انطلقت في مدينة العين الظبيانية بدولة الإمارات أمس الخميس فعاليات مهرجان الصداقة الدولي الثاني للبيزرة، بمشاركة أكثر من 700 من مربي الصقور بدول العالم، بجانب حضور خبراء وعلماء وممثلي منظمة "اليونسكو" والمؤسسات الدولية المعنية، والذين يمثلون جميعا 75 دولة. ويتواصل المهرجان حتى 17 ديسمبر الجاري، برعاية الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فيما يأتي تنظيم المؤتمر احتفاءً بتسجيل منظمة "اليونيسكو" للصقارة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، وللتعريف بالإمارات كدولة جمعت بين الماضي بكل تقنياته ومعطياته، وبين الماضي بكل ما فيه من عراقة و أصالة وثقافة. ويستهدف المهرجان إبراز ما يعزز مكانة أبوظبي كوجهة سياحية ثقافية على الصعيد المحلي والعربي والعالمي، مما يوفر بيئة خصبة لاحتكاك وتمازج الحضارات والثقافات. ولفت محمد أحمد البواردي، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي نائب رئيس مجلس إدارة نادي صقاري الإمارات اليوم إلى أن موضوع التراث الثقافي ضرورة ملحة في القرن الحادي والعشرين، حيث أثرت تطورات العصر المتسارعة بشدة على شكل البيئة الطبيعية والثقافية. وأشار البواردي إلى أن الإمارات بدأت اهتمامها بصون الصقارة كتراث إنساني منذ بدايات تأسيسها وبشكل خاص منذ عام 1976، عندما نظمت أبوظبي أول مؤتمر دولي للحفاظ على الصقارة، بتوجيهات ورعاية من الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في إطار اهتمامه المعروف له عالمياً بالتراث العربي الأصيل الذي يمثل قيمة وعادات وهوية الإماراتيين. وتحدثت في افتتاح المنتدى كاتالين بوجاياي رئيس المؤتمر العام لليونيسكو وسفيرة هنغاريا بالمنظمة فبينت أن حماية وصون التراث الثقافي والتراثي أمر غاية في الأهمية بالنسبة للشعوب، "نظراً لتعلقه بهويتنا فإن لم نعرف من نحن سنكون منعزلين عما حولنا". وقالت إن الصقارة تكرس مفهوم الثقافة والتراث بشكله العاصر وهي ليست مجرد تقاليد من الماضي بل ممارسة معاصرة لمجموعة من الثقافات المتعددة و نقلها للأجيال القادمة وتأكيداً لذلك نرى صقارين من المشاركين بمختلف الأعمار، وبذا فإن الصقارة ربط بين الحاضر والماضي والمستقبل. ودعت إلى صون هذا التراث مما قد يتعرض له من جراء التمدن السريع والهجرة من الأرياف إلى المدن، "ولا نريد أن نقتصر الصقارة على المتاحف بل تريدها تراثاً حياً يعزز الهوية، مؤكدة حرص ومساعي هنغاريا لتسجيل الصقارة كتراث إنساني حي غير مادي في "اليونيسكو". وبمناسبة المهرجان أكد محمد خلف المزروعي، مستشار الثقافة والتراث بديوان ولي عهد أبوظبي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أن "الصقارة تعتبر من ملامح التراث العربي الأصيل الذي لم يكتفِ أهل الإمارات بصونه وحمايته فقط، بل بذلوا جهوداً حثيثة لتطويره بما يُحقق " الصيد المُستدام " ويُحافظ على البيئة". وقال إن المشاركة الدولية الواسعة من قبل ما يزيد على 700 صقار وخبير وباحث ومسؤول في "اليونسكو" والمؤسسات الدولية المعنية من 75 دولة، إنما يعكس الاهتمام العالمي المتزايد بصون تراث الشعوب، وثقة كبيرة في إمكانات أبوظبي ودولة الإمارات. وأضاف أن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عبر تنظيم هذا الحدث العالمي يأتي لإبراز الدور الذي لعبته الإمارات في تسجيل الصقارة كتراث إنساني في قائمة "اليونسكو"، وشرح أهمية هذا الإنجاز، فضلا عن الاحتفاء بتسجيل مدينة العين كجزء من التراث العالمي المادي لليونسكو، والترويج للإمارات كدولة حديثة تعتز بتراثها وثقافتها، والترويج لأبوظبي كوجهة مميزة للسياحة الثقافية، والعمل على توفير منصّة متميزة لحوار الثقافات والتقاء الشعوب والمنظمات والأفراد المهتمين بالصقارة لدعم هذا التراث والحفاظ عليه وتطويره. وأرجع أصول الصقارة إلى ما قبل التاريخ بفترة طويلة، "وأن السجلات والحفريات والنصوص القديمة أثبتت من خلال التقنيات الجديدة في التنقيب الأثري أن الصقارة انتشرت في منطقة الشرق الأوسط وبالذات في منطقة الخليج العربي قبل 10000 عام قبل الميلاد، ثم انتشرت فيما بعد لبقية الأمم، حيث عُرفت في تخوم آسيا الشرقية، كما مورست في معظم أوروبا وأمريكا الشمالية". ويعرف أن العرب مارسوا الصقارة بكافة فئاتهم أباً عن جد إلى يومنا هذا، وتكفي الإشارة إلى أن أكثر من 50% من صقاري العالم يتركزون الآن في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من أنها منتشرة اليوم في حوالي 80 بلداً في القارات الست. وقد دخلت الصقارة إلى أوروبا عبر الشرق العربي، وفيما سبق كان الصيد بالصقور هو الرياضة الوحيدة التي تستطيع نساء القرون الوسطى المشاركة بها. ومن جانبه، أشار عبد الله القبيسي مدير مهرجان الصداقة الدولي الثاني للبيزرة مدير إدارة الاتصال في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، إلى أن المهرجان يتضمن مخيمات صحراوية وتنظيم مؤتمر علمي، إضافة للعديد من ورش العمل التطبيقية والفعاليات التراثية والثقافية المبتكرة، والتي ستشكل فرصة مميزة للترويج السياحي للإمارات، وبشكل خاص لمدينة الواحات " العين " في المنطقة الشرقية، والتي تزخر بالمواقع الأثرية التي تمّ تسجيلها مؤخرا في منظمة "اليونسكو" كتراث عالمي. وفيما يساهم في المهرجان طلبة كلٍ من جامعات الإمارات، وزايد، وأبوظبي في المحاور المتعلقة بالتراث العربي للصقارة.فان تسجيل الصقارة شكل في الماضي نموذجاً فريداً في التعايش الحضاري بين الشعوب، ولعلّ تسمية هذا الحدث العالمي اليوم ب "مهرجان الصداقة" تأتي تأكيداً على هذه الرسالة.