حقاً نقف إكباراً واحتراماً حين نرى متابعة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي راعي بطولات "فزاع" التراثية، لمفردات التراث الضاربة في عمق التاريخ، الشامخة بقيمها وأصالتها، فهذا المستوى من الاهتمام يجعل البطولات السنوية بحق تظاهرة تراثية تستنهض الهمم وتعزز روح الانتماء للماضي والاعتزاز به ومعرفة مكنوناته. لتكون هذه البطولات همزة وصلٍ بين الحاضر والماضي، وليمتد أثرها إلى خارج الوطن فيصل صداها إلى الدول الأخرى في الوطن العربي وخارجه وتحظى بالمتابعة والمشاركة، حيث شهدت المسابقة مشاركات من ألمانيا وفنلندا وسوريا والعراق والأردن، ما يؤكد على ضرورة الاستمرار في غرس مفاهيم الأصالة والتراث في نفوس الأجيال الجديدة، وتربيتهم على التواصل مع الماضي بإرثه وموروثاته وتقاليده والتمسك به، للانطلاق نحو غد مشرق يواكب روح العصر ومتطلباته، وتعلو فيه قيم الأصالة والهوية الوطنية. يخرج الاهتمام بالأصالة على مستوى المجتمعات أو القائمين على حركتها، من حيز البروباغندا الفضفاضة إلى واقع التبني والالتزام، حين يغدو هذا الاهتمام هاجساً مؤرقاً يستحث التفكير في جديد حفظ الموروث وتسويقه وترويجه بين الشباب، والاهتمام بتفاصيله التي طواها الزمان، حتى يعيد تمثيلها واقعاً معاشاً يحظى بالتقدير من أعلى المستويات والمتابعة والاهتمام من جميع الشرائح. هنا تضع بطولات "فزاع" بصمتها الأصيلة، حين تثبت كل عام أنها تبحث عن الأصالة لتجعلها زاد المستقبل وعدة الحاضر، وتنقل يوميات ماضي الأجداد إلى دائرة الشعور العام المتجدد الذي لا يخبو ولا ينطفئ. وبفضل المساندة القوية والمتابعة الدؤوبة من سمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم، وحرص سموه على تعزيز ارتباط الشباب وتعريفهم بثقافة الوطن وماضيه العريق؛ بقيت البطولات منبعاً ينهل من معينه كل مهتم بذخائر ومآثر الآباء والأجداد، وأصبحت موعداً سنوياً مع الأصالة وذكرياتها العبقة، ينتظره محبوها داخل وخارج الوطن، وتحظى بحضور وإقبال جماهيري لافت بسبب انفتاحها على هواة ومحترفي ممارستها، وحرصهم على المشاركة والتفاعل مع فعالياتها المتعددة والمتنوعة، والتي تبقي جذوة التراث حية متقدة. وإذا توقفنا عند بطولة الصيد بالصقور تحديداً، فإننا نرصد صورة حيّة لتاريخ بلدٍ أصيل، نشأ أبناؤه على روح المغامرة والشجاعة، والقدرة على دخول غمار المنافسة، بما أوحته لهم قسوة الصحراء ومتعة خصوصيتها. فقبل أيام بدأت فعاليات بطولة "فزاع" للنخبة في الصيد بالصقور السنوية، في منطقة "الرويّة" المؤهلة لمثل هذه السباقات لخلوها من الطيور السائبة، وتنافست فيها مجموعة من أقوى الصقور والصقّارين في العالم، وتميزت بالريادة الإماراتية بمراكزها الأولى، وهي بطولة تضاف إلى سجل سمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم، الذي وثق تفاصيلها في أشعاره، قبل أن يطلقها كمسابقة جمع فيها الكثير من التفاصيل الدقيقة العميقة التي لا يتقنها إلا الصقّار المحترف، ونشأ مستوعباً لتاريخ أمته العربية ومحباً لموروث أجداده وآبائه، مفتوناً بروائع الحياة الصحراوية وعاداتها وتقاليدها الراسخة ومآثرها الخالدة. ولا بد من الإشادة هنا بالحرص الكبير على إدخال مفردات الحضارة والتكنولوجيا إلى عالم السباق التراثي، لتبقى بطولة "فزاع" على تميزها وشفافيتها وتحظى برضى المتنافسين فيها، وبما يؤكد الاهتمام الكبير من المشرفين عليها. فقبل ثلاث سنوات تم بتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، استخدام تكنولوجيا حديثة بطريقة دقيقة لحساب سرعة الصقر والمدة التي يصل فيها من بوابة الدخول إلى بوابة الخروج، عبر جهاز مرتبط بحاسبة معينة، وجهاز يصدر أشعة ليزرية بحيث يتم من خلاله حساب الزمن الذي يقطعه الصقر في المنافسة، ويحسب الزمن بأقل من أجزاء من الثانية، وهو يستخدم لأول مرة في سباقات الصقور، واسمه "فزاع 1". وما يميز هذه التقنية أنهم كانوا سابقاً يحتاجون ليومين لحساب التنافس لكل مئة صقر، بينما بوجود هذا الجهاز أصبح بالإمكان أن يجرى في كل دقيقة سباق لصقر واحد، ما يختصر الكثير من الوقت، فضلاً عن الدقة عالية الجودة في حساب الوقت. ولا شك أن الاستراتيجية الأساسية التي تصب في إطارها مختلف بطولات "فزاع"، هي صون الموروث المحلي والسعي إلى تعميق انتشاره وحضوره بين مختلف الفئات والشرائح المجتمعية والعمرية، على نحو يصب في مصلحة دعم الهوية الوطنية، والحفاظ على فنون وممارسات ذات أهمية شديدة في البُعد الثقافي والحضاري الإماراتي. وما يدعو للرضى بالمستوى الذي يختص به التراث في نفوس أبناء الوطن، هو المستويات المتقدمة في المنافسات التي يحتلونها والمراكز المتقدمة، والتي تترجم خبرتهم في هذه الرياضة. هي دعوة مفتوحة للشباب، يمسك بطرفها القادة الحريصون على إحياء معالم التراث والذود عنه وإدخاله في معجم حياة الأجيال، ويمسك بالطرف الآخر شبابنا المتطلعون إلى غدٍ أصيل مشرق، يعلم قواعد الحضارة ويتقن أسس الأصالة. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية