبب في تدهور حالة الأطفال. على مدى عامين متتاليين، لم يتوقف الرجل الخمسيني عن استقبال المرافقين لمرضى السرطان، وذلك بتجهيز شقة بالطابق الأول تشمل 3 غرف، مجهزة ب7 أسرة؛ تقيهم برد الشتاء، وأشعة الشمس الحارقة بفصل الصيف، دون الحصول على أية أموال، إذ علق الرجل لافتة من القماش كتب عليها "يوجد سكن واستراحة يوميًا مجانًا وبدون تبرعات لأطفال مستشفى 57357". "يا ريت الناس كلها تتاجر مع ربنا.. أحلى تجارة"، يجهش "عم ظاظا" بالبكاء عندما يتذكر كرم الله عليه "ربنا كرمني برزق أضعافا مضاعفة"، مشيرا إلى أنه لا يقبل أي تبرعات أو مساعدات. رغم حالة السعادة التي تسيطر على جزار منطقة المدبح الشهير، فإنه لم يسلم من بعض المضايقات في البداية، خاصة كراهية أصحاب العقارات المحيطة بالمستشفى، الذين يستغلون أهالي المرضى، لتأجير الوحدات السكنية لهم "ساعات أهالي المرضى مش بيبقى معاهم غير حق المواصلات علشان يرجعوا بلادهم تاني". وعن الإجراءات التي يتخذها "عم ظاظا" حيال أسر المرضى قبل استضافتهم، يؤكد أنه يطلب صورة البطاقة الشخصية وكارت المتابعة بالمستشفى فقط، مشددا على أنه يستضيف المرضى من كل المحافظات، وكذلك سكان المناطق النائية بالقاهرة، لافتا إلى أن: "البيت مجهز من كل حاجة، ونضيف علشان نحافظ على صحة الأطفال". ويشير صاحب دار استضافة مرضى سرطان الأطفال بالمجان، إلى أنه يعتبر الشقة التي خصصها لمرضى السرطان "صدقة جارية على روح والدته وحماته"، مؤكدا أن "أكتر اتنين كان خيرهم عليَّ في الدنيا وعايش ببركتهم، وربنا يجعله في ميزان حسناتهم". تقول ميرفت السيد، والدة الطفل "محمد"، إن ابنها مريض بسرطان الدم، وهما من محافظة البحيرة، وتعالج ابنها منذ 3 سنوات بمستشفى 57357، وكانت تقيم بدار ملحقة بالمستشفى، لكنها بعيدة "إحداها بالتجمع الخامس والأخرى بمنطقة المعادي"، وكانت تجد مشقة بالغة في الانتقال من المستشفى إلى دار الرعاية يوميا، بالإضافة إلى أن ابنها عقب تلقيه جرعة الكيماوي، تسوء حالته ليلاً، فكان الألم يعتصر ابنها حتى الصباح لتتوجه به إلى المستشفى. وتوضح والدة محمد أنها سمعت عن دار ضيافة الحاج "ظاظا"، عن طريق إحدى السيدات اللائي يترددن على الدار منذ عامين، متابعة: "لو احتجنا أي حاجة هو بيجيبها.. محسسنا إننا في بيتنا"، مشيرة إلى أنه قام بتوفير كراسي متحركة للأطفال، بالإضافة إلى أنه في بعض الأحيان "لمّا ببقى مسافرة أنا وابني لبلدنا، هو اللي بيوقف التاكسي لمحطة القطار وبيحاسبه كمان". وتوضح "أم معتصم"، وهي من محافظة الإسكندرية، أن دار ضيافة "ظاظا" تمتاز بالأمان، بالإضافة إلى طيبة الحاج "صيام"، الذي يشتري الحلوى للأطفال الموجودين بالدار يوميا، ويحرص على مداعبتهم "بصراحة هوِّن علينا مرارة المرض ومشقته.. ربنا يجازيه خير ويجعله في ميزان حسناته".