على باب مستشفى أبو الريش الجامعى للأطفال صورة تنطق بالتناقضات.. فخارج المستشفى شكاوى ونكران، وداخله شكر وامتنان.. فى الخارج صورة تنطق بمعاناة البسطاء وفى الداخل لمسات حانية وخدمة من القلب لا يعكر صفوها سوى قوائم الانتظار ونقص الإمكانات. ولنقترب أكثر لتتضح الصورة، فالمتوجه إلى المستشفى لأول مرة ليس فى حاجة للسؤال عن الطريق، فبمجرد الاقتراب من محيط المستشفى سيشاهد آباء وأمهات فى حالة لهفة يحملون أطفالهم ووجهتهم واحدة رغم اختلاف متطلبات علاج الأبناء.. آباء وأمهات معظمهم تراجعت طموحاته واختصرت كل أحلامه فى مجرد إيجاد مكان بالمستشفى لفلذة كبده لإجراء جراحة أو جرعة علاج عجز عن تدبيرها، أو الحصول على عربة دراجة كهربائية لحمل الأبناء أصحاب الظروف الخاصة.. وآخرون طافوا بأبنائهم على أكبر الأطباء وأكبر المستشفيات الخاصة وأجمع الكل أنه لايوجد علاج لحالاتهم سوى بمستشفى أبو الريش الذى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى مؤخرا دعوات للتبرع له حتى يتمكن من مواصلة تقديم خدماته المجانية التى يعجز المستشفى أحيانا عن تلبيتها ويصبح على الأهل المساهمة فى توفيرها، كما ذكر أصحاب الدعوات، خاصة أن إمكانات المستشفى لا تمكنه من عمل إعلانات لجمع التبرعات.. وحتى المرضى معظمهم يحتاج إلى من يدعمه، مثل الأم (س.م) التى كانت ابنتها فى جلسة الغسيل الكلوى بينما تجلس هى فى استراحة الدور الرابع بالمستشفى وقد غلبها النوم من عناء السفر، وحمل ابنتها التى تبلغ من العمر عشر سنوات وتحتاج إلى غسيل ثلاث مرات فى الأسبوع بينما ينام زوجها بجوار سور المستشفى، والتى قالت أنها تعالج على نفقة الدولة ولكن تكلفة المواصلات ترهقها ماديا.. وأيضا أم أخرى ينم مظهرها عن رقة الحال يعانى طفلها من ضمور فى الأعصاب تقول إن المستشفى يقدم لها كل شىء بالمجان وتتلقى أفضل معاملة من الأطباء والتمريض، وقد وعدوها بتوفير عربة كهربائية كتلك التى سيقدمونها للأطفال الذين يعانون من شلل دماغى. ولا يقتصر العلاج بالمستشفى على البسطاء فقط، فهذا الأب لم يفكر فى اللجوء إلى المستشفى الحكومى إلا بعد أن رفضت المستشفيات الخاصة علاج ابنه ذى الخمس سنوات الذى أصيب بالتسمم الحاد نتيجة تناوله لكيس مقرمشات مسمم بسبب سوء التخزين مما أدى لإصابته بالقىء المدمم وتوجه به إلى القسم الاقتصادى بالمستشفى، ولكنه للأسف لم يجد مكانا له، ونظرا لحالة الطفل تم إسعافه وعمل اللازم بالمستشفى.. فالأعداد تفوق الآلاف الذين يترددون على المستشفى يوميا، فيبدأ العمل من الثامنة صباح حتى الخامسة بالعيادات الخارجية، فى حين يستمر العمل بقسم الطوارئ على مدار 24 ساعة. المستشفى يجرى أيضا جراحات دقيقة، وهناك قائمة انتظار لكثرة المترددين عليه والكلام لأم ابنها موجود داخل العناية المركزة- فى انتظار دوره لإجراء عملية حرجة لذا تدعو المواطنين للتبرع للمستشفى لشراء المستلزمات الطيبة والأجهزة والاهتمام به لأنه المستشفى الوحيد الذى يخدم الأطفال فى جميع التخصصات على مستوى مصر. وتقاطعها أم محمد وهى تبكى: إبنى وحيد مصاب بضمور المخ ويأتى إلى المستشفى لإجراء العلاج ويحتاج إلى متابعة من التمريض ولكن للأسف بسبب الكثافة هناك عجز من التمريض، لذا هى تتمنى أن يسمح لطلبة مدارس التمريض بالتدريب داخل المستشفى نظير مبلغ يحصلون عليه ولو من الأهالى لمعاونتهم فى رعاية أبنائهم، ولكن ترد عليها (أم سماح) بأن العلاج مكلف لأننا نشتريه إذا لم يتوفر بالمستشفى.. والأهالى لم يعد فى مقدورهم تحمل المزيد من الأعباء.. الدعوات على مواقع التواصل وصفت رقة حال معظم المرضى لذا كان ذلك المشهد الإنسانى حيث اقتربت سيدة من أهل الخير من إحدى الأمهات لتقدم لها ظرفا مغلقا به مبلغ من المال دون أن تسألها عن مدى احتياجها. الإحساس بمعاناة الأمهات يستجيب له الأطباء، واللمسات الحانية تأتى من الشباب منهم، د.رباب حسين أخصائى عام طبيبة امتياز لاحظت وهى تتابع حالة الطفل، أسلوب تقديم المساعدة للأم، فهمست فى أذن المتبرعة بأنه من الأفضل لها التوجه إلى مكتب مدير عام شئون الخدمة الاجتماعية بالمستشفى فى الدور الرابع، حيث يستقبل جميع أنواع التبرعات المادية والعينية (من أدوية ومستلزمات طبية وخلافه) أو السماح بتحمل تكاليف علاج أى حالة مريضة وخاصة مع ارتفاع نسبة استقبال الحالات. وفى نفس الوقت نظمت إدارة العلاقات العامة بالمستشفى الأسبوع الماضى يوما ترفيهيا للأطفال كما تقول احدى الأمهات أن المستشفى معنى أيضا بالجانب الإنسانى للمرضى وإدخال الفرح والبهجة على الأطفال وخاصة حالات ضمور المخ بإقامة الحفلات المتنوعة ومنها تلك الحفلة الأخيرة التى تم فيها توزيع 100عربية على الأطفال ليتمكنوا من التحرك بسهولة دون الحاجة إلى حملهم، ولذا ينصح الناس بتوجيه تبرعاتهم من صدقات أو زكاة أوصدقة جارية إلى الإدارة المتخصصة والاهتمام الإعلامى بها لأنه مازالت هناك قوائم انتظار طويلة من المرضى لإجراء جراحات خطيرة وعاجلة وستساعد التبرعات فى تخفيض قوائم الانتظار. وتقترح إحدى الأمهات إضافة مبلغ نصف جنيه على ثمن الدواء من الصيدلية وتوجيهه للتبرع لصالح تجديد المستشفيات الحكومية تحت إشراف جهة معلنة وواضحة أمام الناس لاكتساب المصداقية.. وبالطبع فى مقدمة هذه المستشفيات مستشفى الأطفال.. وكان آخر وأهم الاقتراحات أن تكون هناك دعوة لتحريك المتطوعين للبحث فى أحوال المرضى من توفير نفقات الانتقال أو توفير مكان لإقامة أهالى الأطفال أثناء احتجازهم بالمستشفى خاصة أن معظمهم يأتى من محافظات بعيدة.